وبخلاف المواقف السياسية والشعبية وبيانات المثقفين في الجزائر الرافضة لزيارة محمد بن سلمان، تسقط الحكومة الجزائرية من حسابات الربح والخسارة سلّة المبادئ ونقاط الخلاف العالقة بينها وبين الرياض، وهي كثيرة، وتبدأ بالأزمة مع قطر وسورية واليمن والعلاقة مع إيران، ولا تنتهي عند حدود ما يوصف في الجزائر بـ"حرب النفط" التي تشنّها السعودية، بتعمّدها خفض أسعار النفط، وهو ما يتسبب بخسائر جزائرية مالية كبيرة تصل إلى حدود 28 مليون دولار أميركي يومياً. وتعتبر الجزائر أنّ الظروف مواتية لاستمالة الطرف السعودي، ذي التأثير في محيطه الخليجي، لصالحها في خلافها السياسي مع المغرب، ولصالح قضية الصحراء، في ظلّ خلافات متصاعدة بين المغرب والسعودية، وحالة القطيعة السياسية التي تشهدها العلاقات بين البلدين، بلغت حدّ إلغاء محمد بن سلمان زيارة المغرب من جولته العربية.
وقبل ثلاث سنوات، حاولت الرباط الاستقواء على الجزائر بالرياض و"مجلس التعاون الخليجي" بشأن قضية الصحراء. ففي إبريل/ نيسان 2016، أصدرت قمة دول "مجلس التعاون الخليجي" موقفاً سياسياً حاداً تجاه الجزائر بشأن قضية الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو. خاطب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يومها في افتتاح القمة الخليجية، التي عقدت في تلك الفترة في الرياض، الملك المغربي محمد السادس الذي حضر القمة، بالقول "نعلن عن تضامننا جميعاً مع كل القضايا السياسية والأمنية التي تهم بلدكم الشقيق وفي مقدمتها الصحراء، ودول مجلس التعاون، السعودية والإمارات والبحرين والكويت وعمان وقطر، تؤكّد رفضها التام لأي مساس بالمصالح العليا للمغرب في ما يتعلق بقضية الصحراء". كما أكّد البيان الختامي لتلك القمة أنّ "قضية الصحراء هي أيضاً قضية دول مجلس التعاون الخليجي، ودعمهم لمغربية الصحراء، ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدّم بها المغرب، كأساس لأي حل".
لكنّ العلاقات بين الرياض والرباط دخلت منعطف الأزمة منذ قرار المغرب إرسال مساعدات غذائية عاجلة لدولة قطر في الأسبوع الأول لاندلاع الأزمة الخليجية، وهو ما اعتبرته السعودية دعماً مغربياً لقطر، ثمّ قرار الرباط تجميد مشاركتها في عملية "عاصفة الحزم" العسكرية في اليمن التي تقودها السعودية، لتردّ الرياض على هذه المواقف بالتصويت ضدّ الملف المغربي لاحتضان نهائيات كأس العالم لسنة 2026، وتمنح صوتها لصالح ملف الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. وتلا ذلك قرار العاهل السعودي عدم قضاء إجازته السنوية الخاصة في مدينة طنجة المغربية، وتأخير استلام أورق اعتماد السفير المغربي، مصطفى المنصوري، في الرياض ستة أشهر بعد تعيينه. وبلغ الفتور المغربي السعودي حدّ تأجيل اجتماع اللجنة العليا المشتركة المغربية السعودية الثالث عشر، والذي كان مقرراً نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بطلب من الرياض، وكذا إلغاء نشاطات ثقافية سعودية كان مقرراً أن تصاحبه في عدد من المدن المغربية.
ويبدو استدعاء هذه المعطيات ضرورياً لفهم موقف الجزائر إزاء الرياض. وبغضّ النظر عن اعتبار الزيارة استكمالاً لمساعي الجزائر لترميم علاقاتها مع الرياض، والتي بدأت منذ إيفاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيس الحكومة عبد المالك سلال، في نوفمبر 2016، ووزير العدل الطيب لوح في نوفمبر 2017، فإنّ قبول الجزائر بزيارة محمد بن سلمان يستهدف أيضاً ضمان تحوّل الموقف السعودي لصالحها في خلافاتها السياسية مع المغرب من جهة، ولصالح دعم، أو تحييد على الأقل، موقفها في قضية الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تحظى بدعم كبير من الجزائر، خصوصاً أنّ جولة جديدة من المفاوضات المباشرة بين المغرب والجبهة ستعقد غداً، الأربعاء، في جنيف. وتضاف إلى ذلك قضية الاستثمارات في منطقة الداخلة والعيون الصحراوية (كبرى محافظات الصحراء)، التي وعدت بها الرياض في وقت سابق الرباط، وهو الأمر الذي سعت الجزائر إلى إقناع السعوديين بالتخلّي عنه. وكانت قد برزت تقديرات سياسية ربطت بين الدعوة التي وجهها الملك المغربي إلى الجزائر لفتح حوار مباشر وإنشاء آلية سياسية لحلّ الخلافات العالقة منذ التسعينيات، وبين خسارة الرباط للمحور السعودي الإماراتي.