ودفعت الخارطة السياسية الجديدة الحلفاء إلى تكثيف لقاءاتهم وتحالفاتهم لاقتسام البلديات في الولايات التركية، وعلى الرغم من تردد "العدالة والتنمية" في البداية في التحالف مع "الحركة القومية"، إلا أن الوقائع على الأرض، وعدم الرغبة بخوض مغامرات سياسية، دفعت الرئيس رجب طيب أردوغان للقاء رئيس "الحركة القومية" دولت باهتشلي، وتكثيف الجهود من أجل العمل المشترك. فأي خسارة غير متوقعة بنسب الأصوات قد تؤدي لخلخلة النظام الرئاسي الجديد، وقد تودي بالبلاد لانتخابات مبكرة في حال رفعت المعارضة من نسب أصواتها، وحصول ضغط شعبي يعقبه. وعكس ذلك، فإن حصول "العدالة والتنمية" مع حليفه على نسب كافية من الأصوات، سيريح حكام أنقرة من ماراتون الانتخابات لأربع سنوات، مما يمهد لاستقرار سياسي وترسيخ النظام الرئاسي، وبالتالي يريح أردوغان ويعزز حكمه.
ومع إنهاء أردوغان لجولته الخارجية التي شملت مشاركته في قمة العشرين بالأرجنتين، وزيارة دول في أميركا اللاتينية، تتجه الأنظار حالياً إلى لقائه المرتقب مع باهتشلي، من أجل وضع اللمسات الأخيرة للتحالف الجمهوري في البلديات. حتى الآن، التفاؤل يسيطر على معسكري الطرفين، وسبق لباهتشلي أن قال يوم الثلاثاء الماضي، إن "العمل يتكثف على 30 بلدية كبرى للتحالف فيها، فالتعاون جاء بعد أن كان باهتشلي قد أعلن انتهاء التحالف، لكن الحزبين رصدا نبض الشارع، وحلّلا نتائج الانتخابات الأخيرة، وحسبا أصواتهما البالغة 53 في المائة تقريباً، ووفق ذلك أعيد العمل بالتحالف وفق حسابات جديدة".
وبحسب المعطيات الحالية، فإن "الحليفين توافقا على ترشيح للعدالة والتنمية في أبرز المدن، مقابل دعم الحركة القومية في مدن أخرى، فتركت إسطنبول، وأنقرة، وإزمير وبورصة وغيرها للعدالة والتنمية، في حين طالب الحركة القومية بولايات جنوبية تمثل العمق القومي، وفيها منافسة مع الحزب الجيد، وهي أضنة، ومرسين، وعثمانية، ومانيسا، وتنازل عن ولايتي أرضروم، ودنيزلي للعدالة والتنمية. وتخضع مدينة أغادير، للتفاوض بين الحليفين، بانتظار الإعلان النهائي عن الولايات، رغم أن أردوغان كشف عن نحو 60 مرشحاً من حزبه للانتخابات، من بينها أنقرة وإزمير".
وفيما يخص إسطنبول، لم يحسم أردوغان في تصريحاته الصحافية، موضوع ترشيح رئيس البرلمان وذراعه اليمنى بن علي يلدريم للانتخابات، غير أن بعض المصادر ترشح "وقوع الاختيار عليه، تحديداً بعد عقده لقاءات عدة مع أردوغان، وتذليل كافة العقبات التي تعترض ترشيحه". كما أن أردوغان أفاد بأنه يجب الصبر من أجل الإعلان عن مرشح إسطنبول، ويبدو أن سبب ذلك يعود لاستكمال مناقشة الموازنة العامة في البرلمان. وهو ما دعا يلدريم لإجراء زيارة مجاملة لزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كلجدار أوغلو الأسبوع الماضي، وإبلاغه ببرنامجه المستقبلي. ولرئاسة بلدية إسطنبول أهمية كبيرة جداً في تركيا، ذلك أن أردوغان نفسه مثلاً صنع "مجده" السياسي عندما تولى رئاسة البلدية تلك بدءاً من عام 1994.
وأعلن أردوغان أسماء المرشحين لبلديات بعض ولايات البلاد، قبل أسبوعين، ومن أبرز المرشحين نائبه في الحزب، الوزير السابق محمد أوز هاسكي لرئاسة بلدية أنقرة، وعلي نور آق طاش، مرشحاً لرئاسة بلدية بورصة، وجمعة علي أتيلا، لرئاسة بلدية ديار بكر، والوزيرة السابقة فاطمة شاهين، لرئاسة بلدية غازي عنتاب، وطاهر بيوك أقين، لرئاسة بلدية قوجة إيلي، إضافة لنهاد زيبكي وزير التجارة السابق، لرئاسة بلدية إزمير، ومن المؤكد أنه سيخسرها في معقل العلمانية الكمالية المعارضة لـ"العدالة والتنمية".
على الطرف الآخر، فإن المعارضة انضمّت أيضاً في هذه الانتخابات إلى تحالف الشعب، الذي ضمّ حزب الشعب الجمهوري العلماني الكمالي، والحزب الجيد القومي المحافظ. وجمع لقاء بين زعيمها كلجدار أوغلو، وبين ميرال أكشنر الأسبوع الماضي، ولا تزال المشاورات مستمرة من أجل حسم مصير ترشيح ولاية أنقرة. ويميل الشعب الجمهوري إلى التمسك بالولاية وإن كان "الحزب الجيد" مصراً عليها أيضاً. وفي ظلّ عدم منح "الحزب الجيد" بلدية كبرى أخرى كبيرة عن أنقرة، تترقب أوساط الحزبين لقاءً جديداً بين كلجدار أوغلو وأكشنر لحلّ هذه المعضلة.
وفي إسطنبول، فإن حزب الشعب الجمهوري حسم مصير ترشيح رئيس بلدية منطقة بيليك دوزو بإسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بعدما كان الحديث يدور على المرشح الرئاسي السابق محرم إنجة، والقيادي مصطفى صاري أوغلو، في حين لم يرشح بعد أسماء أخرى لبلديات متفق عليها في المعارضة، بانتظار استكمال التحالفات بين الأطراف المختلفة.
ومن جهة أخرى فإن حزب السعادة، صرح على لسان رئيسه تمل قرة مولا أوغلو، بأنه "لن يكون إلى جانب تحالف الشعب"، ولكن المعطيات أكدت أنه "سيكون كما في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، داعما للشعب الجمهوري بالأصوات مقابل ضم أسماء من الحزب في قوائم مرشحي الشعب الجمهوري".