فتح الهجوم الذي تعرضت له مليشيا "كتائب سيد الشهداء" العراقية، والمنضوية ضمن "الحشد الشعبي"، الإثنين الماضي، في منطقة التنف على الحدود العراقية السورية، ما كانت بغداد تحرص على أن يبقى مغلقاً. فارتفاع عدد قتلى الهجوم إلى أكثر من 50 عنصراً، بينهم إيرانيون، في الهجوم الذي نفت واشنطن مسؤوليتها عنه وتبناه تنظيم "داعش"، دفع برئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، للمرة الأولى، إلى التعليق على ملف المليشيات العراقية التي تقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد في سورية.
وتبرأ العبادي من تلك المليشيات، خالعاً عنها صفة "الحشد الشعبي"، موضحاً أن "الحشد الشعبي يعمل داخل العراق فقط، ولا صفة له خارج البلاد ولا يمكن أن يكون كذلك"، مستدركاً، في مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي: "ليس لدينا حشد خارج العراق، وأي قوة تخرج منه خارج الحدود ليست في الحشد، لأن الحشد الشعبي هيئة عراقية تعمل وفق القانون". ونفى العبادي مسؤولية التحالف الدولي عن القصف، مؤكداً أنه لا يملك صلاحيات تنفيذ ضربات جوية في أي مكان داخل البلاد من دون الحصول على موافقة الحكومة العراقية، فيما فند العميد في التحالف الدولي، ريان ديلون، الأنباء التي تحدثت عن قيام طيران التحالف بقصف المليشيا، مؤكداً، في بيان، أن المزاعم بهذا الشأن غير دقيقة، ولم تنفذ أية ضربات هناك في الساعات الماضية.
لكن الأمين العام لـ"كتائب سيد الشهداء" وعضو الهيئة العليا لـ"الحشد الشعبي"، أبو ولاء الولائي، أعلن، من بغداد، أن قواته قصفت من قبل الأميركيين ويجب على الحكومة أن تتخذ موقفاً من ذلك. وأكد مسؤولون في وزارة الدفاع العراقية، لـ"العربي الجديد"، أن "الهجوم وقع في منطقة جمونة على الشريط الحدودي بين العراق وسورية من جهة التنف السوري غرباً والقائم العراقي شرقاً، وتعتبر داخل الأراضي السورية، وتابعة إدارياً إلى مدينة البوكمال". وقال العقيد في قيادة قوات حرس الحدود العراقية، محمد الخفاجي، لـ"العربي الجديد"، إن "المليشيا تعرضت لسيارتين مفخختين بواسطة انتحاريين، أعقبهما هجوم من قبل مسلحي داعش، ولم يخرج من القوة التي كانت موجودة أي شخص، إذ قتل جميع أفرادها، وعددهم 53 شخصاً، جميعهم عراقيون باستثناء أربعة إيرانيين من مليشيا فاطميون، لم يعثر على جثة أحدهم، ويعتقد أن التنظيم أخذه رهينة". وأكد براءة التحالف الدولي وتورط "داعش"، بحسب التحقيقات، كما أن الحادث وقع داخل الأراضي السورية، وعلى بعد 11 كيلومتراً من الحدود الدولية بين البلدين. واستغلت قيادات سياسية عراقية الحادثة، إذ اتهم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الطيران الأميركي باستهداف المليشيا، مطالباً الحكومة بالتدخل ومنع ذلك ومحاسبة المتورطين، فيما أطلق عدد من الزعامات السياسية، المعروفة بقربها من إيران، دعوات لتنظيم اعتصام في بغداد بسبب ما اعتبروه مجزرة أميركية، ومطالبة رئيس الوزراء بوقف ما وصفها أحدهم "جرعات واشنطن لإنعاش داعش مجدداً".
من جانبه، قال القيادي في "كتائب سيد الشهداء"، حسن الساعدي، لـ"العربي الجديد"، إن "قواتنا تعرضت لهجوم أميركي، وهذه ليست المرة الأولى، وتبني داعش للهجوم غير صحيح". وأضاف أن "تصريحات رئيس الوزراء سياسية، ولا علاقة لنا بها، وكثير من الفصائل تقاتل في العراق ولديها عناصر في سورية، وهذا واضح كوننا في جبهة واحدة"، مؤكداً أن نحو 30 في المائة من عناصر "سيد الشهداء تتواجد في سورية، والباقي في العراق". وكان وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، أعلن، في وقت سابق من العام الحالي، أن حكومته لا تمتلك القدرة على منع المقاتلين العراقيين من التوجه إلى سورية للقتال إلى جانب نظام الأسد، مبيناً، في مؤتمر صحافي في بغداد، أنه "لم يُعطَ إذن لأحد للذهاب إلى سورية". واعتبر أنّ "الحكومة العراقية لا تستطيع منع أحد من الذهاب للقتال في سورية أو أي دولة أخرى". وتنتشر 13 مليشيا عراقية في سورية تحمل أسماء مختلفة، وتعمل جميعها تحت إشراف "الحرس الثوري" الإيراني، أبرزها "أبو الفضل العباس"، و"لواء أسد الله الغالب"، و"حزب الله العراقي"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"الوعد الصادق"، و"كفيل زينب"، و"حركة النجباء"، و"بدر"، و"لواء ذو الفقار"، و"المؤمل"، و"كتائب الثأر". وتشكل هذه المليشيات نفسها العصب الأساسي لمليشيا "الحشد الشعبي" في العراق.
سليماني يصل الحدود
وقال ضباط في الجيش العراقي إن المئات من مقاتلي المليشيات وصلوا، فجر أمس الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي السوري في منطقة الوليد والتنف من جهة محافظة الأنبار، موضحاً أنهم انتقلوا إلى المنطقة عبر الطريق الصحراوي لكربلاء، من دون المرور بطريق الفلوجة والرمادي الغربي. ووفقا للمصدر، فإن تلك القوات وصلت مع أسلحة ثقيلة ومتوسطة، وانتشرت في المنطقة ذاتها التي تعرضت للهجوم الدامي مساء الإثنين الماضي. وأكدت مصادر مقربة من "الحشد الشعبي" وصول قائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني، وقيادات في "الحرس الثوري" الإيراني، إلى الشريط الحدودي العراقي السوري من جهة الأنبار، في ثاني زيارة له إلى المنطقة في أقل من شهر. وقال أحد عناصر "الحشد" إن سليماني سيتفقد المنطقة الحدودية برفقة ضباط آخرين، مبيناً أن معركة السيطرة على الحدود لم تعد بين "الحشد الشعبي" و"داعش"، بل بين "الحشد" والأميركيين الذين يعارضون ذلك. وأعلن الأمين العام لمليشيا "كتائب سيد الشهداء"، أبو ولاء الولائي، في بيان أمس الأربعاء، عن تعزيز المنطقة الحدودية بقوات إضافية، مكرراً أن "الطائرات الأميركية قصفتنا أكثر من مرة". وأكد أن "معركة الحدود مهمة، ولا يقل شأنها عن باقي المعارك داخل العراق، والأميركيون لا يريدون تواجدنا هناك، لكننا سنبقى حتى إكمال المهمة".