تحت شعار "ألمانيا بلد طيب للعيش فيه" طرح "الاتحاد المسيحي" المكوّن من الحزبين "المسيحي الديمقراطي" بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل، و"المسيحي الاجتماعي" بزعامة رئيس حكومة ولاية بافاريا، هورست زيهوفر، برنامجاً انتخابياً مشتركاً للانتخابات التشريعية المقررة في 24 سبتمبر/أيلول المقبل. استحقاق انتخابي سيكون بمثابة تحدٍ لميركل للاحتفاظ بمنصبها لولاية رابعة بوجه منافسها من الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، مارتن شولتز. ومن خلال هذه المنافسة يحاول شولتز الحصول على المنصب واسترداد أمجاد حزبه على رأس المستشارية في جمهورية ألمانيا الاتحادية، وهو ما تعكسه خطاباته الحادة ضد ميركل واتهامها بأنها تضعف أوروبا بتفردها بالقرار في سياسة اللجوء، وافتقارها لرؤية واضحة وإطلاقها لوعود زائفة، وفق تعبيره.
واعتمد "الاتحاد المسيحي" عناوين جذابة تركز على مستقبل ألمانيا، منها السعي إلى حل جذري لمشكلة فرص العمل وخلق الوظائف بحلول عام 2025، أي تخفيض نسبة البطالة عن 3 بالمائة، وتجنيد 15 ألف شرطي إضافي وبناء 1.5 مليون وحدة سكنية بحلول عام 2019، إضافةً إلى تخفيضات ضريبية سنوية تصل إلى 15 مليار يورو عن ذوي الدخل المتوسط والمتدني بهدف إعطاء دفعاً للاستهلاك الداخلي. وهذا ما أكدت عليه ميركل في كلمتها خلال إعلان البرنامج الانتخابي من أن الحزبين "المسيحي الديمقراطي" و"المسيحي الاجتماعي" مستعدان للاستثمار في المستقبل وخلق نظام اجتماعي آمن. وفي هذا السياق، يشدد الحزبان على أن هناك الكثير من العناصر المشتركة التي تضمّنها البرنامج الانتخابي وأن النقاط والاقتراحات في ما يخص الأمن والتعليم والأسرة والضرائب هي محل اهتمام مشترك.
وهذا التركيز على القواسم المشتركة سوف يخدم عملياً الفريقين في التكتيك الانتخابي. لكن بعض المراقبين يدعو إلى عدم الإفراط بالتفاؤل، لأن ما يطرحه التحالف بين حزبي ميركل وزيهوفر هو مشروع إصلاحات، سبق للناخب الألماني أن خَبِرَ جزءاً منها، وهو وحده من سيحكم على حصيلة الإصلاحات السابقة التي طبقت في ظل ولايات ميركل المتعاقبة.
وهذا التوافق الذي تمليه المعركة الانتخابية، ليس خالياً من التباينات بين الطرفين. وهناك نقاط خلافية عالقة ومنها حول ثقافة الإسلام، فضلاً عن مطالبة زيهوفر بتحديد سقف سنوي لعدد من يسمح لهم بدخول البلاد من اللاجئين، وهو ما عادت وأكدت على رفضه ميركل، قائلة "يمكننا التوصل إلى (حل) في ما يتعلق بخفض عدد اللاجئين المقبلين ومكافحة أسباب اللجوء، من دون وضع حد أقصى لأعدادهم". ويلفت خبراء إلى أن "الاتحاد المسيحي" يجب ألا يكون في حال من الإنكار للواقع، لأن العبارات التي يتم استخدامها مثل شعار "نريد أن نخدم ألمانيا" تبدو فضفاضة، في حين تحتاج ألمانيا، بنظر الخبراء، إلى رؤية شاملة تعالج المشكلات بواقعية، ومن دون القفز فوق علامات الاستفهام التي يطرحها المواطنون بشأن أوضاعهم المعيشية والاجتماعية. وفي هذا الصدد، يرى الخبراء أنه يتوجب على تحالف ميركل-زيهوفر أن يوضح بعض الأسئلة منها ما هو متعلق بمستقبل المواطن، والتي من الممكن أن تثير الكثير من النقاش، كموضوع التقاعد والتأمين الصحي والضرائب ودعم الأسر الفقيرة، وليس إعادة توزيع الأموال بشكل عشوائي من دون احتساب زيادة معدل الولادات. ويضيف الخبراء أنه ليس هناك التزامات واضحة في برنامج "الاتحاد المسيحي" بشأن قانون الهجرة، إنما مجرد أفكار عامّة لا يمكن البناء عليها في السياسة. والبرنامج الانتخابي لم يقدم، في نظر الخبراء، إجابات واضحة للقضايا الاجتماعية، وبالتالي هناك تقاطع كبير في الكثير من الملفات مع غريمه التقليدي "الاشتراكي الديمقراطي"، منها الإعفاءات الضريبية والعدالة الاجتماعية. وانطلاقاً من ذلك، يمكن القول إنه لم يتم التركيز في البرنامج على الخطوط العريضة للسياسة المستقبلية التي من الممكن أن تساهم في تعبئة الناخبين، بحسب الخبراء المهتمين بالشأن الألماني.
هذه الملاحظات أشار إليها أيضاً رئيس "اتحاد نقابات العمال" الألمانية، راينر هوفمان، في حديثه أخيراً إلى صحيفة "تاغس شبيغل"، منتقداً بشدة الوعود التي أطلقها "الاتحاد المسيحي"، ووصفها بأنها غير واضحة وغير عادلة ومطالباً بإيضاحات عن المعاش التقاعدي قبل الانتخابات. وأضاف: "لن نرضى بأن تؤجل الإجابة حتى الانتخابات التشريعية، ويجب أن نعرف قبل الانتخابات ما إذا كان الاتحاد يريد تحقيق الاستقرار على مستوى المعاشات التقاعدية". بالإضافة إلى ذلك، يعتبر هوفمان أن البرنامج تضمن نقاطاً ووعوداً كثيرة تفتقر إلى معلومات محددة لآلية التنفيذ، ومنها مثلاً كيف يريد "الاتحاد المسيحي" تحقيق العمالة الكاملة ودمج العاطلين عن العمل لكي يكونوا أكثر نجاحاً في سوق العمل.
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن "الاتحاد المسيحي" لم يتحل بالكثير من الشجاعة عند إعلان برنامجه، مع استبعاده أي حديث حول مسألة التقاعد، ولا يزال هناك الكثير من علامات الاستفهام في هذا الصدد، منها ما يتعلق بالتركيبة السكانية والأنظمة الرقمية وقضايا الأمن، علماً بأن هناك توجهاً في سياسة "الاتحاد المسيحي" لرفع موازنة الدفاع إلى ما نسبته 2 في المائة حتى عام 2025، وهو ما ينسجم مع مطالب الولايات المتحدة، كما أنه يحظى بتأييد الحزب "الليبرالي الديمقراطي"، فيما يرفضه الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" وحزب "اليسار".
كذلك، يشير بعض المراقبين إلى أن الناخب الألماني يجد أن برنامجي الفريقين المتنافسين لا يتضمّنان خلافات جوهرية، وهو ما يجعل من الصعب التكهن بشأن اتجاهات التصويت في الانتخابات. في المقابل، ثمة مشكلة أخرى قد تواجه الطرف الذي سيفوز في الانتخابات، وهي تتمثل في صعوبة العثور على شريك يوفر له الأغلبية البرلمانية الكافية لتمرير القوانين والقرارات. وهذه مشكلة تقلق بشكل خاص المستشارة ميركل، على الرغم من مرور 12 عاماً على وجودها في الحكم، وعلى الرغم من اعتبار بعضهم أن ميركل حققت إنجازات مفيدة لألمانيا. والقلق هنا مبرر لأن الجميع يدرك أن الكلمة الأخيرة تبقى لـ61.5 مليون ناخب ألماني، يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في 24 سبتمبر/أيلول المقبل.
ويأتي ذلك في وقت تعرب فيه الأحزاب الصغيرة الأخرى بينها "الليبرالي الديمقراطي" عن تطلعاتها لتحقيق نسبة أصوات مرتفعة بعدما رفعت أخيراً شعارات تغازل فيها الناخب، بينها التوفيق بين الأمن والحرية، والحديث عن التسهيلات الضريبية الشاملة في دولة القانون. وطالب حزب "الخضر" بالمرونة في ساعات العمل الأسبوعية وبقانون هجرة عصري يعتمد نظام النقاط ويرتكز على المهارات اللغوية والمؤهلات العلمية والعمر كما هو الحال في كندا، فضلاً عن الحد من البيروقراطية، فيما طالب حزب "اليسار" بتحقيق عدالة اجتماعية وبنظام هجرة مفتوح.