لم تَطُل فترة الغزل والود بين الفرنسيين ورئيسهم الجديد. فقد بدأ إيمانويل ماكرون سريعاً، وبعد أقل من شهرين على تسلمه الرئاسة، بالكشف عن وجه آخر في تعاطيه مع الداخل الفرنسي، ومع مؤسسة الجيش وقائدها، ومع المعارضة بشكل عام، وفي توسيع نطاق حضوره بشكل استفزازي (خطاب فرساي الأخير) وفي مواقف خارجية نافرة، أكان في اعتباره أن "معاداة الصهيونية امتداد لمعاداة السامية"، أو في اعتباره أن السياسة الفرنسية في السنوات الست الماضية، في مقاطعة نظام بشار الأسد في سورية ودعم المعارضة، على الأقل سياسياً، كانت فاشلة.
وجه رأى كثر أنه معاكس لما حاول أن يوحي به خلال حملته الرئاسية الناجحة، كوجه شاب متواضع وصريح وعفوي يريد إنجاز تسوية تاريخية بين اليسار واليمين. سريعاً، راح ماكرون يكتشف كم هو صعب ممارسة السلطة وتطبيق الوعود الانتخابية. وبالتالي بدأت شعبيته في التراجع، على الرغم من أنها لا تزال فوق الخمسين في المائة، وهي مرشحة للمزيد من الانحدار. وقد بدأ الرئيس الذي انتخب بأغلبية كبيرة، والذي منحه الناخبون الفرنسيون أغلبية مطلقة ومريحة، يشعر بأن القلق والتذمر بدأا ينتابان قطاعات من الفرنسيين.
وعلى الرغم من أنه راهن، من أجل تطبيق بعض خياراته الاقتصادية الصعبة، على ما يسميه "صدمة الثقة"، إلا أن تردده في تطبيق الجدول الضريبي أصاب دافعي الضرائب، كذلك الراغبين في الاستثمار، بأزمة ثقة. أما رأسمال التعاطف مع المؤسسة العسكرية التي دشّنها من خلال أول زيارة له خارج فرنسا بعد انتخابه، لتناول الطعام مع جنوده في مالي، فقد بدّد كثيراً منه، بسبب تصرفه مع الجنرال بيار دو فيلييه، مهدداً بكسر شهر العسل بين الرئيس والجيش، كما كتب الصحافي في صحيفة "لوفيغارو"، غيوم تابارد.
وعلى الرغم من مسارعة الرئيس لاستعادة الثقة، من خلال زيارته القاعدة الجوية في إيستر، إلا أن العلاقة مع الجيش لم تتحسّن. مع ذلك، فإن ماكرون، لا يزال يحظى، وفق استطلاع للرأي نشرته "لوفيغارو"، يوم الجمعة الماضي، بشعبية كبيرة (66 في المائة، في مقابل 69 في المائة في شهر يونيو/ حزيران الماضي). كذلك يحظى بتأييد كبير لدى جميع الحركات والأحزاب السياسية باستثناء "فرنسا غير الخاضعة" و"الجبهة الوطنية"، إلا أن القلق الحقيقي يُساور المقربين منه، من انفصام سريع للود مع الفرنسيين، بسبب تذمر فئات طبقية عديدة، وبسبب التناقضات التي بدأت تظهر، هنا وهناك، بين أنصاره وبين أغلبيته الرئاسية.
اقــرأ أيضاً
لكنّ ماكرون لا يتوجب عليه فقط إقناع حلفائه من اليمين ويمين الوسط، بل إن عليه أن يوحد حركته نفسها، كما ذكرت صحيفة "لوكنار أنشينيه"، فإن "كما كان لفرانسوا هولاند متمردون عليه، فإن لحركة (الجمهورية إلى الأمام) أيضاً، متمرّدوها". ونقلت الصحيفة أن ثمة "قلقاً من الدائرة المقربة من ماكرون من النواب البرلمانيين الهواة، والذين وصلوا حديثاً لعالَم السياسة وللجمعية الوطنية (البرلمان)". واستعرضت الصحيفة نقاشات جرت يومي 11 و12 يوليو/تموز الحالي، بين أعضاء "الجمهورية إلى الأمام"، حول قانون الحياة السياسية، وخلال مرتين، اضطر رئيس مجموعة نواب ماكرون، ريشار فيران، للتدخل ليشرح لنوابه أن نصّ القانون في حدّ ذاته وافق عليه رئيس الجمهورية، وتمّ تبنّيه في مجلس الحكومة.
وإذا كان الرئيس مضطراً لبذل جهود كبيرة لإرضاء المؤسسة العسكرية الفرنسية، والتي تحظى بشعبية في الشارع الفرنسي وبين الأحزاب السياسية، بعد "اشتباك"، دام أسبوعاً، مع رئيس الأركان بيار دوفيلييه، خرج منه هذا الأخير، منتصراً، على الرغم من تقديم استقالته، فإن قراره إعفاء ملايين من الفرنسيين من دفع ضريبة السكن، ابتداء من سنة 2018، يحرم البلديات من مصدر دخل ضروري في ميزانياتها، ويجلب عليه تذمرها وغضبها.
وأُضيف إلى هذا مواقفه السياسية، والتي أرادَ بعضَها كـ"قطيعة" مع سياسات سلفه هولاند، لكنها تثير سخرية وغضب كثيرين، فحرصه على دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى فرنسا، على الرغم من مواقف هذا الأخير، وإصراره على وضع يده على كتف الزعيم الأميركي، أثار سخرية كثيرين.
اقــرأ أيضاً
وازداد استهجان كثيرين للسياسة الخارجية لماكرون، بخصوص موقفه شبه المتواطئ مع النظام السوري، لناحية عدم وضع رحيله شرطاً للمفاوضات، كما كان يصرّ فرانسوا هولاند، وأيضاً من التأسف على غياب فرنسا "الطويل" في سورية، والذي يرون فيه انهياراً أخلاقياً فرنسياً، تجاه شعب سوري أعزل يطالب بالحرية والديمقراطية.
ووصلت الذروة في نكوص السياسة الخارجية الفرنسية، والتي كانت فخورة بموقفها المتوازن، عبر توجيه ماكرون دعوة رسمية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للمشاركة في ذكرى فرنسية داخلية. وحرص فيها الرئيس ماكرون، على الرغم من أن الوضع في الشرق الأوسط، على شفا بركان، إن في قطاع غزة أو في المسجد الأقصى، على أن ينادي نتنياهو بـ"بيبي" تحببّاً. وأمامه لم يتورع الرئيس الفرنسي أن يصرّح، من دون ذرة خجل، بأن "معاداة الصهيونية هو الشكل الذي تم اختراعه من جديد، لمعاداة السامية"، في موقف رسمي فرنسي غير مسبوق، على هذا المستوى، إذ كان رئيس الحكومة مانويل فالس، يقول مثل هذا الكلام.
وفي هذا الصدد، وبسبب هذا الموقف الخطير، وجّه المؤرخ الإسرائيلي شلومو صاند رسالة مفتوحة إلى ماكرون، تساءل فيها: "هل قرأ التلميذ السابق في الفلسفة ومساعد بول ريكور، قليلاً، كتب تاريخ، إلى درجة تجاهل كون عدد من اليهود ومن المنحدرين من أصول يهودية، عارضوا الصهيونية، بشكل دائم، من دون أن يكونوا معادين للسامية؟"، وأعلن المؤرخ في رسالته للرئيس: "إنني توقفت عن فهمك وأنا أسمع منك الجملة السالفة".
وختم رسالته: "أنا مواطن راغب في أن تكون الدولة التي أقيم فيها جمهورية إسرائيلية وليست دولة طائفية يهودية. وباعتباري أنحدر من يهود عانوا من التمييز، لا أريد أن أعيش في دولة، تجعل مني، وفق التعريف الذي تمنحه لنفسها، مواطناً متمتعاً بامتيازات. فهل يجعل هذا، في رأيكم، سيدي الرئيس، مني معادياً للسامية؟".
ولم يكن المؤرخ شلومو صاند وحده من دان استقبال ماكرون لنتنياهو وما رافقها من تصريحات ومواقف. فقد كتب دنيس سييفير، مدير مجلة "بوليتيس"، مقالاً بعنوان: "أخطاء سياسية وأخلاقية"، قال فيه إن "ماكرون لم يكتف بدعوة نتنياهو إلى حفل، لا مكان له فيها، بل استعار، وبوقاحة، بروباغاندا نتنياهو".
وأضاف سييفير أن "النفاق هو، بالتأكيد، مُكوّنٌ ضروري في الدبلوماسية. لكن توجد حدود. كما توجد حدودٌ لدبلوماسية النقر على الظهر. ها نحن لدينا رئيس لجمهورية مألوفة مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، وودّية مع ترامب. وفي ما يخص العناق الطويل مع نتنياهو، فلم يكن فقط مثيراً للسخرية والضحك، بل كان جرحاً مُوجَّهاً للشعوب التي تعاني من هذا الرجل. هل كان للرئيس وعي بالأمر؟ يقال إن لديه نزوعاً للتركيز على الأشخاص. فهل هو بصدد الاعتقاد أن العلاقات الشخصية المبالغ في إظهارها يمكنها أن تحل مشاكل العالَم؟ بوتين وترامب ونتنياهو ليسوا، تحديداً، أناساً لديهم نيات حسنة. وإن تصنّع الاعتقاد بهذا يمكن أن يقود بسرعة إلى دفع ثمن سياسي باهظ. إن مسرح الصداقات المغلوطة يحرّك، من دون شك، الداخل الجديد. ولكنه يُهين أيضاً ضحايا من يتلقى المدائح. وهذا ليس جيّداً لبلدنا".
وجه رأى كثر أنه معاكس لما حاول أن يوحي به خلال حملته الرئاسية الناجحة، كوجه شاب متواضع وصريح وعفوي يريد إنجاز تسوية تاريخية بين اليسار واليمين. سريعاً، راح ماكرون يكتشف كم هو صعب ممارسة السلطة وتطبيق الوعود الانتخابية. وبالتالي بدأت شعبيته في التراجع، على الرغم من أنها لا تزال فوق الخمسين في المائة، وهي مرشحة للمزيد من الانحدار. وقد بدأ الرئيس الذي انتخب بأغلبية كبيرة، والذي منحه الناخبون الفرنسيون أغلبية مطلقة ومريحة، يشعر بأن القلق والتذمر بدأا ينتابان قطاعات من الفرنسيين.
وعلى الرغم من مسارعة الرئيس لاستعادة الثقة، من خلال زيارته القاعدة الجوية في إيستر، إلا أن العلاقة مع الجيش لم تتحسّن. مع ذلك، فإن ماكرون، لا يزال يحظى، وفق استطلاع للرأي نشرته "لوفيغارو"، يوم الجمعة الماضي، بشعبية كبيرة (66 في المائة، في مقابل 69 في المائة في شهر يونيو/ حزيران الماضي). كذلك يحظى بتأييد كبير لدى جميع الحركات والأحزاب السياسية باستثناء "فرنسا غير الخاضعة" و"الجبهة الوطنية"، إلا أن القلق الحقيقي يُساور المقربين منه، من انفصام سريع للود مع الفرنسيين، بسبب تذمر فئات طبقية عديدة، وبسبب التناقضات التي بدأت تظهر، هنا وهناك، بين أنصاره وبين أغلبيته الرئاسية.
لكنّ ماكرون لا يتوجب عليه فقط إقناع حلفائه من اليمين ويمين الوسط، بل إن عليه أن يوحد حركته نفسها، كما ذكرت صحيفة "لوكنار أنشينيه"، فإن "كما كان لفرانسوا هولاند متمردون عليه، فإن لحركة (الجمهورية إلى الأمام) أيضاً، متمرّدوها". ونقلت الصحيفة أن ثمة "قلقاً من الدائرة المقربة من ماكرون من النواب البرلمانيين الهواة، والذين وصلوا حديثاً لعالَم السياسة وللجمعية الوطنية (البرلمان)". واستعرضت الصحيفة نقاشات جرت يومي 11 و12 يوليو/تموز الحالي، بين أعضاء "الجمهورية إلى الأمام"، حول قانون الحياة السياسية، وخلال مرتين، اضطر رئيس مجموعة نواب ماكرون، ريشار فيران، للتدخل ليشرح لنوابه أن نصّ القانون في حدّ ذاته وافق عليه رئيس الجمهورية، وتمّ تبنّيه في مجلس الحكومة.
وإذا كان الرئيس مضطراً لبذل جهود كبيرة لإرضاء المؤسسة العسكرية الفرنسية، والتي تحظى بشعبية في الشارع الفرنسي وبين الأحزاب السياسية، بعد "اشتباك"، دام أسبوعاً، مع رئيس الأركان بيار دوفيلييه، خرج منه هذا الأخير، منتصراً، على الرغم من تقديم استقالته، فإن قراره إعفاء ملايين من الفرنسيين من دفع ضريبة السكن، ابتداء من سنة 2018، يحرم البلديات من مصدر دخل ضروري في ميزانياتها، ويجلب عليه تذمرها وغضبها.
وأُضيف إلى هذا مواقفه السياسية، والتي أرادَ بعضَها كـ"قطيعة" مع سياسات سلفه هولاند، لكنها تثير سخرية وغضب كثيرين، فحرصه على دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى فرنسا، على الرغم من مواقف هذا الأخير، وإصراره على وضع يده على كتف الزعيم الأميركي، أثار سخرية كثيرين.
وازداد استهجان كثيرين للسياسة الخارجية لماكرون، بخصوص موقفه شبه المتواطئ مع النظام السوري، لناحية عدم وضع رحيله شرطاً للمفاوضات، كما كان يصرّ فرانسوا هولاند، وأيضاً من التأسف على غياب فرنسا "الطويل" في سورية، والذي يرون فيه انهياراً أخلاقياً فرنسياً، تجاه شعب سوري أعزل يطالب بالحرية والديمقراطية.
ووصلت الذروة في نكوص السياسة الخارجية الفرنسية، والتي كانت فخورة بموقفها المتوازن، عبر توجيه ماكرون دعوة رسمية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للمشاركة في ذكرى فرنسية داخلية. وحرص فيها الرئيس ماكرون، على الرغم من أن الوضع في الشرق الأوسط، على شفا بركان، إن في قطاع غزة أو في المسجد الأقصى، على أن ينادي نتنياهو بـ"بيبي" تحببّاً. وأمامه لم يتورع الرئيس الفرنسي أن يصرّح، من دون ذرة خجل، بأن "معاداة الصهيونية هو الشكل الذي تم اختراعه من جديد، لمعاداة السامية"، في موقف رسمي فرنسي غير مسبوق، على هذا المستوى، إذ كان رئيس الحكومة مانويل فالس، يقول مثل هذا الكلام.
وختم رسالته: "أنا مواطن راغب في أن تكون الدولة التي أقيم فيها جمهورية إسرائيلية وليست دولة طائفية يهودية. وباعتباري أنحدر من يهود عانوا من التمييز، لا أريد أن أعيش في دولة، تجعل مني، وفق التعريف الذي تمنحه لنفسها، مواطناً متمتعاً بامتيازات. فهل يجعل هذا، في رأيكم، سيدي الرئيس، مني معادياً للسامية؟".
ولم يكن المؤرخ شلومو صاند وحده من دان استقبال ماكرون لنتنياهو وما رافقها من تصريحات ومواقف. فقد كتب دنيس سييفير، مدير مجلة "بوليتيس"، مقالاً بعنوان: "أخطاء سياسية وأخلاقية"، قال فيه إن "ماكرون لم يكتف بدعوة نتنياهو إلى حفل، لا مكان له فيها، بل استعار، وبوقاحة، بروباغاندا نتنياهو".
وأضاف سييفير أن "النفاق هو، بالتأكيد، مُكوّنٌ ضروري في الدبلوماسية. لكن توجد حدود. كما توجد حدودٌ لدبلوماسية النقر على الظهر. ها نحن لدينا رئيس لجمهورية مألوفة مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، وودّية مع ترامب. وفي ما يخص العناق الطويل مع نتنياهو، فلم يكن فقط مثيراً للسخرية والضحك، بل كان جرحاً مُوجَّهاً للشعوب التي تعاني من هذا الرجل. هل كان للرئيس وعي بالأمر؟ يقال إن لديه نزوعاً للتركيز على الأشخاص. فهل هو بصدد الاعتقاد أن العلاقات الشخصية المبالغ في إظهارها يمكنها أن تحل مشاكل العالَم؟ بوتين وترامب ونتنياهو ليسوا، تحديداً، أناساً لديهم نيات حسنة. وإن تصنّع الاعتقاد بهذا يمكن أن يقود بسرعة إلى دفع ثمن سياسي باهظ. إن مسرح الصداقات المغلوطة يحرّك، من دون شك، الداخل الجديد. ولكنه يُهين أيضاً ضحايا من يتلقى المدائح. وهذا ليس جيّداً لبلدنا".