على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأثناء عرضه، مساء الإثنين، لما وصفه بالأرشيف النووي الإيراني، الذي تمكّن جهاز "الموساد" من جلبه مطلع العام الحالي من إيران، لم يقدّم معلومات حول التشكيلات الاستخبارية التي شاركت في هذه العملية، إلا أن طابع العملية وتاريخ نشاط "الموساد" يمكن أن يساعدا في التعرف إلى هذه التشكيلات. وفيما يتفاوت حجم وطابع الأدوار المنوطة بهذه الوحدات، إلا أنه يمكن القول إن خمس شُعب في "الموساد" يُتوقع أن تكون قد شاركت بدور في هذه العملية.
أولى هذه الوحدات هي شعبة "العمليات" (قيساريا)، والتي يُفترض أن تكون قد أدت الدور الرئيس في إنجاز المهمة، على اعتبار أنها مسؤولة بشكل رئيس عن كل الأنشطة العملياتية التي ينفذها جهاز "الموساد". وتشمل الشعبة وحدات مقاتلة لتنفيذ طيف من المهام الميدانية، لا سيما عمليات الاقتحام، إلى جانب وحدات متخصصة، مثل وحدة التصفية (كيدون)، ووحدة التنصت والمراقبة (نفيعوت).
يشار إلى أن بن براك، الذي كان يرأس "قيساريا" أثناء قصف المنشأة النووية السورية، تم اعتقاله عام 1985 من قبل السلطات اليونانية عندما ضبط متلبساً خلال محاولة زرع أجهزة تنصت في السفارة الإيرانية في أثينا. وتدل التجربة على أن "قيساريا" من خلال عناصر "كيدون" نفذت عمليات اغتيال عدة طاولت علماء نوويين وخبراء إيرانيين في مجال الفضاء الإلكتروني.
ثاني الشُعب التي يُفترض أن تكون شاركت في العملية، هي "تسوميت"، التي تتولى مهمة تأمين المعلومات الاستخبارية عبر تجنيد مصادر بشرية. ويمكن الافتراض أن هذه الشعبة تمكّنت من تجنيد إيرانيين كان لهم دور في الكشف عن مكان الأرشيف النووي، وما يمكن أن يتضمنه من وثائق، ناهيك عن دورهم في مراقبة المكان. وقد أصدر الجهاز القضائي الإيراني خلال العقد الأخير أحكاماً متفاوتة ضد إيرانيين أدينوا بالتخابر والتعامل مع "الموساد"، كان آخرهم الأكاديمي أحمد رضا جلالي، الذي صدر بحقه حكم بالإعدام، وعرض التلفزيون الإيراني قبل 3 أشهر اعترافاته، التي أقر فيها بأنه قدّم معلومات ساعدت "الموساد" في تصفية اثنين من علماء الذرة الإيرانيين. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية قد كشفت قبل 4 سنوات النقاب عن أن الاستخبارات التركية كشفت لإيران هوية العشرات من الإيرانيين الذين جنّدهم "الموساد"، ذلك لأن ضباط الجهاز كانوا معتادين لقاء هؤلاء العملاء في فنادق تركية.
وفي الفيلم الوثائقي "الموساد قصة تغطية"، الذي عرضته قناة التلفزة الإسرائيلية الثامنة أخيراً، ذكر يحيعام ميرت، الذي قاد "تسوميت" في تسعينيات القرن الماضي، أن شعبته ركّزت على تجنيد مصادر بشرية من العرب والإيرانيين، أثناء تواجدهم في أوروبا.
كذلك تبرز شعبة "التكنولوجيا"، التي تتولى ابتكار وسائل تساعد رجال "الموساد" على تنفيذ عملياتهم الميدانية، إلى جانب توفير ردود على تحديات يمكن أن تعترض هذه العمليات. فعلى سبيل المثال، يستدل مما كشفه نتنياهو، الأحد، أن جلّ الوثائق الإيرانية التي حصل عليها الاحتلال كانت موجودة في خزائن ذات نظام قفل إلكتروني مشفر. وتقوم شعبة "التكنولوجيا" بتدريب عناصر "الموساد" على آليات التعامل مع هذه التحديات. ونشر موقع "وللا" الإسرائيلي، أمس الأربعاء، مقابلة مع أحد الخبراء الذين قاموا بتدريب عناصر "الموساد" على فتح الأبواب والخزائن ذات نظام القفل المشفر، أشار فيها إلى أنه يتم تدريب العناصر مرات عديدة حتى يكون من السهل عليهم اختراق هذه الخزائن والسيطرة على ما فيها.
أما الشعبة الرابعة التي يُفترض أن لها دوراً في العملية، فهي وحدة "تيفيل"، التي تتخصص في بناء علاقات التعاون والشراكات مع الأجهزة الاستخبارية الأجنبية. وقد تبيّن أن الجهد الاستخباري الإسرائيلي الموجّه ضد إيران يعتمد على التعاون مع الاستخبارات الأميركية. فبحسب ما كشفته وسائل إعلام غربية، تعاون "الموساد" والاستخبارات الأميركية في توجيه ضربة موجعة للبرنامج النووي الإيراني عام 2009، حين تمكّن الطرفان من تطوير فيروس "stuxnet"، الذي أدى إلى إتلاف 60 في المائة من أجهزة الطرد المركزي التي تتولى تخصيب اليورانيوم. وكشف الصحافي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون الاستخبارية رونين بريغمان، في كتابه "تاريخ عمليات الاغتيال الإسرائيلية"، الذي صدر قبل شهرين، أن الكثير من عمليات "الموساد"، وضمنها عمليات التصفية، نفذت من خلال التعاون مع استخبارات دول عربية.
ومن الواضح أن "الموساد" سعى لتعزيز قدرته على العمل الاستخباري في إيران من خلال حرصه على تجنيد الشباب من الذين يتقنون اللغة الفارسية، إلى جانب تشجيعه المدارس الثانوية على تدريس اللغة الفارسية. ويفترض أن العلاقة السابقة التي ربطت "الموساد" بنظام الشاه في إيران، والذي مكّن الجهاز من فتح مكتب رسمي والعمل بحرية هناك، كما كشف الوثائقي الذي عرضته قناة التلفزة الإسرائيلية الثامنة، قد ساعدت الجهاز على معرفة البيئة الإيرانية، لا سيما أن الأدبيات الإسرائيلية دلت على أن الجهاز يستعين بشقق سرية يستأجرها عملاؤه، الذين ينشطون في دول "العدو"، حيث يمكن أن يمضوا فيها سنوات.