تستعد فرنسا يوم 15 يناير/كانون الثاني لإطلاق النقاش الوطني الكبير، الذي سيستمر شهرين كاملين، والذي تتوقع منه الحكومة ورئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون الوصول إلى خلاصات تحظى بموافقة أغلبية المواطنين، من أجل وضع حد نهائي لأزمة "السترات الصفراء"، التي انطلقت قبل ما يقارب الشهرين.
ويطلق ماكرون الذي سيوجه رسالة إلى المواطنين، يوم الاثنين المقبل، النقاش الوطني عبر قيامه بجولة، تبدأ يوم 15 يناير/كانون الثاني، تشمل رؤساء بلديات الأقاليم، الذين يراهن عليهم، نظراً لقربهم الشديد من المواطنين.
وفي حين أن النقاش، الذي لا تعرف بعد تفاصيله لناحية الآلية والمشاركين أو كيفية تطبيق توصياته، يثير الفضول لدى البعض، إلا أنه يثير الريبة والصدّ لدى شرائح كبيرة من حركة "السترات الصفراء"، ومن قبل أحزاب المعارضة، يمينها ويسارها، وهو ما أظهره موقف حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، الذي اعتبره حيلة للحكومة للخروج من ورطتها، في حين أن القيادي في "فرنسا غير الخاضعة"، المعارض، إيريك كوكريل، رأى أن النقاش الكبير "دَفن كبير لحركة السترات الصفراء"، وطالَبَ بإلغائه، لأنه "لن يفيد في شيء"، بحسب قوله.
وعلى الرغم من حرص الحكومة على المضي في هذا المسار بطريقة منسجمة، إلا أن الكثير من الأحداث عززت موقف المشككين في جدواه، إذ أثارت رئيسة اللجنة الوطنية للنقاش العمومي، شانتال جوانو، الجدل بعدما عُرِف المبلغ الضخم الذي ستتقاضاه مقابل شغلها لهذا المنصب، وهو راتب يفوق رواتب الوزراء، في الوقت الذي يطالب فيه متظاهرو "السترات الصفراء" بزيادات بسيطة لتعزيز قدراتهم الشرائية، ولهذا السبب قررت جوانو الانسحاب من النقاش العمومي، مع البقاء رئيسة للجنة الوطنية.
وتريد الحكومة من مختلف الوزراء أن يكونوا حاضرين في النقاش، لكن من دون منح الانطباع بالرغبة في تحويره أو دفعه في اتجاه يخدم مصالح الحكومة، كما أن على الوزراء، خاصة اليمين أو الذين يتحملون مسؤوليات الاقتصاد والميزانية، أن يتفادوا ما أمكن المَواقعَ التي تجعلهم في حالة صدام مع "السترات الصفراء" أو مع معارضين آخرين غاضبين.
عودة إلى سياسة الهدوء
وفي هذا الصدد، حاول إدوار فيليب، رئيس الحكومة، الذي يحاول التغطية على "غيابات" رئيس الجمهورية المتكررة، منذ انطلاق الحراك الذي يستهدف شخصه بشكل مباشر.
وبعدما أشْهَر، قبل يومين، في لقاء مع القناة الثانية، الحلَّ الأمني في وجه "مثيري الشغب والمشاركين في تظاهرات غير مرخصة"، متحدثا عن قانون ردعي جديد، وعن ترسانة أمنية تفوق 80 ألف شرطي ودركي، يوم السبت القادم، حيث الموعد المعلن مع الجولة التاسعة من حراك السترات الصفراء، وما بعده، حاول أن يعود إلى نوع من الهدوء، فأعلن بعد انتهاء الاجتماع الوزاري، اليوم الأربعاء، أن "بلدنا يوجد في مرحلة يريد أن يعبر فيها عن رأيه".
وبشأن قضية البديل عن شانتال جوانو، أكد أن ذلك سيكون في بداية الأسبوع المقبل، معرباً عن أسفه لهذه الاستقالة، التي تأتي متأخرة، أي قبل أسبوع من بدء النقاش الكبير، ورأى فيها "تعقيدا إضافيّا لتنظيم النقاش"، وفي انتقاد واضح للاستقالة، أكد رئيس الحكومة أن "مَن يَخدُم الدولة ومَن يُحبّ وطنه، يتعبّأ ولا يبتعد"، ثم استدرك قائلاً إن الاستقالة "حدَث عرَضي، لأن النقاش أهم من الأشخاص".
ثم عبر رئيس الحكومة عن الأمل في "نقاش ثري وغير متحيز ومفيد، من أجل استعادة الفرنسيين للثقة، وهذه الاستعادة ضروريةٌ من أجل الذهاب بعيداً".
وحتى الآن لا شيء محددا بشأن طريقة المشاركة في هذا النقاش، ولا كيف يمكن لـ"السترات الصفراء" أن تقوم بذلك. وفيما شدد وزراء على أنه لا يمكن مناقشة برنامج ماكرون لانتخابات 2017 ولا مَعالم السياسة الحكومية، أكد وزراء آخرون، من بينهم وزيرة العدل، اليوم، أنه لن تُناقَش قضية "إعادة الإعدام في فرنسا"، ولا "قضية الزواج للجميع"، أي حق المثليين في الزواج، وهي من بين قضايا لا يخفي اليمين المتطرف وبعض شرائح اليمين، الذي يمتلك نفوذا وسط "السترات الصفراء"، رغبته في فتح نقاش حولها.