استعرضت مجلّة "فوربس" الأميركية، في مقال موسّع أعدّه الباحث المتخصّص في السياسات الدولية دوغ بانداو، حصاد الأزمة الخليجية الراهنة، التي تطوي هذه الأيام شهرها الثاني، ساخرةً أنّ "الإنجازات" التي حققتها دول الحصار تتمثل بـ: حشد القطريين وراء أميرهم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وتخريب مجلس التعاون الخليجي، وتخفيف عزلة إيران، ودفع تركيا نحو الشؤون الخليجية، وتحدّي واشنطن. كما استعرضت الدروس المستقاة من الأزمة، وأولها إثبات أنّ السعودية مجرد "نمر ورقي"، وجذب الأنظار لسلوك الرياض وأبوظبي.
وقال الكاتب إن دول الحصار تلتمس تحقيق "نصر سريع"، عبر إخضاع قطر، وتجريدها من سياساتها الخارجيّة المستقلّة، ظنًّا منها أن الولايات المتّحدة باتت تقف الآن في صفّها.
وقال الكاتب إن دول الحصار تلتمس تحقيق "نصر سريع"، عبر إخضاع قطر، وتجريدها من سياساتها الخارجيّة المستقلّة، ظنًّا منها أن الولايات المتّحدة باتت تقف الآن في صفّها.
غير أن المعطيات الراهنة تشي بعكس ذلك، كما يستنتج بانداو، وهو الذي عمل سابقًا مساعدًا خاصًّا للرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان، قائلًا إن الأسابيع التي تخلّلت الأزمة لم تكن "لطيفة" بالنسبة للرياض وأبوظبي، لا سيما بعد إظهار وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين، ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس، دعمهما للدوحة، حتّى إن تيلرسون أبدى تبرّمًا واضحًا حيال المطالب التي رأى أنه مبالغ فيها، ولا تستحقّ حتّى التفاوض، في حين وصف مواقف قطر بـ"الرشيدة جدًّا".
عطفًا على ذلك، يشير الكاتب إلى أن عددًا ليس بالقليل من النقّاد لاحظ أن السعودية والإمارات أكبر ذنبًا وأقرب إلى تهمة تمويل الإرهاب، وأحد أولئك، كما يفصّل بانداو، هو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بوب كروكر، الذي اشتكى من أن "حجم الدعم المقدّم للإرهاب بواسطة السعودية يقزّم ما تفعله قطر"، حسب قوله. تبعًا لذلك، يشير المقال إلى أن الدوحة انتهزت الفرصة للتوقيع على اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن تمويل الإرهاب، وهو ما لم يفعله أحد من متّهميها.
علاوة على ذلك، يشير مقال "فوربس" إلى التقارير التي أفادت بأن الاستخبارات الأميركية خلصت إلى أن الإمارات قرصنت موقع الوكالة القطرية الرسمية "قنا" قبل شهرين، ونشرت زورًا على لسان أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، التصريحات التي أشعلت الأزمة. لكن في المقابل، فإن البحرين ومصر، اللتين انضمّتا إلى العربة المناهضة للدوحة، بحسب تعبير بانداو، بدتا وكأنهما مجرّد "مستَأجرتين"، وتقومان بكلّ ما يتمّ إبلاغهما به من دول توفّر لهما الدعم المالي والعسكري.
وبعدما بدأت تلك الدول أعمالها العدائية بلا خطّة احتياطيّة، بحسب المقال، يبدو أن التحالف المناهض لقطر اليوم لا يملك القدرة على التصعيد ضدّ رغبات الولايات المتحدة، أو حتى التراجع من دون خسارة ماء الوجه، وفي خضمّ ذلك، يبدو الإبقاء على المسار القائم حاليًّا أفضل قليلًا من سواه. عطفًا على ما سبق، يكتب بانداو ساخرًا أن الإنجازات التي حققتها السعودية والإمارات تمثّلت في حشد القطريين وراء العائلة الأميريّة، وتخريب مجلس التعاون الخليجي، وتخفيف عزلة إيران، وسحب تركيا مباشرة نحو شؤون الخليج، وأخيرًا تحدّي واشنطن.
تلك التجربة، بحسب قوربس، قدّمت عدّة دروس هامّة؛ أوّلها أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبرق ويرعد، لكن ليس ثمّة علاقة كبيرة له بالسياسة الخارجية، وتفضيلاته الخاصة لا تملك إلا تأثيرًا ضئيلًا على السياسة الأميركية. وعلى الرغم من انتقاده السعودية في الماضي، فإنه يتخبّط اليوم ليصبح بحكم الواقع جماعة الرياض الضاغطة في واشنطن.
وثاني تلك الدروس، كما يستطرد الكاتب، هو أن السعودية أثبتت أنها مجرّد "نمر ورقي" أكثر من كونها "زعيمة للمنطقة"؛ فهي تنفق بسخاء على الأسلحة، وتدعم دولًا مسلمة أخرى، وتسعى للإطاحة بنظام بشار الأسد، وتشنّ حربًا وحشيّة ضد اليمن؛ غير أنّها كانت منزوعة الردّ حينما رفضت قطر مطالبها. ولا عجب في أن السعوديين، الذين اعتقدوا سابقًا أنهم استمالوا رئيس الولايات المتّحدة، يشكون الآن من أن وزير خارجيّتها يقف مع الدوحة.
ثالثً الدروس المستخلصة، كما يشرح بانداو، هو أن الدبلوماسية السعودية باهظة الثمن في الخارج كانت ذات قيمة مشكوك فيها، ولم تُكسب المملكة إلا القليل من الأصدقاء، فالرياض وأبوظبي دشّنا تحالفًا غير ذي أهمية وصلة بالقضية، يضمّ إلى جانب البحرين ومصر، دولًا صغيرة، كالمالديف، وإحدى الحكومات المتنافسة في ليبيا الممزقة. ومذاك، فشلت تلك المجموعة في كسب دعم ملموس من أية دولة أخرى، والسبب، كما يراه الكاتب، هو أن القضية الحقيقية ليست الإرهاب؛ بل هي مخاوف أكثر أنانيّة؛ مثل دعم المعارضين السياسيين المحليين.
رابعة النتائج هي انخفاض أسهم سمعة الدول المهاجمة، فالنقاش حول الخلاف أدّى حتمًا إلى مزيد من الاهتمام إزاء سوء سلوك الرياض وأبوظبي، ولا سيما قمعهما الوحشي لأية معارضة سياسية ودينية في الداخل، وتمويل السعودية المسرف للمتطرفين والنزعة الوهابية غير التسامحيّة من الإسلام، ومباشرة الإمارات أعمالًا إلكترونية عدائية ضدّ الدوحة.
خامسًا، تواصل إيران حصد المزيد من المكاسب من جرّاء أفعال خصومها لا جهودها الخاصّة. يتبع الكاتب ذلك بالقول إن الدوحة وطهران مرتبطتان بحقل غاز طبيعي مشترك، وعلاقتهما كانت إحدى الشكاوى الرئيسية للسعودية، معتبرًا أن إيران فاعل ضارّ، لكن السعودية، وهي الدكتاتوريّة السنية الشمولية، تعدّ أكثر سوءًا. ويعلّل الكاتب موقفه ذاك شارحًا أن السعودية تدخّلت عسكريا في البحرين للحفاظ على النظام الملكي السني ضدّ الأغلبية الشيعية، ونسّق وليّ عهدها المتهوّر، محمد بن سلمان، حربًا فتّاكة وذات نتائج عكسية ضد اليمن، وهجومًا دبلوماسيًّا اقتصاديًّا ضدّ قطر، سعيًا وراء الهيمنة الخليجية. والآن، دون إطلاق رصاصة واحدة، ساعدت إيران في إحباط مخطط الرياض، وفازت بامتنان القطريين، وأضفت وجهًا عقلانيًّا على نظامها.
ويختم الكاتب مقالته قائلًا إن الرياض وأبوظبي زرعتا الريح، والآن تحصدان العاصفة؛ فهجومهما على قطر أدى إلى زعزعة الشرق الأوسط أكثر مما هو عليه، وأقلق العديد من حلفاء واشنطن. المسار الذي خطّه السعوديون والإماراتيون انتهى إلى زقاق مسدود، وبينما يواجه كلاهما الإذلال إذا تراجع عن مطالبه، تتوقّع الحكومات الأخرى أن تطول الأزمة، وفي غضون ذلك، يعزل محور الرياض وأبو ظبي نفسه أكثر من كونه يعزل قطر.