كذبة الانتخابات المصرية: هوس بالأرقام القياسية وتهديدات للموظفين بالاعتقال

القاهرة

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
26 مارس 2018
B1AA1F49-42B9-4D08-924C-E73C2B1E8A3F
+ الخط -


لم يوفر النظام المصري، على مدى الأسابيع الماضية، وسيلة إلا واستخدمها لضمان أكبر حشد في الانتخابات الرئاسية، التي تنطلق في الداخل اليوم الإثنين وتمتد لثلاثة أيام، في محاولة لتجنّب وصم الانتخابات المحسومة نتائجها سلفاً لصالح الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بالصورية، ولإضفاء بعض الشرعية عليها. لكن النظام، أكثر من أي طرف آخر، يدرك صعوبة هذا الأمر في ظل الازدراء الشعبي الكبير للانتخابات التي يصفها كثر بـ"المسرحية"، بعدما أمعن النظام في إقصاء جميع المرشحين المحتملين المنافسين للسيسي، وحوّلهم إما إلى معتقلين على غرار سامي عنان، أو حيّدهم بعدما قيّد حركتهم وساومهم على غرار أحمد شفيق، واكتفى بالسماح لموسى مصطفى موسى بالترشح وهو الذي نال لقب "منافس السيسي ومؤيده".

كما يعي النظام حجم مأزق إضفاء أي شرعية حقيقية على هذه الانتخابات عقب إعلان أبرز المنظمات الحقوقية، بينها "هيومن رايتس ووتش" و"المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب"، و"الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان"، صراحة في شهر فبراير/شباط الماضي، أن الانتخابات الرئاسية ليست حرة ولا نزيهة بعدما "داست الحكومة على أبسط متطلبات الانتخابات الحرة والنزيهة"، مطالبة "حلفاء مصر بإعلان موقفهم والتنديد بهذه الانتخابات الهزلية بدل الاستمرار في الدعم غير المشروط لحكومة تقود أسوأ أزمة حقوقية في البلاد منذ عقود"، في ظل امتلاء السجون بالمعارضين السياسيين وتكريس النظام سياسة تكميم الأفواه وإشهار تهمة "الإرهاب" بحق كل من يختلف معه.

هاجس المشاركة
ونتيجة إدراك النظام لهذه المعطيات، يبدأ الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المصرية اليوم وسط إلحاح حكومي وسلطوي لزيادة نسبة المشاركة في ظل هاجس دائم لدى رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي على تحطيم الأرقام القياسية. وتسود خشية كبيرة لدى النظام من تكرار حالة اللامبالاة تجاه الانتخابات، والتي انعكست ضعفاً باقتراع المصريين بالخارج، في الداخل أيضاً، وهو ما استدعى نفيراً إعلامياً مكثفاً من الوسائل الموالية للنظام لشحذ مشاركة المواطنين، متبوعاً بتسهيلات حكومية، وحملات ابتزاز على الموظفين، وضغوط على العاملين في المصالح الخاصة للمشاركة والتصويت للسيسي بلغت حد التهديد بالاعتقال.

وبينما تزدحم الشوارع المصرية بلافتات التأييد موحدة التصميم والتي تنوعت أسباب انتشارها بين الإيعاز التنظيمي من مدير مكتب السيسي، عباس كامل، لكبار رجال الأعمال، وضغوط السلطات المحلية على أصحاب المحال التجارية، ورغبة الآلاف من أصحاب المصالح في الظهور وتقديم أنفسهم للسلطة كمعاونين أوفياء، يرى المواطنون البسطاء أنفسهم خارج الأضواء. فالأصوات التي يسعى السيسي لتأمينها بسبل مختلفة ربما ستتطابق مع السبل التي حصل بها على نحو مليون توكيل شعبي في مرحلة ما قبل فتح باب الترشح، لا تعبّر في الواقع عن الازدراء الشعبي للعملية الانتخابية التي لا ترقى حتى إلى مرتبة استفتاءات ما قبل 2005.

هذا التجاهل يمكن رصده بسهولة في شوارع القاهرة وبدرجة أكبر المحافظات، خصوصاً الصعيد، فالنتيجة معروفة سلفاً بفوز السيسي على منافسه (المؤيد له) موسى مصطفى موسى، بنسبة قياسية قد تفوق انتخابات 2014 التي حصل فيها على 23 مليون صوت بنسبة 97 في المائة تقريباً، لا سيما أن الأيام الماضية شهدت استدعاء مديريات الأمن وفروع الأجهزة السيادية في المحافظات نواب الأكثرية النيابية "دعم مصر" والعُمد وشيوخ القبائل المتعاونين مع النظام الحاكم، وتم توجيه تعليمات صارمة لهم بحشد المواطنين بأي وسيلة للتصويت في الانتخابات لرفع نسبة المشاركة، التي يرغب السيسي في أن تتعدى 50 في المائة لتصبح النسبة الأعلى في تاريخ الانتخابات المصرية.

طرق متعددة للحشد
مصادر نيابية وحكومية قالت لـ"العربي الجديد" إن الحشد للتصويت سيبدأ منذ الساعات الأولى ليوم الاقتراع الأول، ومن المتوقع أن تزداد وتيرته في اليوم الثالث بعدما ستظهر مؤشرات المشاركة على مستوى الجمهورية. أما طرق الحشد فستتنّوع بين دفع مقابل مالي للصوت، أو توزيع الوجبات الغذائية والإعانات على المواطنين في المناطق الأكثر فقراً، والتي هي في الوقت نفسه الأكبر بكثافة التصويت.

أما بالنسبة لرجال الأعمال المشاهير مالكي المصانع والمشاريع العملاقة، فسيتم تقسيم العمل بين موظفيهم ونقلهم للجان، خصوصاً في المناطق الصناعية كالعاشر من رمضان (حيث تقع مصانع رجلي الأعمال المواليين للنظام محمد فريد خميس ومحمد أبو العينين) وفي مدينة السادات (حيث يقع مصنع الحديد والصلب الخاص برجل الأعمال أحمد عز الذي تصالح مع الدولة أخيراً) والأمر نفسه سيحدث على مستوى وسائل الإعلام من صحف وقنوات فضائية، فضلاً عن المصالح الحكومية التي مثّل موظفوها نسبة معتبرة من المشاركة الإجبارية في الانتخابات الرئاسية السابقة.

وأكدت المصادر أن الإدارة المركزية لحملة السيسي برئاسة عباس كامل ومعاونة جهازي المخابرات والرقابة الإدارية، أنهت اختيار 20 ألف شاب متطوع على مستوى الجمهورية ينتمون لأحزاب الأكثرية النيابية، وبعضهم تربطه صلات قرابة بالنواب الموالين للسيسي، ليتولوا مهمة توجيه الناخبين في اللجان ومتابعة سير العملية الانتخابية، وسيعاون هؤلاء مجموعات محلية في كل قرية ومدينة تم اختيار عناصرها بعناية بترشيحات النواب المحليين وبعد إجازتهم من الأجهزة الأمنية.


ضغوط وابتزاز

من جهة أخرى، علمت "العربي الجديد" من مصادر في مؤسسات حكومية عدة، بوجود تحذيرات شديدة من المدراء والمسؤولين في حال عدم النزول للتصويت في الانتخابات الرئاسية. وقالت المصادر، إن محاولات الحشد لم تتوقف على المطالبات والتأكيدات، بل وصلت إلى حد التهديدات المباشرة والصريحة، إذ أقدم عدد من المدراء على تهديد العاملين بأنه في حالة عدم التصويت سيتم إبلاغ الأجهزة الأمنية بأنهم من المنتمين لجماعة "الإخوان المسلمين".
وأضافت المصادر أن بعض الموظفين مجبرون على النزول على غير رغبتهم خوفاً من تعرضهم للاعتقال، وليس مجرد توقيع جزاءات إدارية أو منع حوافز أو تأخير ترقيات. وتابعت أن هؤلاء المدراء أكدوا ضرورة الحصول على إذن بساعتين خلال أحد أيام الانتخابات الثلاثة، للتصويت والعودة مرة أخرى للعمل، بالتنسيق مع كل العاملين، للتأكد من وجود الحبر الفسفوري في أيدي العاملين، بما يعني أنهم صوّتوا.

إلى جانب هذه الخروقات، لم تلتزم كل وسائل الإعلام المصرية أمس بفترة الصمت الانتخابي المنصوص عليها قانوناً، والتي نبّهت الهيئة الوطنية للانتخابات إلى ضرورة احترامها، إذ تصدّرت صور السيسي وتصريحاته الإعلامية أمس كل الصحف، كما استمرت المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية والإذاعات في عرض الأغاني الدعائية والمواد الإعلانية، وكذلك الشاشات العملاقة التي أقامتها محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية لإذاعة خطابات السيسي والأغاني الحماسية على مدار الساعة.

على المستوى الميداني، بدأ الجيش منذ صباح أمس الانتشار على مستوى المحافظات ممثلاً في عناصر الشرطة العسكرية والقوات الخاصة لتأمين اللجان، فضلاً عن طلعات جوية موسعة تحسباً لحدوث أي عمليات إرهابية، خصوصاً بعد عملية التفجير التي ضربت محيط فندق للجيش في الإسكندرية صباح أمس الأول وكانت تستهدف موكب مدير أمن الإسكندرية، الأمر الذي يثقل كاهل الجيش بمزيد من عمليات التمشيط وتشديد التأمين.

بينما اشتغلت الهيئة الوطنية للانتخابات في الساعات الأخيرة بتعديل مقار اللجان بسبب ضعف التنسيق مع وزارة التربية والتعليم، إذ تبيّن أن بعض اللجان كان مقرراً إقامتها في مدارس تحت التطوير، فتم نقلها إلى مدارس أخرى. كما تفاقمت في الساعات الأخيرة مشكلة اعتذار القضاة عن المشاركة لأسباب تتعلق بمخاوف أمنية، أو لابتعاد اللجان المكلفين بها عن مقار إقامتهم وعملهم، إذ أبلغ العشرات من القضاة في مجلس الدولة والقضاء العادي إدارات المحاكم بالاعتذار عن الإشراف بسبب سوء التوزيع.

وفي محاولة لحل المشكلة، توصلت الهيئة الوطنية إلى اتفاق مع هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة لزيادة عدد المشرفين على اللجان من أعضائهما لتعويض نقص القضاة، وذلك مقابل إبرام اتفاق للتأمين على حياة كل عضو بالهيئتين بنحو مليون جنيه، فضلاً عن تقاضي كل عضو 10 آلاف جنيه في أيام الاقتراع الثلاثة، وضعف هذا المبلغ بالنسبة للمشرفين على الانتخابات في شمال وجنوب سيناء.
ووفقاً لمصدر قضائي، استطاعت الهيئة بحلول ظهر أمس الأحد تأمين مشرف أساسي وآخر احتياطي لكل لجنة فرعية، بالإضافة إلى أربعة موظفين مساعدين في المتوسط سيتقاضى كل منهم مكافأة تتراوح بين 500 جنيه وألف جنيه حسب دوره في اللجنة، وحسب الوزارة التي ينتمي إليها، سواء كانت التعليم أو العدل أو الزراعة أو الصحة.

ولم يؤد انشغال السيسي ونظامه بالتظاهر بإجراء انتخابات رئاسية محسومة، إلى تزايد اهتمام العالم بها، إذ لم تتقدّم أي منظمة دولية شهيرة لمراقبة الانتخابات، ليس فقط بسبب انعدام المنافسة، ولكن أيضاً بسبب الشروط المجحفة والإجراءات الأمنية المشددة التي اتُخذت بحق ممثلي المنظمات الدولية الكبرى والمتعاونين معهم في انتخابات الرئاسة الماضية واستفتاء دستور 2014. فكانت النتيجة تقدّم 4 منظمات دولية فقط، كلها بلا سجل معروف وهي: جمعية متطوعون بلا حدود، والمنظمة المسكونية في جنيف، ومنظمة المرصد الآشوري، ومركز بروكسل الدولي. والأمر نفسه ينطبق على المنظمات الإقليمية العربية والأفريقية التي لن تتواجد هذا العام، مقابل تواجد مكثف عامي 2012 و2014.

ويبدو أن حالة الخصام غير المعلنة بين الدولة المصرية والاهتمام الغربي، انعكست أيضاً على المتابعة الإعلامية الأجنبية للانتخابات، فبحسب مصدر إعلامي أوروبي في القاهرة لم تسلم هيئة الاستعلامات التابعة للرئاسة تصاريح المتابعة إلا لمراسلي الصحف المعروفين بمواقفهم الإيجابية من السيسي، على الرغم من أن الهيئة تلقت ما يزيد على 50 طلباً من صحف غربية لمتابعة الانتخابات. كما تم منح التصاريح لقنوات معظمها محدودة التأثير ولكنها لا تتبنى خطاباً نقدياً للسيسي كتلفزيونات الصين وروسيا واليابان وكوريا.

ذات صلة

الصورة
قناة السويس من جهة الإسماعيلية، 10 يناير 2024 (سيد حسن/Getty)

سياسة

دعت جهات مصرية إلى منع مرور السفن الحربية الإسرائيلية في قناة السويس بعد توثيق مشاهد عبور سفينة حربية إسرائيلية فيها أخيراً، وسط غضب شعبي مصري.
الصورة
مرفأ الإسكندرية، 31 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

قدمت السلطات المصرية روايات متضاربة حول السفينة كاثرين التي تحمل متفجرات لإسرائيل. فبعد نفي لمصدر مصري استقبال السفينة صدر بيان لوزارة النقل يثبت وجود السفينة.
الصورة
تطالب جمعيات رعاية الحيوان بتعامل رحيم مع الكلاب (فريد قطب/الأناضول)

مجتمع

تهدد "كلاب الشوارع" حياة المصريين في محافظات عدة، لا سيما المارة من الأطفال وكبار السن التي تعرّض عدد منهم إلى عضات استدعت نقلهم إلى المستشفى حيث توفي بعضهم.
الصورة
جنود صوماليون خلال تدريبات في مقديشو، 26 مايو 2022 (إرجين إرتورك/الأناضول)

سياسة

تبادلت مصر وإثيوبيا رسائل تحذير عسكرية أخيراً، على خلفية الوضع في الصومال وإقليم "أرض الصومال"، مع وصول سفينة محمّلة بالأسلحة من القاهرة إلى مقديشو.