بعد ساعات على وصول وزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، من جولة أفريقية قطعها قبل انتهائها، استقبله الرئيس دونالد ترامب، صباح اليوم الثلاثاء، بتغريدة يعلن فيها إقالته من منصبه وتعيين مدير "سي آي إيه"، مايك بومبيو، مكانه. ومع أن الخطوة كانت متوقعة منذ أواخر العام الماضي، إلا أنها أحدثت صدمة لكونها جاءت في سياق عملية هجرة وتهجير من الإدارة، لم تتوقف منذ أيامها الأولى، وعززت القلق لدى مختلف الدوائر في واشنطن من عواقب حالة عدم الاستقرار التي يعيشها البيت الأبيض بفعل الخصومات والصراعات الداخلية التي شهدها منذ أن سكنه ترامب قبل أكثر من عام.
وتأتي إقالة تيلرسون كذروة لحالة التنافر التي حكمت علاقة الرئيس بالوزير من البداية. الفوارق بينهما كانت غالبة وبقوة على التوافق؛ فلا "الكيمياء الشخصية"، إن صحّ التعبير، كانت متجانسة، ولا مقاربتهما للشؤون الدولية. ولعلّ ما زاد من التباعد أن الرئيس صادر الكثير من أدوار وزير الخارجية ووضعها في عهدة الصهر، جاريد كوشنر، وفريقه في البيت الأبيض، الأمر الذي أدى إلى التهميش المتزايد للوزير، خاصة في الملف الفلسطيني، و"عملية السلام"، أو بالأحرى "صفقة القرن".
أما ما بقي من دور محدود له، فعمل البيت الأبيض على تخريبه، فقد عاكس ترامب الوزير في ملف النووي الإيراني، ثم في الأزمة الخليجية وحصار قطر، ثم في الأزمة الكورية الشمالية، التي وصف دبلوماسية تيلرسون في صددها بأنها "مضيعة للوقت"، لينتهي الرئيس أخيرًا إلى قبول عقد قمة مع نظيره الكوري الشمالي بوساطة كورية جنوبية، ومن دون التشاور مع تيلرسون، بل من غير إبلاغه بالأمر، إلا بعد ساعات من مغادرة الوزير إلى أفريقيا، مع أنه سبق وتناول الغذاء في البيت الأبيض، يوم الجمعة، مع الرئيس والوفد الكوري الجنوبي.
وحسب المعلومات، فإن البيت الأبيض أبلغ تيلرسون بقرار إقالته في ذلك اليوم، ولو أن وزارة الخارجية تقول في بيانها إن الوزير "كان يعتزم البقاء في منصبه ولا يدري ما الذي حمل الرئيس على إقالته"؛ فهو يعرف أكثر من غيره بأن علاقته مع الرئيس معطوبة. لا هو على اتفاق معه، ولا الرئيس يطيق استقلال الوزير في مواقفه. وقد انكسرت تلك العلاقة يوم وصف تيلرسون الرئيس بأنه "أبله". كان واضحاً في حينه أن الشعرة انقطعت والانفصال بات مسألة وقت.
الآن حان وقت الإقالة؛ فالمفاوضات الأميركية الكورية الشمالية بشأن ترتيبات القمة وما يتبعها لا بد أن تكون بقيادة وزير الخارجية، والرئيس لا يريد أن يتولاها تيلرسون؛ فجاءت المناسبة كفرصة لتصفية الحساب مع تيلرسون "المستقل" وتعيين المقرب بومبيو مكانه.
والمعروف أن الوزير الجديد، بعد موافقة مجلس الشيوخ على تعيينه، وهو إجراء مضمون، موثوق من الرئيس. فقد دأب على الاجتماع به عدة مرات في الأسبوع لإبلاغه شخصياً بالتقرير الاستخباراتي اليومي. كما كان يحضر اجتماعات في البيت الأبيض غير معني بها، في حين كانت لقاءات الرئيس مع تيلرسون ظرفية و"فاترة".
ومن المتوقع أن يحظى بومبيو، خريج الكلية العسكرية الشهيرة "ويست بوينت" ثم من كلية الحقوق في جامعة هارفارد، بمساحة أوسع للحركة من تلك التي كانت متوفرة لتيلرسون. ويتوقف ذلك، إلى حد ما، على مدى التعاون مع مراكز القوة الأخرى في الإدارة، خاصة في البيت الأبيض ووزارة الدفاع.
وعلى ذكر هذه الأخيرة، يشار إلى أن مثل هذه العلاقة كانت متينة بين تيلرسون ووزير الدفاع، جيمس ماتيس، إلى حد أنه سبق وتردد بأن هذا الأخير أقام علاقة تضامن مع تيلرسون، بحيث لو جرت إقالة هذا الأخير، فإنه سيستقيل هو الآخر من منصبه. لكن ماتيس وصل، اليوم، إلى أفغانستان، ولم يعرف شيء بعد عن رد فعله على مغادرة وزير الخارجية الذي لطالما تعرض للملامة على تشبثه بالوزارة وعدم استقالته بعد كل التهميش الذي تعرض له.