"النصرة" تعزل إدلب: إحكام القبضة بحجج أمنية

31 يناير 2019
تتخوف المعارضة من سعي "النصرة" لإنهاء وجودها(عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -
عاد شمال غربي سورية مرة جديدة إلى واجهة الأحداث، مع اتخاذ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) التي باتت سلطة أمر واقع في المنطقة، خطوة من شأنها دفع الموقف إلى تأزيم جديد، في ظل تحركات لم تتكشف تفاصيلها بعد وتشي بأن الأوضاع في خاصرة سورية الشمالية الغربية لن تبقى طويلاً على ما هي عليه، خصوصاً أن اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا حول المنطقة رتّب على الجانب التركي مسؤولية التعامل مع خطر الجماعات المتشددة.

وأغلقت "هيئة تحرير الشام"، التي تشكّل "جبهة النصرة" ثقلها الرئيسي، الثلاثاء الماضي، كل الطرقات والممرات التي تربط مناطق سيطرتها في شمال غربي سورية وفي قلبها محافظة إدلب، بمناطق سيطرة المعارضة السورية في ريفي حلب الشمالي والشرقي. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إنّ "تحرير الشام" أغلقت طريق الغزاوية - دير سمعان، المعروف بطريق دارة غزة الواقع في ريف حلب الشرقي، كما أغلقت طريق دير بلوط - أطمة. وبرّرت حسابات عبر "تلغرام" مقرّبة من "تحرير الشام" قطع الطرق بأنّه "جاء لأسباب أمنية بحتة"، من دون أن تذكر تفاصيل أخرى.

وكانت "هيئة تحرير الشام" قد أغلقت معبري دير البلوط والغزاوية الواصلين بين ريفي حلب الغربي والشمالي، اللذين يربطان محافظة إدلب بمناطق المعارضة المسلّحة في مدينة عفرين، الإثنين، ومنعت الداخلين إلى مناطقها في الريف الغربي من المغادرة وطالبتهم بالبقاء في أماكنهم لـ"أسباب أمنية".
ونقلت وكالة "إباء" المتحدثة باسم "تحرير الشام" عن المتحدث باسم الجهاز الأمني في الهيئة، عبيدة صالح، قوله: "وصلت إلينا معلومات من عدة مصادر تفيد بتدفق دفعات من تنظيم الدولة متوجهة إلى إدلب من مناطق قسد ومنها إلى غصن الزيتون قاصدة المناطق المحررة". وأضاف أن "المعلومات دفعت إلى إغلاق معبري الغزاوية ودير بلوط"، موضحاً أن "حركة المرور من إدلب إلى عفرين مستمرة والمنع اقتصر على الاتجاه العكسي".

وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن لدى "تحرير الشام" مخاوف جدية من قيام الوحدات الكردية بتسهيل مرور قياديين ومسلحين من تنظيم "داعش" أُسروا في ريف دير الزور الشرقي إلى شمال غربي سورية لخلخلة الوضع الأمني. ولا تزال الوحدات الكردية تسيطر على مناطق في ريف حلب الشمالي متاخمة لمنطقة عفرين وريف حلب الغربي أبرزها مدينة تل رفعت وعشرات القرى حولها التي ترتبط بمدينة منبج غربي الفرات بطريق يمر ضمن المناطق التي يسيطر عليها النظام شمال حلب.

من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الأربعاء، إلى أنه "جرى إغلاق المعبر الواصل بين مناطق سيطرة تحرير الشام ومناطق سيطرة قوات عملية غصن الزيتون، بشكل كامل، عبر رفع ساتر ترابي، ومنع عملية الدخول إلى إدلب والخروج منها"، مشيراً إلى وجود حالة استياء لدى المدنيين الذين ما زالوا يفترشون العراء في ظل درجات الحرارة المنخفضة نتيجة منع دخولهم من تحرير الشام، إلى إدلب"، لافتاً إلى أن "أسباب الإغلاق غامضة إلى الآن".


إلا أن المعارضة السورية المسلحة ترى في خطوة "تحرير الشام" محاولة جديدة للهيمنة على كامل الجغرافيا في شمال غربي سورية، من خلال تحييد كل قوى الثورة والمعارضة في المنطقة. وفي هذا الصدد، قال القيادي في الجيش السوري الحر في شمال سورية، مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، تعليقاً على الخطوة التي قامت بها الهيئة، إن "كل ما تقوم به جبهة النصرة اليوم يأتي في سياق تعزيز السيطرة الكاملة على المنطقة، وإنهاء أي وجود للقوى الثورية الوطنية، من خلال الممارسات المستمرة من عمليات تضييق واعتقال وخطف، والآن إغلاق الطرقات وعزل منطقة إدلب وريف الساحل وريف حماة وريف حلب عن محيطها، مخافة أن تتشكل حركات مقاومة شعبية تتصدى للهيمنة المفروضة من المجموعات الأمنية التابعة للجولاني (قائد هيئة تحرير الشام) مباشرة".

وشدد سيجري على "أننا لن نستسلم ولن ندّخر جهداً لإفشال سيطرة النصرة على المنطقة، وسنعمل على تمكين القوى الثورية الوطنية من استعادة زمام المبادرة والقيام بحماية أهلنا وخدمة شعبنا". وكانت "هيئة تحرير الشام" قد فرضت سيطرة شبه مطلقة في بداية العام الحالي على شمال غربي سورية عقب هجوم مباغت شنّته على فصائل المعارضة السورية، انتهى بتحييد عدد منها أبرزها "حركة نور الدين الزنكي" في ريف حلب الغربي، وطردها إلى منطقة عفرين شمال غربي سورية، وتبعية أغلب محافظة إدلب إلى "حكومة الإنقاذ" التابعة للهيئة.

وجاءت خطوة "تحرير الشام" بإغلاق المعابر بعد يوم واحد من تعرض مبنى "حكومة الإنقاذ"، لهجوم انتحاري وسط مدينة إدلب، ذكرت وكالة "إباء" أن انتحارية يُعتقد أنها تابعة لتنظيم "داعش"، اشتبكت مع حرس مبنى الحكومة لدقيقتين، ثم فجّرت نفسها ما أدى إلى سقوط العديد من الجرحى. كما تأتي الخطوة عقب تسريبات لصحيفة "يني شفق" التركية عن رؤية أنقرة لمصير شمال غربي سورية، والذي يتضمن حل "هيئة تحرير الشام" ودمج عناصرها في فصائل المعارضة السورية، خصوصاً "فيلق الشام" المقرب من الجيش التركي، بعد إنشاء المنطقة الآمنة على طول الشمال السوري غربي نهر الفرات وشرقه. كما تتضمن الخطة ترحيل المسلحين الأجانب إلى بلدانهم، وإعلان حكومة مركزية في مناطق الشمال السوري عقب حل "حكومة الإنقاذ"، و"الحكومة المؤقتة" التابعة للائتلاف الوطني السوري والتي تمنع "هيئة تحرير الشام" أي نشاط لها في محافظة إدلب، واقتصر نشاطها المحدود على منطقة "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي.

وبحسب اتفاق سوتشي، المبرم في سبتمبر/أيلول الماضي بين روسيا وتركيا، يكون على عاتق الأخيرة التعامل مع الجماعات المتشددة في شمال غربي سورية، وفي مقدمتها "هيئة تحرير الشام". وبدا أن أنقرة تريد تسوية وضع المنطقة من دون الدخول بمواجهة عسكرية مع الهيئة من شأنها خلط أوراق منطقة تضم نحو 4 ملايين مدني في بقعة جغرافية ضيقة. إلى ذلك، نقلت صحيفة يني شفق" عن مصادر الثلاثاء أن قيادات من "حركة نور الدين الزنكي" التي طردتها "هيئة تحرير الشام" من ريف حلب الغربي إلى منطقة عفرين اجتمعت "مع قيادات تركية رفيعة المستوى، لتحديد خطة عمل لإعادة إحياء الحركة"، وفق الصحيفة التركية.

المساهمون