بات الاتفاق الذي تم التوصل إليه في المحادثات التمهيدية لتشكيل الائتلاف الحكومي الكبير، "غروكو"، تحت المجهر، في ألمانيا، مع توجيه الأحزاب المعارضة انتقادات للورقة الاستكشافية التي توصلت إليها أحزاب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي والاشتراكي الديمقراطي، رغم ما تضمنته من مقترحات دعم لأوروبا وعودة لألمانيا لتأدية دورها مرة أخرى، كمحرّك للسياسة الأوروبية. كما تطرّق الاتفاق إلى السياسة الصحية وملف اللجوء والأجور التقاعدية، لكن الأمل بانطلاق مفاوضات تشكيل الحكومة يبقى رهن موافقة مندوبي الاشتراكي في 21 يناير/كانون الثاني الحالي. وجاءت الانتقادات المعارضة لنتائج المحادثات قاسية ومصوّبة على مندرجات الورقة الاستكشافية المكوّنة من 28 صفحة.
في هذا السياق، أفاد زعيم الليبرالي الحر، كريستيان ليندنر، أن "الاتفاق المبدئي بين الحزبين التقليديين هو إعادة إحياء للائتلاف القديم والاتفاقات ليست مشروع تجديد للبلد الذي نحتاج إليه"، فيما وصفت القيادية في حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، أليس فايدل، الاتفاق بـ "الغريب وتحديد عدد اللاجئين بـ220 ألف لاجئ سنوياً هو مهزلة". واعتبرت أنه "من دون تأمين الحدود لن يكون من الممكن السيطرة على ذلك".
في المقابل، كان لمنظمة "برو أزول" الألمانية المدافعة عن حقوق اللاجئين، رأيها بهذا الخصوص، معتبرة أن "الاتفاق حول سياسة اللاجئين بين الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي، هو انتصار للمتشددين على الإنسانية وحقوق الإنسان، بعد وضع سقف أعلى للاجئين الذين سوف يتم استقبالهم سنوياً".
وبعد يوم واحد من الإعلان عن مضمون الاتفاق، تلقى زعيم الاشتراكي صفعة من خلال رفض أغلبية أعضاء مؤتمر حزبه في ولاية ساكسونيا أنهالت، شرقي البلاد، الدخول من جديد في ائتلاف كبير، مع مطالبة قيادات أخرى بإجراء تحسينات وتحقيق المزيد خلال مفاوضات الائتلاف.
كذلك انتقدت القيادية في حزب اليسار، سارة فاغنكريشت، الاتفاق ورأت فيه "ظلماً اجتماعياً صارخاً، مع استمرار انخفاض الأجور والوظائف الآمنة"، لافتة إلى أن "الاشتراكي لم يستطع أن يحقق مطلبه في فرض الزيادة على معدلات الضريبة لأصحاب المداخيل المرتفعة".
وذكرت نائب رئيس البوندستاغ، عن حزب الخضر، كلوديا روث، بـ"التنازلات في سياسة الهجرة"، معتبرة أن "القرارات بخصوص لمّ الشمل كانت قاسية، خصوصاً إذا تمّ تمديد التعليق. وهذا الأمر غير إنساني ويقضي على الحق الأساسي للأسرة".
مع ذلك، فإن موعد 21 يناير/كانون الثاني، موعد المؤتمر الاستثنائي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، للتأكد مما إذا كان تصويت 600 مندوب خلاله، سيتيح مواصلة الطريق نحو التحالف الثلاثي مجدداً أم لا. وسيكون للرفض عواقب مدمّرة لأحزاب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بقيادة أنجيلا ميركل، والاتحاد المسيحي الاجتماعي، بقيادة هورست سيهوفر، والاشتراكي الديمقراطي، بزعامة مارتن شولتز.
واتجّهت الأنظار إلى شولتز لترتيب جسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وتوضيح تفاصيل نقاط ورقة الاتفاق لمندوبي حزبه لأخذ موافقتهم الإيجابية على نتائج المشاورات، مع العلم بأن شولتز سيتوجه لهذه الغاية خلال الأسبوع الحالي إلى مدينتي دورتموند ودوسلدورف في ولاية شمال الراين فستفاليا، لإقناع مندوبي الحزب بنتائج المحادثات التمهيدية والترويج لدخول الاشتراكي بائتلاف كبير مع ميركل مرة جديدة.
وكان شولتز قد دافع، أمس الأحد، في حديث لصحيفة "فرانكفورته ألغماينه تسايوتنغ"، في أولى المقابلات الصحافية بعد الإعلان عن الاتفاق يوم الجمعة الماضي، عن مضمون الورقة وما حققه الاشتراكي خلال المحادثات. وعبّر عن تفهّمه للمشككين داخل حزبه، مشدّداً على أن "المحتوى فقط يمكن أن يقنع المندوبين".
وعدد شولتز بعضاً مما حققه الاشتراكي الديمقراطي، ومنها "مسؤولية رسم مستوى التقاعد عند 48 في المائة إلى الاستثمارات الضخمة، كما رفع الحظر المفروض على التعاون في سياسة التعليم بين الولايات". وأشار إلى أن "أوروبا هي محور اتفاق الائتلاف المحتمل، والالتزام تجاهها ليس من حيث المبدأ فقط، بل من خلال تقديم مقترحات ملموسة، منها ما يتعلق بالحد الأدنى للأجور الأوروبي، فضلاً عن المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي". كما أعلن رفضه لكل ما يقال بخصوص سياسة اللجوء ومن أن "حزبه وافق على سقف أعلى لأعداد اللاجئين الذين ستستقبلهم ألمانيا سنوياً، لأن ذلك سيكون تقويضاً لحقّ اللجوء واتفاقية جنيف للاجئين، وأن شيئاً من هذا القبيل غير موجود لدى الاشتراكي".