كشفت مصادر متطابقة داخل مجلس النواب المصري أن ائتلاف "دعم مصر"، صاحب الأغلبية البرلمانية، سيتقدم بتشريع جديد للانتخابات النيابية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ينص على إجراء الانتخابات المقررة في العام 2020 بنسبة 80 في المائة لنظام القوائم المغلقة، مقابل 20 في المائة لنظام المقاعد الفردية، بهدف إحكام سيطرة الدولة على تشكيل البرلمان المقبل.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن الائتلاف يستهدف من هذه الخطوة "رفع الحرج عن الحكومة"، وإظهار تبنّي البرلمان للقانون الجديد عوضاً عن السلطة التنفيذية، لما سيثيره من ردود فعل رافضة من جانب أغلب الأحزاب، كونه بمثابة "رصاصة الرحمة" على نشاطها، في ظل مناداتها للسلطة بالأخذ بنظام القوائم النسبية بدلاً من المغلقة. وأوضحت المصادر أن هذه النسبة الكبيرة للقوائم المغلقة تقطع الطريق أمام أي تمثيل حزبي حقيقي في مجلس النواب المقبل، على اعتبار أن هذا النظام يُهدر 49 في المائة من أصوات الناخبين، على خلاف نظام القائمة النسبية الذي يسمح بتمثيل أكبر للأحزاب، ومنحها مقاعد في البرلمان تساوي عدد الأصوات الحاصلة عليها في العملية الانتخابية.
وأشارت المصادر إلى أن تخصيص نسبة 20 في المائة فقط للمقاعد الفردية "من شأنه توسيع الدوائر الانتخابية بشكل لم تشهده أي انتخابات سابقة"، إذ إنه يجعل من المحافظة الصغيرة دائرة انتخابية واحدة، والأكبر مساحة دائرتين على الأكثر، وهو ما يقصُر التنافس على "أصحاب الملايين"، الذين يملكون الأموال للإنفاق على الدعاية مقارنة بهذه المساحة الكبيرة. وحسب المصادر فإن "النظام لديه رغبة في إقصاء أي صوت معارض، حتى وإن كان معتدلاً، ويرغب في الإصلاح من الداخل". وقالت إن "التشريع الجديد يقصُر عضوية البرلمان على الموالين وحدهم، ويستهدف منع أصحاب الرأي الآخر من تمثيل المواطنين تحت القبة، علاوة على تهميش الأحزاب، عدا المحسوبة على الدولة، والمدعومة من أجهزتها". ونوّهت المصادر النيابية إلى أن "قانون الانتخابات المرتقب جرى إعداده بواسطة دوائر سيادية، وتمريره من أعلى إلى ائتلاف الأغلبية، على غرار الكثير من التشريعات التي مررها البرلمان سابقاً"، وفق تعبيرها، منبّهة إلى الدور المهم للتشريع في تشكيل البرلمان الجديد، والذي من المرجح أن تناط به مهمة تعديل الدستور قبيل انتهاء الولاية الثانية للرئيس عبد الفتاح السيسي.
وينادي عدد غير قليل من أعضاء البرلمان الحالي بتعديل الدستور قبيل انقضاء الدورة التشريعية، من أجل حذف قيد عدم جواز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لأكثر من فترتين رئاسيتين (8 سنوات)، أو مدّ الفترة الرئاسية الواحدة من 4 إلى 6 سنوات على أقل تقدير، في ارتداد لآخر مكتسبات ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. وأضافت المصادر أن النظام الانتخابي الجديد لن يسمح بتسرُّب نواب مخالفين لتوجهات السلطة، على غرار تكتل "25-30" المعارض حالياً، مضيفة أنه "رغم انعدام تأثير التكتل في التصويت (يضم 16 نائباً من مجموع 595 برلمانياً)، إلا أن تصريحات أعضائه الإعلامية، وانتقاداتهم المستمرة لمشاريع القوانين، تزعج أصحاب القرار، وهو ما يستدعي عدم حصولهم على مقاعدهم مجدداً". وتابعت "تخوُّف المسؤولين عن إدارة الدولة من اتساع رقعة المعارضة، وإمكانية توحّدها في قوائم مشتركة في الانتخابات المقبلة، دفع في اتجاه أفضلية القوائم المغلقة، حتى لا تستطيع أي كيانات معارضة الحصول على كتلة تصويتية مؤثرة من حصة مجلس النواب، أو ما يُعرف تشريعياً بالثلث المعطل لتمرير تعديلات الدستور".
وفي يونيو/حزيران 2017، وافق مجلس النواب على قانون تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات، متضمناً نصاً يحظر الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية بحلول العام 2024، وهو ما يمهّد لعودة عهود التزوير قبل اندلاع الثورة المصرية، وسيطرة الأجهزة التنفيذية، ممثلة في وزارة الداخلية، على الصناديق الانتخابية. ويسهّل نظام القوائم المغلقة من مهمة النظام في السيطرة على مقاعد البرلمان لصالح الأحزاب الموالية للحكم، لمركزية هذه القوائم، وفوز جميع الأسماء المدرجة عليها في حالة الحصول على 50 % + 1 من أصوات الناخبين، بعكس النظام الفردي الذي يزيد من عدد الدوائر على مستوى الجمهورية، ويرهن نتائجها بالاتفاقات والعصبيات القبلية.
في غضون ذلك، قال مصدر نيابي بارز في حزب "مستقبل وطن"، المشكَّل بمعرفة الاستخبارات الحربية، إن الحزب يعمل حالياً على التوسع عبر إنشاء مقار جديدة في المحافظات، تمهيداً لتوليه مهمة قيادة البرلمان الجديد من ائتلاف "دعم مصر"، موضحاً أن الحزب يسعى للخروج من عباءة الائتلاف (المحسوب على الاستخبارات العامة)، والفوز بالأغلبية منفرداً في انتخابات 2020. وأضاف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أن الحزب استطاع استقطاب أكثر من 150 نائباً أخيراً، سواء من أعضاء الائتلاف، أو من ممثلي حزب "المصريين الأحرار" في البرلمان، فضلاً عن أنه سيعمل على ضم العديد من الشخصيات المعروفة في مجال العمل العام، للدفع بهم كمرشحين عن الحزب في الانتخابات النيابية المقبلة، أملاً في الوصول إلى "حزب الأغلبية". ولم يستبعد المصدر إمكانية الاندماج في قوائم موحدة مع أحزاب أخرى "شرط تطابق توجهاتها مع مستقبل وطن، وتبنّيها أجندة دعم الدولة المصرية، ومشاريعها القومية"، مرجحاً "تفكك ائتلاف دعم مصر خلال العامين المقبلين، بوصفه كياناً غير متماسك، ولا يملك رؤية تشريعية محددة المعالم، نظراً لأن أعضاءه يعملون في جزر منعزلة داخل البرلمان"، على حد قوله.