سيكون موضوع الهجرة من النقاط الرئيسية على أجندة القمة الأوروبية التي تجمع رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي، اليوم الخميس وغداً الجمعة، كما توضح ذلك مسودة البيان الختامي. ومن بين جميع المواضيع الساخنة الأخرى، كالبريكست وسيادة القانون في بعض الدول الأوروبية، والعلاقات مع كل من روسيا والولايات المتحدة، فإن التقدم في مجال الأمن والدفاع سيكون ربما نقطة التوافق الوحيدة بين المسؤولين الأوروبيين، بما في ذلك البريطانيين.
وفي الوقت الذي تبدو فيه أزمة الهجرة في تراجع بعد توقف عدد الوافدين، يريد الأوروبيون وضع تدابير دائمة لتجنب مواجهة موجات الهجرة التي عرفتها القارة في عام 2015. فارتفاع شعبية الحركات القومية والشعبوية في معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومشاركتها في حوالي ست حكومات يعقد الوضع. "لم تعد مسألة إنقاذ المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط والترحيب بهم في القارة، كما حدث منذ ثلاث سنوات، من الأولويات. فالشيء الأساسي بالنسبة للأوروبيين اليوم هو ضمان تعزيز الحدود والقدرة على التعامل مع طالبي اللجوء في مجال بعيد إلى أقصى حد ممكن من الحدود الأوروبية"، كما تفسر الخبيرة في الشؤون الأوروبية إيمانويل ستراسر، لـ"العربي الجديد"، مضيفة أنه "من هنا عودة فكرة قديمة. إنشاء مراكز فرز خارجية أو منصات هبوط لفرز طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين في بلدان ثالثة". وهي نقطة لم تحظ بعد بإجماع كامل. وكانت من الملفات الرئيسية على القمة المصغرة غير الرسمية التي دعت إليها المفوضية الأوروبية، يوم الأحد الماضي. وكان رئيس الحكومة البلجيكية، شارل ميشال، قد ذكر بأنه "يجب التأكد من ضرورة احترام مراكز الفرز للقانون الدولي".
وكما جاء في مسودة البيان الختامي للقمة، فإن "السيطرة الفعالة على الحدود الخارجية هي الشرط المسبق لسياسة الهجرة الأوروبية الفعالة". كما أكد البيان تعزيز التدابير المتخذة منذ عام 2015، الداعية إلى حماية طرق الوصول المختلفة للمهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط. كما يدعم المجلس الأوروبي "تطوير مفهوم منصات الفرز الإقليمية". وهي نقطة جديدة خاصة على المستوى الأوروبي. وسوف يكون دور هذه المنصات هو استقبال المهاجرين الذين يصلون عبر البحر "سواء منهم الذين وصلوا أو تم إنقاذهم في عمليات البحث والإنقاذ". والغرض من هذه المنصات مزدوج: ضمان المعالجة السريعة لفرز المهاجرين الاقتصاديين عن أولئك الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية والحد من الحافز للقيام برحلات خطرة، بحسب الأوروبيين. على أن يتم تطوير هذه البرامج "بالتعاون الوثيق مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة".
"لا تتوفر أي تفاصيل في الوقت الحالي عن المواقع التي سيتم تثبيت هذه المنصات فيها مقابل المساعدات المالية، داخل الاتحاد الأوروبي أو في بلدان ثالثة"، حسبما أشارت ستراسر، التي استرسلت أنه "تم ذكر الدول المجاورة المختلفة، كألبانيا وتونس وليبيا، لاستضافة هذه المنصات، ولكن دون أي تأكيد رسمي". كما ينتظر أن يطالب قادة الاتحاد بـ"ضرورة تسريع عودة المهاجرين ومنع ظهور طرق جديدة براً أو بحراً في البحر الأبيض المتوسط، والتعاون مع الشركاء في المنطقة ودعمهم الذي يعتبر أمراً ضرورياً".
ولا تزال النقطة المتعلقة بإصلاح نظام دبلن، وهي نقطة حساسة للغاية، لا تحظى بالتوافق بين الدول الأعضاء، وحول هذا قالت ستراسر إن "المفوضية الأوروبية كانت قد حددت نهاية يونيو/ حزيران الحالي، كمهلة لوضع الخطوط السياسية العامة لإصلاح نظام اللجوء الأوروبي. ولكن يبدو أن هذه النقطة ستظل عالقة لعدم وجود توافق حتى الآن، كما برز ذلك خلال القمة المصغرة غير الرسمية".
وإذا كان النص الأخير لمسودة البيان الختامي الذي تم توزيعه على الدول الأعضاء موجزاً إلى حدّ ما، فإنه يوضح الاتجاه العام لمساعي الاتحاد الأوروبي إلى إنشائه في مجال الدفاع. في هذا السياق، قال الخبير في الشؤون الدفاعية، نيكولا غروفيرهايد، لـ"العربي الجديد"، إنه "أصبح من الأفضل بالنسبة للاتحاد إظهار الخطوات المقبلة بشكل واضح وعلني. وهذا العرض له قيمة داخلية، ولكن بشكل خاص خارجية في اتجاه الأميركيين". وأضاف أن "القرارات تسعى إلى إظهار أن الأوروبيين راغبون ومستعدون لتقاسم العبء في ما يتعلق بالدفاع".
وكما جاء في مسودة البيان الختامي، فإن المبدأ الأول الذي تم التأكيد عليه هو أنه "يجب على أوروبا تحمّل مسؤولية أكبر لأمنها ودعم دورها كشريك موثوق به في مجال الأمن والدفاع، وأن الاتحاد يتخذ خطوات لدعم الدفاع الأوروبي على ثلاثة مستويات: من خلال تعزيز الاستثمارات في الدفاع وبناء القدرات والاستعداد". أما المبدأ الثاني، فمتعلق بـ"التكامل المثالي بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وهذه المبادرات تعزز الاستقلال الذاتي للاتحاد، وفي الوقت نفسه تعمل على تعزيز قدرات حلف الأطلسي".
وتُعدّ النقطة الخلافية الوحيدة هي الخاصة بتسهيل التنقل العسكري داخل القارة الأوروبية والتي تُعدّ مطلباً للمنظمة الأطلسية. فرغم تأكيد البيان على أن "المجلس الأوروبي يرحّب بالتقدم المحرز في مجال التنقل العسكري في إطار التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي"، فما زال هناك الكثير مما يجب القيام به قبل التوصل إلى توافق بين الحليفين. إذ يطرح القادة الأوروبيون مجموعة من الشروط تتعلق بضرورة احترام "سيادة الدول الأعضاء بشكل كامل مع تعزيز التعاون وتقييم العملية بانتظام كل عام".
كما ستدعو الدول الأعضاء منسقة السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية، فيديريكا موغيريني، إلى "تقديم، بالتعاون مع الدول الأعضاء وطبقاً للنتائج التي توصل إليها المجلس الأوروبي في مارس/ آذار 2015، خطة عمل بحلول ديسمبر/ كانون الأول المقبل، تحتوي على مقترحات محددة من أجل استجابة منسقة من الاتحاد الأوروبي لتهديد التضليل الإعلامي". نقطة أصبحت تفرض نفسها في كل الاجتماعات الأمنية الأوروبية تقريباً منذ بروز مجموعة من الفضائح بخصوص عمليات التضليل الإعلامي.
وأخيراً، فإن نقطة نادرة ستبرز في البيان الختامي للقمة الأوروبية تتعلق بنشاط التجسس، وهي علامة على تزايد التوتر في هذا المجال. ويدعو البيان إلى "تنسيق أكبر بين الدول الأعضاء، وعند الاقتضاء، على مستوى الاتحاد الأوروبي وبالتشاور مع منظمة حلف شمال الأطلسي، للحد من التهديد الذي تشكله أنشطة الاستخبارات المعادية".