تدمير أنفاق غزة: إسرائيل تسابق الزمن والمقاومة أمام الاختبار

15 يناير 2018
أغلق الاحتلال معبر كرم أبو سالم(سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -
يسعى الاحتلال الإسرائيلي لاستغلال عامل الوقت قبل اندلاع أي مواجهة جديدة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لاستهداف وتفجير الأنفاق الأرضية، السلاح الأهم في أي معركة مقبلة، من خلال إقامة الجدار تحت الأرض على طول الحدود، وحديثه المتكرر عن تكنولوجيا كشف الأنفاق التي طورها، ما مكّنه من كشف أربعة أنفاق في السنة الأخيرة.
وكانت آخر العمليات الإسرائيلية ضد الأنفاق، ليل السبت الأحد، حين قصفت طائرات إسرائيلية نفقاً قرب معبر كرم أبو سالم جنوبي قطاع غزة. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس إن النفق "كان في طور البناء عندما دمر السبت"، موضحاً أن الغارة وقعت داخل قطاع غزة بينما استُخدمت وسائل أخرى "لهدم الجزء الذي يمتد داخل إسرائيل من النفق"، معلناً أن تدمير النفق تم بالتنسيق مع مصر وكان يبلغ طوله الإجمالي حوالي كيلومتر ونصف.
من جهته، أكد وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، في بيان، أن "تدمير شبكة الأنفاق الهجومية هو عنصر أساسي في سياستنا القائمة على إلحاق الضرر بشكل منهجي بقدرات حماس الاستراتيجية". وعقب القصف قررت إسرائيل إغلاق معبر كرم أبو سالم على الحدود الجنوبية مع قطاع غزة.

وكانت الأنفاق التي تحفرها المقاومة بين أراضي قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، مفاجأة الفصائل للاحتلال الإسرائيلي خلال عدوان 2014 على غزة، ومن الإنجازات التي حققت المقاومة عبرها اختراقات سواء بعمليات داخل العمق الإسرائيلي أو أسر الجنود.
ويتحدث الاحتلال الإسرائيلي بشكل مستمر عن ضرورة إيجاد حل لهذه "المشكلة" التي أرهقته وسبّبت الصداع المزمن لمستوطني غلاف غزة، الذين يتخوفون من الأنفاق بشكل كبير، على الرغم من تطمينات جيش الاحتلال وعملياته المستمرة لكشف الأنفاق. وعلى الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، تُجري آليات ثقيلة للاحتلال عمليات حفر وتنقيب عن الأنفاق، وهي ربما اكتشفت الأنفاق عن طريق الصدفة وليس التكنولوجيا، إذ إنّ المكتشف منها أقل بكثير مما يُعتقد أن المقاومة حفرته أسفل الحدود.

لكن المقلق في هذا السياق، هو التضخيم الإسرائيلي لقدرات المقاومة، وما أعلن أخيراً عن ترويج إسرائيل للأنفاق المكتشفة لدى دول العالم لزيادة الضغط على غزة وحركة "حماس" تحديداً، التي يجري تحميلها مسؤولية كل فعل مقاوم من القطاع الساحلي المحاصر. ويبدو قصف الأنفاق، كالذي جرى ليل السبت-الأحد، خياراً مريحاً لإسرائيل، في ظل تحفظ المقاومة على الرد، ورفضها الذهاب إلى حرب ستكون، وفق كل التقديرات، أقسى وأصعب من الحروب السابقة.

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، أنّ هناك حرب عقول بين كتائب القسام (الذراع العسكرية لحماس) وقوى المقاومة الفلسطينية من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، إذ يسعى الاحتلال للتفوق في حربه الاستخباراتية بعد فشله في الحرب العسكرية. ويشير المدهون في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاحتلال وعبر الإعلان عن اكتشاف الأنفاق يسعى لاستغلالها في مجالين، هما الدعاية السوداء أمام المجتمع الغربي والادعاء بأنها سبب للدمار، بالإضافة إلى الاستعراض أمام جمهوره الداخلي.


ويوضح المدهون أنّ المقاومة وحتى اللحظة تفضّل عدم الحديث في ملف الأنفاق كون الإعلان فيه يخدم الاحتلال، في الوقت الذي يحاول فيه الاحتلال تضخيم الأمور في محاولة منه لتغيير قواعد الاشتباك من دون التأثير على واقع التهدئة المعقودة. ويرى أن سلاح الأنفاق لم يعد هو السلاح الوحيد بيد المقاومة من الناحية الاستراتيجية، خصوصاً أن المقاومة تمكّنت من تطوير قدراتها، عدا عن عدم تأثر الأنفاق الداخلية الدفاعية بما يقوم به الاحتلال على طول الشريط الحدودي للقطاع.

ووفق المدهون، تبقى كل السيناريوهات قائمة في ظل الواقع الذي يشهده القطاع حالياً، حتى التصعيد والدخول في مواجهة عسكرية شاملة، في الوقت الذي يحاول فيه الاحتلال استغلال حالة الحصار المشدد والإنهاك الذي يعاني منه القطاع. ويشير إلى أن الاحتلال يحاول حرف الأنظار عن القضية المركزية المتمثلة في القدس المحتلة وما يقوم به من توسع استيطاني في الضفة الغربية ومصادرة للأراضي وغيرها، وتحويلها للقطاع من خلال الإعلان عن اكتشاف أنفاق أو تصعيد الأوضاع.

من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ المقاومة الفلسطينية باتت أمام تحدٍ من الناحيتين السياسية والعسكرية خصوصاً في سلاحها الاستراتيجي المعروف بالأنفاق الأرضية، والتي بات الاحتلال يدرك خطورتها عليه ومدى تهديدها له. ويشير محيسن إلى أنّ الاحتلال استخدم تقنيات تكنولوجية وعسكرية لإبطال مفعول هذا السلاح الذي يُعتبر من الأهم بيد المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى بنائه للجدار الذي يخترق باطن الأرض والمزود بمجسات من شأنها تحديد النفق وطوله وكافة تفاصيله.

ويوضح المحلل السياسي الفلسطيني، أن استمرار الاحتلال باكتشاف الأنفاق بشكل عام وتدميرها، من شأنه أن ينعكس سلباً على المقاومة التي ستصبح أمام حالة عجز تكنولوجي وعملياتي، خصوصاً إذا لم تستطع الوصول إلى طريقة لإبطال السلوك المضاد الذي تمارسه دولة الاحتلال.
وبحسب محيسن، تؤكد المعطيات والمعلومات المتوفرة أنّ المقاومة لم تتوصل حتى اللحظة لطريقة لإبطال تكنولوجيا الاحتلال، وبالتالي فإن استمرار الاحتلال بكشف أنفاق المقاومة من دون إيجادها وسيلة سيضعها أمام حالة فشل لفقدانها أداة التهديد الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي. ويشير إلى أنّ الاحتلال يقوم بعملية الاستخدام المثالي وهو الذي يريد نجاحاته عبر استغلاله لعامل الزمن، في الوقت الذي يعيش فيه القطاع حالة من الحصار المشدد الخانق والأزمات التي تعصف بالسكان.

ويؤكد محيسن أن الأمور تتدحرج خصوصاً في ظل النجاحات المتكررة في الكشف عن أنفاق المقاومة الفلسطينية في غزة، وهو ما يعزز الخشية لديها من أن يطاول التهديد ما تبقى من قدرات لديها إلى جانب سلاح الأنفاق، وبالتالي فإن فرص المواجهة تبقى حاضرة. ويتوقع أن يكون الصيف المقبل أكثر لهيباً على طول الحدود الشرقية للقطاع المحاصر إسرائيلياً للعام الحادي عشر على التوالي، خصوصاً أن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام استمرار تعرض أداتها الاستراتيجية للكشف والفقدان رويداً رويداً.