وفي السياق، قال عبد الرحمن العبيدي، وهو شيخ قبلي، إنه قابل برفقة عدد من شيوخ قبائل تسكن مناطق في جنوبي كركوك، مسؤولين حكوميين لطلب مساعدتهم على توفير الأمن لمناطق تسكنها أعداد كبيرة من المواطنين، لكن "لم نحصّل سوى وعود". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "مئات القرى ستحرم من التصويت، في مقابل عدد آخر من قرى في مناطق مجاورة ستتمكّن من الإدلاء بأصواتها في الانتخابات بكل سلاسة".
وشرح العبيدي وجهة نظره قائلاً إن "قرى تقع في جنوب كركوك وصولاً إلى محافظة صلاح الدين، تتعرّض باستمرار لتفجيرات واشتباكات مسلحة بين جهات أمنية ومسلحين، وهو السبب الذي سيجعلها خالية من مراكز التصويت".
ولا تُعتمد مراكز انتخابية في مناطق غير مستقرة أمنياً، ولشمول سكان هذه المناطق بالتصويت والمشاركة في الانتخابات، عليهم الذهاب إلى مراكز انتخابية في مناطق أخرى تكون مؤمنة، للإدلاء بأصواتهم.
ووفقاً للعبيدي فإن "الأعمال الإرهابية التي تقع في هذه المناطق مدبرة من قبل سياسيين لهم ثقلهم في المحافظة. إنهم يخافون خسارة مناصبهم، ووصل بهم الأمر لتعريض حياة الناس للخطر في سبيل المنصب". ولفت إلى أن سكّان هذه المناطق "لا يؤيّدون هؤلاء السياسيين، ويدعمون مرشحين آخرين ليس لهم نفوذ ومليشيات مسلحة. وبقاء هذه المناطق غير آمنة يمنع إقامة مراكز انتخابية فيها ما يعني عدم تصويت سكانها، وبالتالي ينحصر الفوز بمجموعة السياسيين الفاسدين".
ولفت العبيدي إلى أنّ هناك "مناطق تضم العديد من القرى جميعها تتمتّع بالاستقرار الأمني والخدمات وهي بعيدة عن خطر الإرهاب"، موضحاً أنّ هذه المناطق "تقع في غرب كركوك، وتضم نحو 350 قرية". وأشار إلى أنّ سبب الأمن والخدمات التي تتمتع بها هذه القرى يعود لكون "سكانها من أنصار سياسيين معروفين، أبرزهم النائب محمد التميمي ومحافظ كركوك الحالي راكان الجبوري".
على الرغم من الانفلات الأمني، يشجّع مواطنون وناشطون سكان القرى التي تقع في مناطق جنوبي كركوك في أن يمارسوا حقهم في التصويت، لكن اعتبار مناطقهم غير آمنة، يعني أنّ عليهم تحمّل مشقة الوصول إلى مناطق بعيدة لأجل التصويت، ما يصعّب من مهمتهم، وهو ما جعل السكان يعلنون عن نيتهم مقاطعة الانتخابات.
من بين الناشطين الذين يدعون سكان هذه القرى إلى الإدلاء بأصواتهم وعدم مقاطعة الانتخابات، محمد الموسى، وهو شاب جامعي متأثر بالتيار المدني الذي ينال قبولاً في الشارع العراقي، بوصفه نداً لتيار الأحزاب الدينية التي سيطرت على مقاليد الحكم في البلاد منذ 2003، وفشلت في إدارتها، بدليل حجم الفساد الهائل الذي تسبب بجعل العراق يحتل مراتب متقدمة بين الدول التي يتفشى فيها الفساد عالمياً.
ووصف الموسى، في حديث مع "العربي الجديد"، وجود الفروق بين المناطق في محافظات عدة بأنه "لعبة مكشوفة"، موضحاً أنّ "عروضاً وصلت لشيوخ قبائل في مناطقنا التي تعاني من عدم استقرار، مفادها أن الاستقرار يأتي حال تأييد شخصيات معينة في الانتخابات". وأضاف مستغرباً "إنهم يساومون الناس. يعطونهم الأمان في مقابل أصواتهم". وتابع "لا يوجد داعش أو مسلحون أو إرهابيون في قرانا، كلهم مسالمون همّهم العمل وتدبير شؤون حياتهم اليومية، لكنهم وبعد ما تكشّف من زيف ادعاءات السياسيين ووعودهم الكاذبة، قرروا عدم التصويت مرة أخرى لهم، لذلك بين حين وآخر تحصل عمليات قتل واستهداف لمواكب أمنية في مناطقنا، فتوصم مئات القرى بالإرهاب". وأوضح الموسى أن "مئات القرى التي لن يتمكّن سكانها من التصويت هم من مؤيدي التيارات المدنية والشخصيات التي لم تتلطخ أيديها بالدماء والفساد".
وبعد ثلاث دورات انتخابية، يؤكد العراقيون من خلال تظاهرات واسعة تخرج باستمرار في مختلف المدن في البلاد، أن الانتخابات لم تقدّم سوى حكومات تهتم بمصالح الأحزاب وتمنح امتيازات لأعضاء مجلس النواب وكبار السياسيين، فيما يعاني السكان من تراجع في مختلف الخدمات الأساسية، فضلاً عن تردي الوضع الأمني، مما يشجع أعداداً كبيرة من العراقيين على مقاطعة الانتخابات. وهو ما يؤكده ويعبّر عنه مواطنون عراقيون عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن وليد الحمد، زميل الموسى في التحشيد للانتخابات، قال إن "التغيير مسؤولية الناس، والانتخابات فرصة لهذا التغيير"، مؤكداً أن "بعض السياسيين على اطلاع بوجود رغبة جماهيرية في التغيير، لذلك لجأوا لطرق غير مشروعة".
وكشف الحمد في حديث مع "العربي الجديد" عن "وصول تهديدات لقرى تقع في محافظة صلاح الدين من قبل بعض السياسيين"، موضحاً أنّ "أحد السياسيين أرسل تهديداً لسكان هذه القرى عن طريق ممثلين عنه بأنهم إن لم يدلوا بأصواتهم لصالحه لن يهنأوا في حياتهم". وأضاف: "قالوا إنهم يخافون أن يبوحوا باسم هذا السياسي لكونه مدعوماً من قبل مليشيات مسلحة".