وأكد البيان الختامي استمرار التعاون الثلاثي للقضاء على الإرهاب، ودعا إلى تجهيز أرضيات عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بإشراف أممي، وإرسال المساعدات الإنسانية والتجهيز لمرحلة إعادة الإعمار.
وأوضح البيان أن الاجتماع المقبل سيكون في روسيا لاستمرار المشاورات، داعياً إلى الوقوف بوجه أي محاولات انفصالية تستهدف وحدة سورية.
وانتهت القمة بعد حصول سجال علني ولافت بين الأطراف الثلاثة، نقل استمرار وجود خلاف حول العملية العسكرية المرتقبة في إدلب، إذ أصرّ الجانب التركي على مسألة الهدنة ووقف إطلاق النار وإضافة ذلك إلى البيان الختامي، بينما رفض الجانب الروسي ذلك باعتبار أن إدلب جزء من سورية ويجب أن تعود تحت راية سيادة النظام في دمشق.
وكان لافتاً ألا يُشير البيان الختامي الصادر عن القمة في نقاطه الاثنتي عشرة إلى مصير إدلب المستقبلي بوضوح، ونقل في المقابل أن هذه الأطراف بحثت الوضع الميداني الراهن وستستمر بالتعاون وفقاً لمقررات سابقة صدرت عن قمة أنقرة في إبريل/ نيسان الماضي، التي تصنّف إدلب ضمن مناطق خفض التصعيد، فاتفق هؤلاء على تحقيق مقررات بيان قمة طهران بما يتناسب ومسار أستانة.
وأفاد بأن الأطراف الثلاثة تؤكد أهمية السيادة السورية وعدم انتهاك التعهدات الدولية من قبل أي طرف كان، إلى جانب تأكيدها على مسألة رفض المحاولات الانفصالية التي قد تؤدي إلى تقسيم سورية أو محاولات بعض الأطراف التي تتدخل على الأرض بذريعة محاربة الإرهاب.
من جانبه، دعا الرئيس التركي إلى الإبقاء على الوضع الحالي في إدلب، وإيلاء الأهمية القصوى لحماية المدنيين وفصل العناصر الإرهابية عنهم، محذراً من أن استمرار الهجمات في إدلب سيؤدّي إلى انهيار العملية السياسية في سورية.
كذلك حثّ أردوغان على الحفاظ على مسار أستانة والتوصل إلى حل بشأن إدلب، قائلاً: "لا نريد أن يتعرّض سكان إدلب الذين عانوا من محن كبيرة إلى كوارث جديدة".
وأوضح كذلك أنه في الأيام المقبلة سيلتقي ممثلو البلدان الثلاثة الضامنة مع المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، في جنيف.
وأصر الرئيس التركي أكثر من مرة خلال الاجتماع على ضرورة الإعلان عن هدنة ووقف لإطلاق النار في إدلب، معتبراً أن الحل العسكري سيشكّل ذريعة للتنظيمات الإرهابية وسيعيدها لنشاطها، وقال إنه يدرك وجود انزعاج روسي يتعلق بإدلب، مخاطباً موسكو بالقول إن مكافحة الإرهاب تتطلّب صبراً ووقتاً، داعياً إلى اتخاذ موقف موحّد ضد كل الجهات الداعمة للإرهاب.
ورأى أردوغان أن المدنيين الذين يموتون بأسلحة كيميائية يقتلون كذلك بأسلحة أخرى، فلا يجب التمييز بين الحالتين، داعياً إلى الوقوف بوجه سفك مزيد من الدماء السورية، ووافقه روحاني في نقطة تتعلّق بمطلب ضرورة وضع التنظيمات الإرهابية لسلاحها جانباً، مع تأكيده على أهمية إعادة بسط سلطة النظام السوري في كل أرجاء البلاد.
واعتبر الرئيس التركي أن كل العالم ينتظر مقررات هذه القمة، مشيراً إلى وجود تحديات في منطقة شرقي الفرات، وإلى مسألة أن الهجوم على إدلب سيترك انعكاسات على سورية وعلى تركيا وأمنها واستقرارها أيضاً، ومتوقعاً أن يترك الخيار العسكري تبعات وصفها بالكارثية التي ستؤدي بدورها إلى نزوح مزيد من المهجرين نحو تركيا.
أما الرئيس الروسي، فقال: "وجّهنا دعوة لجميع الأطراف من أجل ترك الأسلحة باقتراح من أردوغان"، مضيفاً "هناك كثير من المدنيين في إدلب السورية، وينبغي أن نضع ذلك في الحسبان".
ونقلت عنه وكالة "فرانس برس" قوله إن قمة طهران بحثت إرساء الاستقرار في إدلب "على مراحل".
ورأى بوتين أن التنظيمات الإرهابية خرقت قرار وقف إطلاق النار أكثر من مرة وبشكل استفزازي، مشيراً إلى الضربات الموجهة لقاعدة حميميم، وأكد أنه بحث ونظيره التركي في اجتماع ثنائي سبق القمة مسألة ضرورة أخذ وجود المدنيين في إدلب بعين الاعتبار.
وأكد بوتين أن موسكو تقدم مساعدات لسورية، وأن اجتماع اليوم في طهران سيؤدّي بالنتيجة إلى استقرار هذا البلد، كما ذكر أن النظام السوري التزم بما تم الاتفاق عليه، داعياً إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين أجهزة وزارة الخارجية والدفاع والأمن التابعة للدول الثلاث.
ولم يتردد بوتين في التأكيد على ضرورة إجراء إصلاحات سياسية في سورية، وفتح حوار سوري سوري، بعد تشديده على ضرورة القضاء على الإرهاب أولاً، وهو ما تتفق عليه روسيا وإيران معاً.
قمة استثنائية رغم الخلاف
أعرب الرئيس الإيراني حسن روحاني عن أن الاجتماع المقبل سيُعقد في موسكو بدعوة روسية، مؤكداً على أهمية استمرار التنسيق بين الأطراف الثلاثة، واعتبر أن التعاون الثلاثي في الملف السوري يستطيع أن يتحول إلى نموذج لحل بقية مشكلات المنطقة، واصفاً قمة طهران بالاستثنائية كونها أتت بعد تحقق إنجازات بارزة.
ورأى روحاني أن الأطراف الأخرى التي ساهمت في خلق التنظيمات الإرهابية باتت على قناعة بأنها لن تصل إلى مبتغاها، وهو ما حققته طهران وأنقرة وموسكو معاً، إلى جانب أنها استطاعت رفع أمل المنطقة بوجود قدرة على تخطّي المشكلات، مؤكداً أن الحرب على الإرهاب ما زالت ملفاً مفتوحاً، وأن حل ذلك بالكامل سينقل الجميع نحو مرحلة سياسية تشمل تعديل الدستور وإجراء انتخابات وتجهيز أرضية عودة المهجرين.
وأبدى روحاني إصراراً على مسألة الفصل بين المدنيين والإرهابيين في إدلب، وهو ما قرئ على أنه اقتراب من الرؤية التركية، لكنه أكّد في الوقت ذاته ضرورة استمرار الحرب على الإرهاب التي تتطلب جهوداً جماعية، قائلاً إن الحرب على الإرهاب يجب ألا تضرّ المدنيين، فإيران ترفض الحرب لأجل الحرب، حسب وصفه.
وركز الرئيس الإيراني في حديثه خلال القمة على الدور الأميركي والإسرائيلي في سورية، موضحاً أن المرحلة التي ستأتي بعد إدلب ستكون في مناطق شرقي الفرات، وواصفاً الدور الأميركي في سورية بغير المشروع، ودعا إلى انسحاب قواتها من هذا البلد بشكل فوري ووقف خرق السيادة السورية من قبل أميركا وإسرائيل معاً، واعتبر روحاني أن "الحل السياسي هو الخيار الوحيد للخروج من الأزمة، وهو ما اقتنع به كل الفاعلين الإقليميين".
وقال روحاني، في كلمته بافتتاح القمة، إنّ "جهود إيران وروسيا وتركيا ستتوّج قريباً بحقن الدم السوري وإنهاء الأزمة سياسياً". وتابع: "نتفهّم قلق الدول الإقليمية بشأن توسع الإرهاب في سورية"، مضيفاً أنّ "الحرب على الإرهاب في إدلب ضرورية، لكن يجب ألا تطاول المدنيين". وأضاف "يبقى أمامنا ملف إدلب وشرق الفرات، وسنتجه بعدها لبحث نقاط المرحلة المستقبلية السياسية".
أما أردوغان، فكرّر خلال كلمته في القمة التحذير من أنّ "الهجوم العسكري على إدلب سيؤدّي إلى كارثة إنسانية"، مؤكّداً أنّ "ملف إدلب مهم لسورية ولمستقبل تركيا وأمنها واستقرارها"، ومشدداً على "رفض تحويل إدلب إلى منطقة لسفك الدماء".
وقبيل القمة الثلاثية، عقد أردوغان وروحاني اجتماعاً ثنائياً، في مقر انعقاد القمة بالعاصمة الإيرانية، بشكل مغلق عن الإعلام، واجتماعاً مماثلاً مع بوتين.