لم يكن قرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تسليم صديقه ومستشاره الحالي تركي آل الشيخ الملف الرياضي في السعودية في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، قراراً رياضياً خالصاً كما توقع الجميع، إذ اضطلع آل الشيخ فور تعيينه في منصبه بمهمات سياسية داخلية وخارجية، تمثّلت في تهدئة الشباب السعودي الغاضب من الإجراءات التقشفية والقمع السياسي، ومد يد ناعمة نحو المنظمات الدولية الرياضية والاتحادات الرياضية في الدول المجاورة.
لكن تصرفات آل الشيخ، والذي تحوّل بين ليلة وضحاها إلى أحد أقوى رجال بن سلمان، صُبغت بالتهور، وهي سمة عُرف بها العديد من المحيطين بالأمير الشاب، ومنهم في الملفات الخليجية المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، وفي الملفات الإقليمية وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، مسببين فشلاً دبلوماسياً كبيراً للسعودية في علاقاتها الإقليمية والدولية.
وتوترت العلاقات الكويتية السعودية بعد هذه التصريحات بشكل غير مسبوق، إذ قامت الكويت على الفور باستدعاء السفير السعودي آنذاك عبدالعزيز الفايز و"توبيخه" بسبب تصريحات آل الشيخ وإعلاميين تابعين له، فردّت السلطات السعودية باستدعاء السفير الكويتي في الرياض ثامر جابر الأحمد الصباح، قبل أن يتدخّل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وينهي الأزمة. لكن آثارها كانت مكلفة للجانب السعودي في الكويت، إذ جرى استبدال الفايز بسفير آخر هو الأمير سلطان بن سعد آل سعود.
ودخل آل الشيخ بوابة الرياضة المصرية في محاولة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتعميق العلاقات المصرية - السعودية ومنح دعم رياضي للمصريين يمكّنه من الحصول على نفوذ سياسي أكبر مع النظام المصري برئاسة عبدالفتاح السيسي الحليف للسعودية. لكن تصرفات وتصريحات آل الشيخ، أدت إلى تحويل مشاريع الدعم المفترضة في مصر إلى خلافات سياسية كادت أن تتطور لولا تدخّل الدائرة المحيطة بالسيسي، وعلى رأسها مدير المخابرات اللواء عباس كامل، لإنهائها. وكان آل الشيخ قد وعد ببناء ملعب رياضي للنادي الأهلي بإشراف الجيش المصري، وإنشاء قنوات إعلامية تلفزيونية تابعة للسعودية بالتوافق مع نظام السيسي، لكن هذه المشاريع باتت في مهب الريح بسبب خلافات آل الشيخ الشخصية في مصر.
وعاد المسؤول السعودي لافتعال أزمة رياضية جديدة أدت إلى توترات دبلوماسية مع حليف آخر للسعودية وهو المغرب، إذ أعلن مبكراً أنه لن يصوّت لصالح ملف استضافة المغرب لنهائيات كأس العالم بكرة القدم عام 2026 وأنه سيبحث عن مصلحة بلاده أولاً. وعاد آل الشيخ مرة أخرى ليهاجم المغرب، متهماً إياه بالتعاون مع قطر في الملف الرياضي، على الرغم من أن المغرب يُعدّ حليفاً غير عادي للسعودية في الجوانب الأمنية والسياسية.
وعلى الرغم من أن العديد من الدول الخليجية والعربية وعلى رأسها العراق والكويت والبحرين والإمارات صوّتت ضد الملف المغربي، إلا أن أحداً منها لم يقم بالتصريح ضد الملف المغربي، أو تأييد الملف الأميركي بشكل فجّ، كما فعل آل الشيخ، وهو ما أدى إلى قيام المغرب بمقاطعة اجتماع وزراء إعلام دول تحالف دعم الشرعية في اليمن، والذي عُقد في مدينة الرياض أخيراً.
ونتيجة للفشل السياسي والمالي الذي رافق مشوار تركي آل الشيخ وإحراجه المتكرر لولي العهد السعودي وخلقه مشاكل دبلوماسية مع الحلفاء، يضغط فريق مقابل داخل مكتب ولي العهد بقيادة مديره بدر العساكر في محاولة لإبعاد آل الشيخ ووضع بديل أكثر عقلانية له، خصوصاً أن فشله مع المنتخب في كأس العالم الحالي، أدى إلى زيادة السخط عليه من الجماهير الرياضية، لكن آل الشيخ يحاول جاهداً التمسك بمنصبه مستعيناً بحليفه الأكبر داخل القصر سعود القحطاني.