استعاد النظام السوري أخيراً السيطرة على العديد من الطرق الحيوية في سورية، بعد سنوات من توقف الحركة عبرها بسبب الأعمال العسكرية، ولكن حلفاء النظام باشروا السعي لـ"إعادة الروح" إلى الطريق الدولي الرابط بين جنوب سورية وشمالها. وهو ما تعتبره المعارضة مكسباً للنظام الذي يسعى إلى إنعاش الحياة الاقتصادية في مناطق سيطرته، خصوصاً في المدن الكبرى من خلال السيطرة على هذا الطريق. وأكدت مصادر إعلامية تابعة للمعارضة السورية أن "تركيا وروسيا، تعتزمان العمل على تأهيل الطريق الدولي الذي يربط بين حلب، كبرى مدن الشمال السوري، والعاصمة دمشق في جنوب البلاد، الذي يُعتبر واحداً من أهم الطرقات في سورية، ليكون ضمن الطرق المفتوحة أمام المدنيين والحركة التجارية، بإشرافٍ من الدولتين". وأضافت أنه "من المقرر أن تنشئ القوات التركية خمس نقاط على الطريق العام، وذلك في منطقتي الراشدين وإيكاردا في ريف حلب، وفي مدينتي سراقب ومعرة النعمان، في ريف إدلب الشرقي، ونقطة أخرى في منطقة مورك، في ريف حماة الشمالي، وذلك لضمان عدم استهدافه وتعطيل حركة المرور عبره".
وأوضحت المصادر أنه "سيتم تفعيل الحركة التجارية، إضافة إلى إعادة التيار الكهربائي من قبل النظام إلى ضواحي الشمال السوري وأريافه، على مراحل، من دون أن تكشف أي معلوماتٍ عن تفاصيل أكثر". وهذا الطريق هو الأكثر أهمية على مستوى سورية، ولكنه ليس الطريق الوحيد الذي شهد تفاهمات روسية وتركية، إذ سبق أن اتفقت الدولتان على تأهيل وإعادة فتح أوتوستراد حلب - غازي عينتاب، بين مدينة حلب وتركيا مروراً بالريف الشمالي. وكانت مواقع إخبارية قد سرّبت مطلع شهر مايو/ أيار الحالي، معلوماتٍ عن اتفاق بين تركيا وروسيا وإيران حول فتح الطرقات الرئيسية في سورية.
وجاء في التسريبات أنه "تشرف روسيا على مدينة حلب إلى ريف حلب الجنوبي عبر منطقة دوار الصنم، ومن ريف حلب الجنوبي إلى ريف إدلب الشرقي والجنوبي وصولاً إلى مدينة مورك بريف حماة الشمالي يكون الطريق بإشراف تركي، ومن مورك إلى منطقة النبك بريف دمشق الشمالي بإشراف روسي مجدداً، ومن النبك إلى قلب العاصمة دمشق يكون بإشراف إيراني". وأشارت إلى أن "الاتفاق المبرم بين الدول الثلاث وهي الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار في سورية، يضمن بقاء المناطق التي يمر منها الطريق منزوعة السلاح وخالية من أي وجود عسكري، غير القوات التابعة للدول الثلاث: تركيا وروسيا وإيران".
من جانبه، أكد رئيس اللجنة العسكرية في وفد قوى الثورة العسكري إلى أستانة، العقيد فاتح حسون، أنه "لم يتم التطرق لموضوع الطرقات في جولات أستانة التفاوضية"، معرباً عن اعتقاده بأن "أي طريق يتم فتحه فهو لصالح النظام بالدرجة الأولى، كونه يستخدمه لنقل القوى والوسائط". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يهم النظام المجرم تسهيل حركة المدنيين والبضائع وغيرها من استخدامات الطرق". ووضع النظام أخيراً يده على العديد من الطرق الدولية في سورية وهي من "شرايين" الحياة في البلاد، بعدما بقيت سنوات عدة خارج سيطرته. وهو ما قد يدفع باتجاه إنعاش المناطق الواقعة تحت سيطرته، تحديداً المدن الكبرى مثل دمشق، وحلب، وحمص، وحماة التي ترتبط الآن بطرق فرعية لم تستطع تعويض توقف العمل على الطريق الذي يربط جنوب البلاد بشمالها.
فقد سيطر النظام على الطريق الدولي الرابط بين دمشق وحمص، وسط البلاد، إثر سيطرته على الغوطة الشرقية، فأعاد تأهليه على الفور، وفتحه أمام المسافرين بين المدينتين. ويكتسب هذا الطريق أهمية كبيرة، حيث يتفرع منه الطريق الذي يربط العاصمة بمدينتي اللاذقية وطرطوس بالساحل السوري. وظل المدنيون سنوات عدة ينتقلون بين العاصمة وحمص والساحل عبر طريق فرعي غير مؤهل، يمرّ بالقلمون الغربي إثر سيطرة المعارضة على مدينة حرستا التي تشرف على الطريق الدولي.
كما وضع النظام يده أخيراً على طريق حماة ـ حمص، إثر سيطرته على ريف حمص الشمالي أخيراً. ويمر هذا الطريق بالقرب من مدينة الرستن التي كانت تحت سيطرة المعارضة، وهو ما أدى إلى توقف العمل عبره لسنوات. وبقي المدنيون ينتقلون من مدينة حمص إلى مدينة حماة عبر طريق طويل غير مؤهل تنتشر على طوله عصابات الشبيحة، يمر عبر مدينة سلمية في ريف حماة الشرقي. وجرت عمليات قتل واعتقال ونهب عليه. كما استعاد النظام طرقاً هامة عدة، منها طريق دمشق ـ دير الزور، عبر مدينة تدمر في قلب البادية السورية، والذي بقي لسنوات مقطوعاً بسبب سيطرة تنظيم "داعش" عليه، ولكنه لا يزال غير مؤهل وغير آمن بشكل كامل. وسيطر النظام أواخر العام الماضي على الطريق بين مدينة سلمية والرقة، وفُتح أمام المدنيين، ولكنه فقد السيطرة عليه جنوب مدينة الطبقة، حيث تبدأ مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية".
وأكد مدنيون استخدموا الطريق لـ"العربي الجديد"، أن "هناك حواجز متعددة لأجهزة النظام الأمنية على الطريق تقوم بابتزاز المدنيين، وتجبرهم بالترهيب على دفع مبالغ مالية"، مشيرين إلى أن "النظام وضع نقطة جمرك جنوب مدينة الطبقة وكأننا ننتقل من دولة إلى أخرى".
وعاد الطريق الذي يربط بين الرقة ودير الزور إلى العمل أخيراً، وهو طريق يتقاسمه النظام و"قوات سورية الديمقراطية"، مع سيطرة الأخيرة على مدينة الرقة وجانب من ريفها الجنوبي الشرقي الذي يمر من وسطه الطريق الدولي. ولم يفتح النظام الطريق الدولي الذي يربط مدينتي حلب والرقة رغم سيطرته عليه بشكل كامل العام الماضي عقب طرده "داعش" من ريف حلب الشرقي، الذي يقطعه هذا الطريق الحيوي الذي من شأنه تسهيل تحرك المدنيين في منطقة زراعية هامة في سورية. ويضطر المدنيون إلى استخدام طريق الرقة - سلمية والانعطاف عند منطقة أثريا شمالاً باتجاه ريف حلب الجنوبي ومن ثم مدينة حلب، وهو ما يعني قضاء أكثر من 8 ساعات على الطريق. ولا يزال النظام يحاول استعادة السيطرة بشكل كامل على الطريق الذي يربط دمشق بالحدود الأردنية حيث معبر نصيب الاستراتيجي الذي لا يزال مغلقاً بسبب عدم اتفاق النظام والمعارضة على شروط افتتاحه.