وأُجريت الانتخابات في نسختها الرابعة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، والثانية التي ينظّمها العراقيون بأنفسهم، وسط أعطال في أجهزة التحقق الإلكترونية وسوء التنظيم وتوزيع مراكز الاقتراع في المدن وتوقّف عدد كبير منها. إضافة إلى تسجيل محاولات اعتداء ذات طابع إرهابي، وأخرى تقف وراءها مليشيات مسلحة نفذتها في مناطق مختلطة طائفياً لتخويف السكان ومنعهم من الذهاب إلى مراكز الاقتراع، فضلاً عن تغييب غير مفهوم لعشرات آلاف المواطنين الذين ذهبوا للاقتراع ولم يجدوا أسماءهم، أو الذين لم تفتتح مراكز اقتراع أصلاً في مناطقهم. كما غابت الانتخابات من الأساس عن عدد كبير من مخيمات النازحين على خلاف ما وعدت به مفوضية الانتخابات العراقية من تأمين لجان ومحطات اقتراع داخل المخيمات.
وأدى كل ذلك إلى انخفاض في النسبة العامة للمشاركة في الانتخابات، ما استتبع حالة من الاستنفار بين مفوضية الانتخابات والقوى السياسية، التي لجأت إلى كل وسائل الحشد، بما في ذلك الاستعانة بسيارات الشرطة والمساجد لحث الناس عبر مكبرات الصوت على المشاركة في عملية الاقتراع.
وتتنافس على مقاعد البرلمان الجديد، 204 أحزاب بواقع 71 تحالفاً، وأكثر من 7 آلاف مرشح، فيما بلغ عدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت 24 مليوناً و33 ألف مواطن، من بينهم أربعة ملايين ونصف يصوتون للمرة الأولى بعد اجتيازهم سن الثامنة عشرة. أما عدد المراكز الانتخابية في عموم مدن العراق فبلغ 52 ألف مركز، وعدد الدوائر الانتخابية 18 دائرة، توزعت على 18 محافظة، وينتخب أبناء كل محافظة نواباً ممثلين عنهم في البرلمان يتفاوت عددهم من محافظة إلى أخرى، بحسب التعداد السكاني بواقع نائب لكل 100 ألف نسمة، فيما تم تخصيص 8 مقاعد للأقليات، المسيحيين والصابئة والأيزيديين والشبك.
وعلى الرغم من مشاركة أكثر من 2500 مراقب دولي، ونحو 7 آلاف مراقب محلي، إلا أنه لوحظ غيابهم في مراكز اقتراع شكا فيها مواطنون من سوء التنظيم وتكدّس الطوابير وما وصفوه بـ"ضيق خلق" موظفي مراكز الاقتراع وعدم تجاوبهم مع المواطنين والتعامل معهم بشكل فظ.
مشاكل فنية وتنظيمية
جرى يوم التصويت العام وسط خروقات وأعطال فنية كبيرة في أجهزة الاقتراع، شملت مناطق عدة في بغداد، في الدورة والميكانيك، وغيرها. كما تعطّلت الأجهزة في عدد من مراكز محافظة الأنبار، وفي مراكز بمحافظة كركوك وتحديداً في بلدات العباسي والحويجة وتازة. ولم يكن إقليم كردستان بعيداً من تلك الأعطال التي أصابت أجهزة عدد من مراكز الاقتراع في بلدات زاخو والشيخان، فضلاً عن محافظة صلاح الدين. جرى ذلك، وسط اتهامات بتعطيل متعمد لتلك الأجهزة، إذ أكد رئيس الجبهة التركمانية، أرشد الصالحي، في بيان صحافي، "حدوث تعطيل متعمد لعدد من أجهزة الاقتراع في محافظة كركوك، في المناطق العربية والتركمانية". وأضاف: "هذا ما كنا نخشاه، من حدوث استهداف متعمد للعرب والتركمان في المحافظة".
ومن الخروقات التي تم تسجيلها في عدد من مراكز الاقتراع في بغداد، تأكيد مواطنين لـ"العربي الجديد"، أنّ المئات منعوا من التصويت في عدد من مراكز الاقتراع في بغداد، إذ منعهم موظفو مفوضية الانتخابات لأن بطاقاتهم قديمة، على الرغم من أنّ المفوضية كانت قد أعلنت سابقاً إمكانية التصويت بالبطاقات القديمة.
وقال مسؤول عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن ما لا يقل عن 600 ألف عراقي حُرموا من المشاركة بسبب خلل من مفوضية الانتخابات، مضيفاً أن هناك من ذهب إلى مركز الاقتراع ولم يُسمح له بالتصويت بسبب عدم وجود بيانات له في مفوضية الانتخابات أو أن البطاقة التي يحملها فيها اختلاف عن المعلومات الموجودة في سجلات المفوضية أو لعدم تعرف جهاز التحقق الالكتروني على بصمة المواطن، فضلاً عن أن ستة معسكرات لم تُفتتح فيها أي محطة اقتراع أصلاً، إضافة إلى سوء توزيع مراكز الاقتراع في الأحياء السكنية بشكل منع كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والنساء من التوجه للاقتراع.
ولفت إلى أن زوجة نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي وأبناءه لم يُسمح لهم بالتصويت في بغداد بحجة عدم وجود بياناتهم في نظام الاقتراع الإلكتروني، كذلك لم يستطع الآلاف من النازحين الإدلاء بأصواتهم في عدد من مناطق العراق، بينما حمّل مسؤولون الأجهزة الأمنية مسؤولية ذلك، بسبب الإجراءات التي اتخذتها.
وقالت النائب عن "تحالف القوى العراقية"، لقاء وردي، إنّ "الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات الأمنية في المناطق المحيطة بجرف الصخر، حالت دون وصول المهجرين إلى مراكز الاقتراع، مما حرم الآلاف منهم من الإدلاء بأصواتهم".
كما أكد مسؤولون في محافظة ديالى، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الآلاف من نازحي المحافظة، حُرموا من التصويت للسبب نفسه، ولأسباب فنية سبق أن نبّهنا المفوضية إليها، وهي عدم إكمال المفوضية إجراءات التسجيل والتحديث لسجلات النازحين في المحافظة".
كما جرت عمليات استهداف لمراكز اقتراع؛ ففي ديالى أصيب ستة مواطنين بجروح بسقوط قذائف هاون في بلدة أبي صيدا شمال المحافظة. بينما أعلنت مفوضية الانتخابات عن "توقيف أحد عناصر الحشد، بسبب إطلاقه النار داخل مركز انتخابي في بلدة بيجي في محافظة صلاح الدين"، وتسبب ذلك بحالة رعب لدى الناخبين.
تقدّم أولي للعبادي والصدر
مسؤولان بارزان في مفوضية الانتخابات العراقية أجمعا على أن النتائج المتوفرة تشير إلى تقدّم قائمة العبادي (النصر)، تليها قائمة "سائرون" التي يتشارك فيها الصدريون مع قوى مدنية مختلفة، وبعدها قائمة "الفتح" التي تمثّل مليشيات "الحشد الشعبي" رسمياً في الانتخابات الحالية والتي كانت تعوّل على تحقيق أعلى عدد من المقاعد الانتخابية، ثم قائمة "القرار" التي يتزعمها أسامة النجيفي، تليها قائمة "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، ثم "الحزب الديمقراطي" بزعامة مسعود البارزاني.
وكان المالكي قد استبق صدور النتائج النهائية بالتحذير من التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات. المالكي الذي كان من أوائل المسؤولين المقترعين في المركز الخاص داخل المنطقة الخضراء، تحدث عن "وجود نوايا حقيقية للتلاعب بنتائج الانتخابات"، داعياً المفوضية إلى "متابعة هذا الأمر، كونه خطيراً وقد يغيّر مسار العملية السياسية".
ووفقاً للتسريبات التي حصلت عليها "العربي الجديد" عبر عضو في مجلس أمناء المفوضية ومدير لجنة قانونية في المفوضية ذاتها، إن النتائج التي استُخلصت بعد سبع ساعات من فتح صناديق الاقتراع تُعتبر غير دقيقة وكذلك غير رسمية. لكنها بحسب المعطيات الأولية قد تتسبّب بتقزيم كتل مهمة في السابق مثل "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، والمجلس الأعلى بزعامة همام حمودي، و"الوطنية" بزعامة إياد علاوي. كما أنها شكّلت صدمة لـ"دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"الفتح" بزعامة هادي العامري، إذ كانا يراهنان على حصد أعلى نسبة أصوات في الشارع الشيعي.
وفي حال استمرت هذه النتائج، فمن المتوقع أن تزيد من صعوبة مخاض تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. وعلى الرغم من أن فوز أي كتلة في هذه الانتخابات لا يعني أنها هي من ستشكل الحكومة في النهاية، إذ إن المادة الدستورية 76 من البند الأول تشير إلى أن "الكتلة الأكبر" التي تتشكل داخل قبة البرلمان في أول جلسة للبرلمان بعد الانتخابات هي من يحق لها تشكيل الحكومة، إلا أن التسريبات تؤكد أنه لا كتلة كبيرة حتى الآن، وأن عدد ما حصلت عليه أقوى الكتل لن يتجاوز عتبة الستين مقعداً، وهو ما سيزيد من صعوبة تشكيل الحكومة وعمر إعلانها، بسبب وجود حاجة إلى التفاهم والتوافق بين ما لا يقل عن ست كتل مختلفة لتكوين تحالف برلماني يحقق "الكتلة الكبرى" التي لها الحق في تشكيل الحكومة. بينما يرى مراقبون أن الضغوط الغربية الحالية على إيران قد تصب في مصلحة تغيير سياسي في العراق، في حال أدخل الملف العراقي ضمن أي مساومات غربية مع طهران.
(شارك في التقرير: كركوك ــ علي الحسيني، ديالى ــ ميمونة الباسل، النجف ــ زيد سالم)