وضع الحزب التاريخي في الجزائر، جبهة التحرير الوطني (الأفلان)، والذي يحوز على الأغلبية في البرلمان، نفسه خارج السباق الرئاسي المقرر في 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، مفضلاً عدم دعم أي مرشح، لأسباب عدة، أبرزها الأزمة الداخلية التي يعاني منها بعد سجن اثنين من أمنائه العامين هما جمال ولد عباس ومحمد جميعي، فضلاً عن الأوضاع السياسية غير المواتية له، إلى جانب الرفض الشعبي لأي دور للحزب وبروز مطالبات بحله.
وعلى عكس الحزب الثاني للسلطة، أي التجمع الوطني الديمقراطي، الذي قدم أمينه العام بالنيابة عز الدين ميهوبي مرشحاً للرئاسة، أعلن حزب جبهة التحرير الوطني نفسه محايداً في الانتخابات الرئاسية وعدم تبني أي شخصية، وذلك للمرة الثانية منذ أول انتخابات رئاسية تعددية جرت عام 1995. يومها رفضت قيادته التاريخية يتقدمها الأمين العام عبد الحميد مهري دعم أي مرشح في الانتخابات، والتي شارك فيها رئيس الدولة حينها ليامين زروال. لكن ظروف ذلك الموقف مختلفة تماماً عن الوضع الحالي. يومها كانت المقاطعة تتعلق بخلاف كبير بين السلطة والجيش وبين مهري، منذ رفض الأخير للانقلاب الأبيض الذي نفذته المؤسسة العسكرية في يناير/ كانون الثاني 1992، ما تسبب في التآمر عليه لإطاحته من الحزب في عام 1996.
أما في الوضع الحالي، يجد الحزب التاريخي، الذي انبثق عام 1964 من جبهة التحرير التي قادت ثورة التحرير حتى عام 1962، نفسه في وضع سياسي غير مريح، بما لا يتيح له الانخراط في المسار الانتخابي والمشاركة فيه. ويعاني الحزب من تداعيات تورط كبار قياداته في قضايا فساد وملاحقات قضائية متعددة، بعد سجن اثنين من أمنائه العامين، هما جمال ولد عباس ومحمد جميعي بتهمة الفساد، إضافة إلى حبس عدد من الوزراء والنواب التابعين للحزب في قضايا فساد مماثلة، كان آخرهم النائب بهاء الدين طليبة.
وقرر الحزب عدم تقديم مرشح لانتخابات الرئاسة المقبلة. وقال الأمين العام بالنيابة، علي صديقي، يوم الأحد الماضي، في اجتماع مع مسؤولي الحزب في المحافظات، إنه لن يتم تقديم "أي مترشح لخوض غمار الاستحقاق الرئاسي المقبل، لأنه يرى أنه غير مؤهل للفوز في ظل الظروف التي تمر بها البلاد حالياً"، لكنه أشار إلى أن الحزب سيساعد في نجاح الانتخابات الرئاسية المقبلة للانتقال من الحكم المؤقت إلى الشرعية الشعبية.
وإضافة إلى مشكلاته الداخلية التي تعيق أي دور سياسي له في المرحلة الحالية، يواجه حزب جبهة التحرير الوطني صداً شعبياً بسبب تصاعد الأصوات التي تطالب بحل الحزب واستعادة رمزه التاريخي "الأفلان" كقاسم وميراث تاريخي مشترك بين كل الجزائريين، واستبعاد استغلال هذا الرمز في المشهد السياسي. كما يُحمَّل الحزب المسؤولية عن الأزمة والنهايات الكارثية التي وصلت إليها الجزائر، وهو ما ترفضه قياداته، وتعتبر أنه ليس من حق أي كان المطالبة بحل حزب سياسي هو ملك فقط لمناضليه.
يبقى أن قرار الحزب عدم دعم أو تقديم مرشح عنه في الانتخابات الرئاسية المقبلة لا يتعلق بالمخاوف من عدم الفوز، لكن الحزب فعلياً لا يحوز في الوقت الحالي على أي شخصية سياسية بارزة ووازنة يمكنها أن تترشح للرئاسة ولديها القدرة على المنافسة. ويوضح المتحدث الرسمي باسم الحزب، محمد العماري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ السباق الانتخابي يتطلب جهداً كبيراً وتقديم مرشح قوي ويقدم الإضافة السياسية. ويضيف "لدى حزبنا خزان كبير من الإطارات القادرة على ذلك، لكننا نقدر في الحزب أن الظرف غير مناسب لدخول انتخابات رئاسية". ويوضح أنّ "المشاكل الداخلية طغت على أي مبادرة، وتلاحق الأزمات أربك الحزب فعلياً، لذلك نعتقد أنّ الأولوية لإصلاح الوضع الداخلي للحزب، ويمكن أن نساهم من خلال مناضلينا في الانتخابات كفعل شعبي وواجب".
وعلى الرغم من أنّ المرشح الرئاسي البارز، رئيس الحكومة السابق، عبد المجيد تبون، يعد عضواً في اللجنة المركزية للحزب، إلا أن تبون لا يريد الاستناد على "الجبهة" في سباقه الرئاسي. ويبدي تنكراً لعلاقته بالحزب، تجنباً لردة الفعل الشعبية أو خسارة كتلة ناخبة تبدي مواقف مناوئة لجبهة التحرير. كما أنّ قيادة الحزب تدرك جيداً أن أي إعلان من قبلها لدعمه قد يشوش على الاستحقاق ويعطي الانطباع بحالة تجديد النظام لنفسه عبر هذه الانتخابات التي تعاني أصلاً من حالة مستمرة من التشكيك في مناخها وترتيباتها.
ويعتقد القيادي في "جبهة التحرير"، عضو مجلس الأمة فؤاد سبوتة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحزب يوجد في وضعية أزمة سياسية وداخلية، وهذا ما لا يسمح له بأداء دور في الانتخابات بشكل مباشر، لكنه سيترك حرية المبادرة لكوادره للمساهمة في هذه الانتخابات. ويلفت إلى أن "الحزب ليس له مرشح والوقت لم يكن في صالحه". ويعرب عن اعتقاده بأن "حل الأزمة الداخلية للحزب أولى بكثير من خوض معركة انتخابية ليس للحزب فيها يد".
ومنذ إقرار التعددية السياسية في الجزائر بعد دستور 1989، ظلت مواقف الحزب ملتصقة بخيارات السلطة والجيش. ولم يحدث خلال الانتخابات الرئاسية الخمس التي شهدتها الجزائر بين عام 1995 وحتى انتخابات إبريل/ نيسان 2019 الملغاة، أن قدم الحزب مرشحاً من صفوفه مكتفياً بدعم مرشح السلطة.
ويرى مراقبون أن موقف الجيش، الذي أعلن عدم تبني او دعم أي مرشح للانتخابات المقبلة، واستبعاد جدي للمؤسسة العسكرية من اللعبة الانتخابية، ساهم أيضاً في دفع جبهة التحرير إلى البقاء خارج السياق الانتخابي، إذ لن تكون مجبرة على دعم مرشح السلطة، كما كان الشأن في الاستحقاقات الأربع التي جرت بين 1999 و2014. يومها كان الحزب ينساق إلى مواقف الجيش نفسها بدعم بوتفليقة، بما في ذلك مساندته للترشح لولاية رئاسية خامسة في انتخابات إبريل الماضي قبل أن يتم إلغاؤها، على خلفية تظاهرات الحراك الشعبي بدءاً من 22 فبراير/ شباط الماضي.