وكان "العربي الجديد" قد انفرد قبل اندلاع أحداث طرابلس، بنشر تفاصيل تحضيرات لخطة أمنية يعمل على إطلاقها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، بدعم أممي ودولي، بهدف الحد من سيطرة المليشيات المسلحة على العاصمة، بعد تغولها وسعيها إلى الانفراد بالقرار الأمني في المناطق التي تسيطر عليها.
وبحسب المصادر التي تحدث إليها "العربي الجديد"، فإن السراج عقد مؤخراً لقاءات عدة، على رأسها لقاؤه القائم بالأعمال الأميركي دونالد بلوم وقائد "أفريكوم" الجنرال توماس والدهاوزر، في تونس، منذ أسبوع، ليعقب ذلك لقاء جمع ضباطاً وخبراء عسكريين غربيين بقادة عسكريين تابعين للحكومة في قاعدة بوستة، بهدف إعادة تقييم الوضع في طرابلس، لافتاً إلى أن دولاً كبرى تتوقع اتساع رقعة القتال في أي لحظة.
وكانت وزارة الخارجية البريطانية قد دعت، الثلاثاء الماضي، رعاياها، إلى مغادرة ليبيا فوراً، واصفة الأوضاع الأمنية المحلية بـ"الهشة"، والتي يمكن أن "تتدهور بسرعة إلى قتال عنيف وصدامات دون سابق إنذار".
وأكد المصدر أن السراج طلب بالفعل عوناً عسكرياً أميركياً وبريطانياً، للوقوف إلى جانبه وفق أي صيغة، وهو ما أزعج روسيا، التي حذر سفيرها في ليبيا، عبر رسالة وجهها الى نظرائه في سفارات الولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا، من مغبة تلبية أي طلب للمجلس الرئاسي في شأن التدخل في ليبيا، باستثناء محاربة تنظيم "داعش". وجاء تحذير السفير الروسي، الثلاثاء الماضي، بتكليفٍ من موفد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخاص إلى ليبيا، ميخائيل بوغدانوف، في أعقاب لقاء السراج بقائد "أفريكوم" والسفير الأميركي في تونس.
وحول الوضع الراهن، رأت المصادر أن "معركة طرابلس أربكت كل الحسابات، من خطة السراج التي لا يمكن أن نفصلها عن الدعم الإيطالي الأميركي، إلى خطط فرنسا واللواء المتقاعد خليفة حفتر، المرجح بقوة أن يكونا وراء اللواء السابع"، مشيراً الى أن كلا الطرفين كانا يسعيان الى السيطرة على طرابلس وحسم الموقف لصالحهما قبل حلول ديسمبر/كانون الأول، موعد إجراء الانتخابات، لكي تكون النتائج في صالحه.
لكن المصادر أشارت إلى أن قوة المليشيات من كلا الطرفين، أطالت أمد المعارك، فيما يتوقع أن تنخرط فصائل مسلحة أخرى في المعركة، وهو ما حدا بالسراج إلى تأخير مهمة اللواء أسامة الجويلي، كقائد للقوة المكلفة بفضّ الاشتباك، كون مسلحيه ينتمون للزنتان وفصائل من مصراتة، وهما من أقوى الأطراف المسلحة غرب البلاد، واقترابهما من طرابلس يعني اندلاع حرب أوسع.
ولفت المصدر الى أن قرارات السراج بدت كلها مرتبكة، فبعضها يتحدث عن الترتيبات الأمنية أولاً، ثم الإصلاحات الاقتصادية، وأخرى يتحدث فيها عن إخلاء السجون وقرب الإعلان عن تعديلات وزارية، كما أن دولاً فاعلة بدأت هي الأخرى في اتخاذ خطوات عاجلة، كتغيير السفراء، لافتاً الى أن "إيطاليا تنظر فعلياً في إرسال سفير جديد، وهو ما يؤكده اختفاء صوت جوزيبي بيروني السفير الحالي، فيما لم تعد نسمع صوتاً لبريطانيا بعدما كان سفيرها السابق بيتر ميليت يدلي بدلوه حول كل الأحداث".
وتوقعت المصادر سيناريوهين للوضع المقبل، فإما أن تنجح جهود التهدئة الحالية، وتفعيل اتفاق وقف إطلاق النار مجدداً، استباقاً لوصول أي فصائل أخرى من خارج طرابلس إلى العاصمة، وتنحاز لهذا الطرف أو ذاك، أو أن يكون السيناريو الثاني هو وصول فصائل مصراتة والزنتان بالفعل، لقلب المشهد والدخول في احتراب جديد يشبه ما وقع في العام 2014، لافتاً الى أن الفارق الحالي هو أن الفصائل الليبية، ومن خلفها الأطراف الخارجية، تريد استباق الانتخابات لحسم نتائجها لمصلحتها.
لكن المصادر رجحت من جهة أخرى، استفادة أطراف دولية أيضاً من أحداث طرابلس لإنجاح فرص مؤتمر روما المزمع عقده منتصف نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والذي قد يكون أمل الفاعلين المحليين والدوليين، كنافذة لإطار جديد من التفاهمات، قد تعيد صياغة المبادرات السابقة أو تنتج أخرى جديدة.