يبدو واضحاً، من مجرى التطورات الميدانية والسياسية في محافظة درعا، جنوب غرب سورية، أن مجموعة "قوى الثورة والمعارضة" هناك هيأت نفسها لكافة الخيارات، قبل بدء المعارك وتصاعد حدتها، منذ نحو أسبوعين، لكن "المُصالحات"، التي أجرتها بعض البلدات برعاية شخصياتٍ محسوبة على دول مثل الإمارات، وبعضها مقربٌ من روسيا، أربكت "قوى الثورة والمعارضة" بداية، وأعطت دفعاً لخطة النظام والروس، القائمة على تكثيف الضغط بالقصف والغارات، مع تجزيء المُجزأ، والاستفراد بكل بلدة ومدينة لوحدها، إضعافاً لموقف الطرف الآخر.
ومنذ التاسع عشر من هذا الشهر، وبالتزامن مع دفع النظام لمزيدٍ من التعزيزات العسكرية، ثم بدء القصف والهجمات البرية، المدعومة من الطيران الروسي، تبلورت ملامح محاولة القوى المهاجمة بتقطيع أوصال الجغرافيا التي تسيطر عليها المعارضة، عن طريق الضغط العسكري، أو عبر تنشيط ما يسميه الناشطون في درعا بـ"الطابور الخامس"، وهم مجموعة قوى صغيرة على الأرض، مُرتبطة إما بالنظام مباشرة دون إعلان ذلك، أو عبر شخصياتٍ مُقربة من دول مثل الإمارات، وتتوافق مع الرؤية الروسية في سورية.
وبالتزامن مع تقدم قوات النظام، مدعومة بالطيران الروسي، الأسبوع الماضي، في شرق وشمال شرق درعا، نشطت في بعض بلدات المحافظة شخصياتٌ لها نفوذٌ، إما عشائري أو عسكري محدود، وقامت بتوقيع اتفاقيات "تسوية ومُصالحة" بشكل مُنفرد مع النظام، خاصة في بلدات إبطع وداعل والكرك.
ويبدو أن ذلك، أربَكَ فصائل غرفة "العمليات المركزية في الجنوب" مع "فريق إدارة الأزمة"، الذي يفاوض الروس عن "قوى الثورة" في درعا، لكن ما تبين لاحقاً، وخصوصاً مساء السبت، أن فصائل "العمليات المركزية" امتصت صدمة الضربات العسكرية التي توجه لها من القوات المهاجمة، وما تسميه بـ"الخيانات" من داخل درعا، واستعادت سيطرتها بهجومٍ عسكري في بعض القرى والبلدات التي خسرتها بريف درعا الشرقي، واستعدت وفق ذلك مع انتعاشها عسكرياً، لجولة التفاوض التي كانت جرت صباح أمس الأحد مع الضباط الروس.
غير أن عصر الأحد شَهِدَ تسجيلَ "مُصالحة" جديدة مع النظام، في بصرى الشام، من قبل فصيل "شباب السنة" الذي يقوده أحمد العودة، وهو شخصٌ تجمعه قرابة عائلية مع خالد المحاميد، رجل الأعمال السوري المدعوم من الإمارات، والذي له مواقف معروفة في اقترابه من وجهة نظر الروس في سورية، فضلاً عن دعوته لعودة النظام وقواته لمحافظة درعا التي ينحدر منها.
وزعم أحمد العودة في تسجيلاتٍ صوتية، بثها ناشطون على الإنترنت، أنه أبرم الاتفاق مع الروس، لكن "نحن لم نقم بإدخال الجيش (قوات النظام) ولن يدخل الجيش، ولن نسمح له أن يدخل وفينا واحد يتنفس، لكن (توصلنا للاتفاق) أفضل أن يدخل الجيش بالغصب.. أريد أن أحمي النساء، وألا تدخل الطائفة الشيعية".
واعتبر عددٌ كبيرٌ من ناشطي محافظة درعا أن عراب اتفاق أحمد العودة مع الروس في بصرى الشام هو خالد المحاميد، الذي وصفوه مع قريبه بأنهم "خلايا من الطابور الخامس الذي يعمل على شق صف غرفة العمليات المركزية في الجنوب"، كما فنّدوا رده بفيديوهات توثق حلقات دبكة مؤيدة للنظام ضمن مناطق سيطرة فصيله يشارك فيها عناصر من فصيل "شباب السنة" الموعودين من قبل الروس بأن يكون لهم دور في أمن المنطقة فيما بعد المصالحة مع النظام ضمن جهاز الشرطة.
وعلم "العربي الجديد"، في وقت سابق من مصادرَ خاصة في درعا، أن أحد عرابي الاتفاق الذي جرى أمس الأحد، في بلدة بصرى الشام، هو هيثم مناع، الذي يقود "التيار الوطني الديمقراطي السوري"، والذي ينحدر أساساً من محافظة درعا، وله علاقاتٌ ببعض الشخصيات في المحافظة، فضلاً عن كونه شخصية تقاربت مع "منصة موسكو"، ومع "تيار الغد" الذي يترأسه أحمد الجربا.
وأرسلت هذه الجهات الثلاث، مؤخراً، قائمة موحدة، بأسماء شخصياتٍ لتمثلها في "اللجنة الدستورية"، وهو ما يؤكد التقارب بين هذه الجهات، التي شاركت بفعالية في "مؤتمر سوتشي"، وهي متهمة من قبل المعارضة بأنها تتماهى مع وجهة النظر الروسية في سورية.
وفضلاً عن الناشطين الذين أطلقوا مواقفَ ضد أحمد العودة وخالد محاميد وهيثم مناع، وآخرين تواصلوا مع النظام بهدف "المصالحة" في درعا، فقد أصدر "فريق إدارة الأزمة" بياناً اعتبر فيه مساء الأحد أن "أي اتفاق لن يكون ملزماً لحوران ولأهلها، ما لم يتم التوقيع عليه من كافة المشاركين في الفريق التفاوضي مدنيين وعسكريين، وإنّ أي إعلان لاتفاق دون ذلك يعتبر ممثلاً لمن وقع عليه كأشخاص عاديين دون أي صفة اعتبارية"، وذلك قبل أن يُصدرَ البيان التالي، صباح الإثنين، والذي أعلن فيه "الانسحاب من المفاوضات والنفير العام" لمواجهة قوات النظام والمليشيات المساندة لها بدعم الطيران الروسي.
وظهر اليوم الاثنين، قال مصدرٌ عسكري في الجيش الحر، لـ"العربي الجديد"، إن "فصائل غرفة العمليات المركزية في الجنوب وضعت خططاً عسكرية عديدة لمواجهات خطط النظام بالتقدم في شرق درعا وغربها"، مشيراً إلى أن "هدف النظام الجدي الآن هو الوصول من درعا البلد عبر محور غرز لمعبر نصيب، وكذلك على محور آخر، في محاولة لفصل الريف الغربي لشطرين، لذلك الآن يدفع بقواته نحو بلدة طفس. ونحن مُدركون لكل هذه التفاصيل، وهيأنا لمواجهتها عدة خطط".
وأشار المصدر ذاته المتواجد في درعا البلد إلى أن "حالة الإرباك التي تسببت بها بعض الشخصيات التي خانت دماء الشهداء تم تجاوزها منذ مساء السبت، ولذلك فإننا اتخذنا الموقف الواضح بالمواجهة، ورفض مفاوضات الاستسلام، بعد أن تبين لنا الصديق من العدو في الداخل والخارج".