خلال جلسته اليوم الأربعاء مع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب بالكونغرس، قال وزير الخارجية مايك بومبيو، في رده على سؤال حول وضع مكتب منظمة التحرير الفلسطينية واستمراره بالعمل في واشنطن، أنه سيرجع إلى صاحبة السؤال بالجواب لاحقاً، وأضاف أنه ربما يكون هناك "إشكال قانوني" في هذا الخصوص، لا علم له به.
تأجيل الشرح إلى وقت لاحق، وردّه الملتوي على سؤال النائبة إيلانا روس- لهتينان المعروفة بتعصبها الأعمى لإسرائيل، يوحي بأن لديه ما لا يستسيغ البوح به الآن في جلسة عامة. ويأتي قول الوزير على خلفية انتعاش الحديث عن احتمال إغلاق المكتب في اليومين الأخيرين والذي ترافق مع خطوة السلطة الفلسطينية أمس بالتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية ومطالبتها بالتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني واعتداءاتها الاستيطانية.
وكانت الناطقة الرسمية في الخارجية، هاذر نيورت، قد أشارت ولو مواربة أمس إلى أن احتمال إغلاق البعثة "أمر وارد"، وأن إدارة الرئيس دونالد ترامب ترفض الشكوى الجنائية على إسرائيل بزعم أنها خطوة "غير مجدية ولا تساعد عملية السلام"، مع التقليل من أهميتها على أساس أن أميركا "ليست عضوا في هذه المحكمة" التي تأسست عام 2002 بعضوية 123 دولة. تعبيرها عن الضيق من الخطوة كان واضحاً ومشفوعاً بتلميح إلى الثمن المحتمل تدفيعه للسلطة الفلسطينية، جراء تجاهلها تحذير واشنطن من اللجوء إلى هذا الخيار.
ويعود التحذير في هذا الخصوص إلى عام 2015، حين بادرت مجموعة من المفاتيح الإسرائيلية في الكونغرس ومن بينهم النائبة روس- لهتينان إلى استصدار تشريع يشترط عدم لجوء السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الجزائية الدولية ضد إسرائيل، تحت طائلة إقفال بعثتها في واشنطن لو فعلت. وكان الموافقة على فتح البعثة قد حصلت عام 1994 بعد أوسلو، عبر تعديل لقانون 1987 الذي كان يحظر فتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. ويومذاك اشترط الكونغرس مقابل موافقته على هذه الخطوة أن يتجدد رفع الحظر هذا كل ستة أشهر، وبعد أن تزوده الإدارة بتقرير يؤكد انخراط السلطة الفلسطينية بمفاوضات جدية مع إسرائيل.
بقي الأمر على هذا المنوال إلى خريف 2017، حين قررت إدارة ترامب إقفال المكتب الذي لا يتمتع بحصانة دبلوماسية، رداً على خطاب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة والذي لوّح آنذاك بخيار المحكمة الدولية. اعتبرت الإدارة أن عباس "تجاوز الخط الأحمر" بهذا التلويح.
لكن البلبلة والضغوط التي أثارها القرار حتى من جانب بعض أركان الإدارة، حملت البيت الأبيض في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على التراجع ولو الملتبس، حيث تم غض النظر عن ترك البعثة تمارس أعمالها، مع توصية بضرورة "الحد من نشاطاتها بحيث تقتصر على مساعي السلام" فقط. جرى ربط ذلك بآلية تقضي بأن يعاد تجديد السماح بممارسة عملها كل ثلاثة أشهر إذا ما واصلت السلطة الفلسطينية جهودها التفاوضية "بجدية". كانت موافقة غامضة وأشبه بسيف معلق فوق رقبة البعثة، والآن يبدو أن الحسم لاستخدام هذا السيف قد بات قريباً.
انطلق حضور مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن أواسط السبعينيات، بصيغة مكتب إعلامي ضمن مكتب الجامعة العربية في العاصمة الأميركية التي لا تتمتع هي الأخرى بحصانة دبلوماسية. بعد أوسلو ترقى وضع التمثيل الفلسطيني وانفصل عن الجامعة، تحت اسم "البعثة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية في أميركا". تواصل العمل بهذه الصيغة وبصورة سالكة حتى مجيء إدارة ترامب، بحيث صارت سياسة الإدارة ترجمة لمشيئة اللوبي الإسرائيلي والسفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، الذي يتصرف وكأنه وزير مفوض بالشأن الفلسطيني والذي تكللت جهوده بقرار الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس وبنقل السفارة الأميركية إليها.
وحالياً يبدو أن إغلاق البعثة الفلسطينية في واشنطن سيكون ربما بعد طرح ما يسمى بـ"صفقة القرن" والمصممة على ما تردد بصيغة محكوم على الجانب الفلسطيني رفضها. حينذاك تكون ذريعة الإقفال جاهزة: "الفلسطينيون رفضوا التفاوض بشأن السلام وبالتالي خالفوا الشرط وبما ينتفي معه الاستمرار بالبعثة". فالإدارة تتحين الفرصة وترى في المحكمة مدخلاً لترجمة حلقة أخرى في مسلسلها لتصفية القضية الفلسطينية.