العراق: الشارع يرفض استمهال السلطة


بغداد

عادل النواب

avata
عادل النواب
ذي قار

محمد علي

avata
محمد علي
20 نوفمبر 2019
28B8D2FD-49CD-4DA4-AA81-86B8D3241664
+ الخط -
رفض المتظاهرون في العراق ما يمكن اعتباره المبادرة السابعة التي تصدر عن الحكومة والبرلمان والقوى السياسية المشاركة في السلطة، منذ انطلاق التظاهرات في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، معتبرين أنها تصب في خانة الرهان على عامل الوقت للقضاء على الحراك. وكان قد خرج عن المبادرات السابقة للسلطة، إطلاق ما يُعرف بالحزم الإصلاحية، وتضمنت أكثر من 70 قراراً يتعلق أغلبها بمنحٍ ومساعدات ووظائف وتعديل قوانين، أو سنّ أخرى جديدة، وإلغاء امتيازات لمسؤولين، وتعجيل فتح ملفات فساد، لكن الحراك الشعبي رفضها. وفي ساعةٍ متأخرة من ليل أول من أمس الإثنين، أُعلن عن المبادرة السابعة، من قبل 12 تكتلاً وحزباً سياسياً، يملكون نحو 80 في المائة من مقاعد البرلمان. وتضمنت وثيقة المبادرة خارطة طريق، تناولت بنوداً ونقاطاً رئيسة عدة، أبرزها منح حكومة عادل عبد المهدي 45 يوماً لإجراء تعديلٍ وزاري، وللبرلمان المدة ذاتها لإقرار قانونٍ جديد للانتخابات، وكذلك تشكيل مفوضية انتخابات، وسنّ قانون لتنظيم عمل الأحزاب، وإقرار قانون النفط والغاز والكسب غير المشروع ومحاسبة المتورطين بعمليات خطف المتظاهرين وقتلهم. وتطرح المبادرة سحب الثقة من الحكومة، أو الذهاب إلى حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، في حال لم يتحقق النجاح في تنفيذ بنودها. وهي تقول في هذا الصدد، أنه "في حال الفشل، سيكون القادة السياسيون ملزمين بالمضي من خلال كتلهم في مجلس النواب، إلى الخيارات الدستورية البديلة لتلبية مطالب الشعب، عبر سحب الثقة من الحكومة أو إجراء انتخابات مبكرة".



وتضمّن الاتفاق الموقع، نقاطاً رئيسية عدة، تشتمل على إصلاحات وقوانين جديدة تتقاسم الحكومة والبرلمان مسؤولية تنفيذها. ومن بينها، القيام بتعديل وزاري واسع، بعيداً عن مفاهيم المحاصصة، وتحديد الجهات المتورطة باختطاف الناشطين والمتظاهرين، ومواصلة الجهد لاكتشاف المتورطين بعمليات قنص المتظاهرين وقتلهم، واستهداف وسائل الإعلام، والتعهد بتعديل قانون الانتخابات لتوفير فرص متكافئة لفوز المرشحين المستقلين، وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة.

الوثيقة التي جاءت بعد مفاوضات وحراك واسع من قبل كتل سياسية عراقية رئيسية، اعتبرها المتظاهرون محاولةً لكسب الوقت لا أكثر. وأمس الثلاثاء، تجددت التظاهرات العراقية في بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد، وسط مشاركة طلابية واسعة مع قطع عدد كبير من الطرق الرئيسية جنوبي البلاد خاصة تلك المؤدية الى موانئ وحقول نفطية في البصرة وميسان وذي قار، وكان لافتاً ترديد المتظاهرين هتافات وشعارات رافضة لخارطة الطريق هذه، التي اعتبروا أنها لا تعنيهم، وأن أيّ مبادرة تخرج من المنطقة الخضراء تحتاج إلى ضامن، محددين إياه بالمرجعية الدينية في النجف أو الأمم المتحدة. هذا الرفض دفع كتلاً سياسية عدة للتنصل من الاتفاق، مثل قائمة "الوطنية" بزعامة إياد علاوي، و"جبهة الإنقاذ" بزعامة أسامة النجيفي، ما فسر بمحاولة لتجنب هجوم الشارع على هذه القوى، بعد رفضه بنود الوثيقة.

وتعليقاً على الوثيقة، أكد أحد منسقي التظاهرات في بغداد، مصطفى حميد، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "المتظاهرين في العاصمة وفي جميع المحافظات، رفضوا بتاتا الاتفاق الذي يحاكي المطالب الشعبية، المنادية بإقالة الحكومة، كأول إجراء لأي عملية إصلاح وتغيير". وأضاف حميد أن "المتظاهرين الذين انتفضوا على جميع رموز الطبقة السياسية، يرفضون أي حلول تخرج من القوى التي اجتمعت في منزل عمار الحكيم، والتي تقف وراء ما جرى ويجري في العراق".

استبعاد صالح وإرضاء النجف
مصادر سياسية عراقية مطلعة، بينها قيادي في تحالف "الفتح"، أوضحت لـ"العربي الجديد"، أن الوثيقة الموقعة خضعت لتعديلات عدة أثناء عملية المفاوضات حولها". وكشفت المصادر أن الاجتماع، الذي عقد في مقر إقامة زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، كان من المقرر أن يجري أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء في قصر السلام، برعاية رئيس الجمهورية برهم صالح، لكن قوى عدة مشاركة رفضت هذا الطرح، بسبب انتقادها لمواقف وتحركات صالح الأخيرة، والتي فسرت بأنها سعي منه لإسقاط حكومة عبد المهدي ككبش فداء". وفيما لم تدع القوى السياسية رئيس الجمهورية، فقد وجّهت دعوةً لرئيس الوزراء، الذي اعتذر، بحسب المصادر المطلعة.

وفي تفاصيل الاجتماع، لفتت المصادر إلى أن رئيس ائتلاف "دولة القانون"، نوري المالكي، أبدى تحفظه عل الوثيقة، معتبراً إياها اعترافاً للقوى السياسية بالفشل والفساد، وإدانة لنفسها، وأشبه ما يكون بتعهد مذنب، مخولاً المجتمعين التوقيع نيابة عنه، لينسحب من الاجتماع بسبب عدم قناعته بفحوى الاتفاق.

وكشفت المصادر أن "الهدف الأول من الاجتماع والاتفاق، إيصال رسالة إلى مرجعية النجف صاحبة الخطاب المؤيد للتظاهرات، والتي رفضت للمرة الثالثة وساطات بقبول لقاء قيادات سياسية عدة من بغداد، أكدت أنها تعمل على إحداث تغييرات وإصلاحات". وقالت المصادر إن الاجتماع والاتفاق "حصلا على تأييد ودعم القوى الأكثر قرباً من طهران، وبالتالي فهو جاء بمباركة وموافقة إيرانية، كمحاولة جديدة لامتصاص غضب الشارع".


فجوة عميقة
في هذه الأثناء، قال القيادي في تحالف "سائرون"، علي مهدي، لـ"العربي الجديد"، إن التحالف لم يشارك بالاتفاق، وهو يرفضه، لما يشكله من مضيعة للوقت، ومن محاولة للالتفاف والتسويف على مطالب المتظاهرين". وأشار مهدي إلى أن "ما جرى من اتفاق يمثل مناورةً لكسب الوقت، لكي يعود المتظاهرون إلى منازلهم. وبعد انتهاء المهلة المقدمة، تعيد السلطة وأحزابها فرض سطوتها وتفعيل أجهزتها البوليسية، وتنشيط سلوكها في استخدام العنف المفرط ضد المواطنين".

من جهته، أوضح القيادي في "تحالف القوى العراقية"، حيدر الملا، لـ"العربي الجديد"، أن "الشارع يعتقد أن نقطة الشروع بأي تفاهمات أو تقارب مع العملية السياسية، تبدأ من إقالة أو استقالة حكومة عبد المهدي، فيما تدور الطبقة السياسية في فلك محدد، غير مدركة لرغبات الشارع".

ورأى الملا أن "الفجوة لا تزال عميقة جداً بين الشارع العراقي وأصحاب القرار السياسي"، وأن "مجموعة الحلول والإصلاحات المطروحة تندرج في إطار ثقافة ومحددات العملية السياسية، في حين أن الأهداف مختلفة جذريا". واعتبر في هذا السياق أن "السلطة وأحزابها تلعب على عامل الوقت، مع اقتراب فصل الشتاء والرهان على حالة ملل قد تصيب المتظاهرين، لكن هؤلاء يبدون إصراراً وعزماً على عدم العودة إلى المنازل، إلا بعد تحقيق مطالبهم، والتي تتصدرها إقالة الحكومة".

ويوافق رئيس "المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية"، واثق الهاشمي، على أن اجتماع الإثنين "محاولة لكسب الوقت وللإبقاء على الوضع الرهان، وعلى الوجوه ذاتها في المشهد السياسي العراقي". وفي حديث لـ"العربي الجديد"، رأى الهاشمي أن المجتمعين "سعوا إلى إيصال رسالة للشارع العراقي، مفادها أن القوى السياسية جادة في إجراء الإصلاحات، لكن هذا الاتفاق لن يقبل به المتظاهرون، لأنه يخلو من أي ضمانات لتحقيق ما اتفق عليه في منزل الحكيم".

وحول الجهات التي يتوجه إليها الاتفاق، اعتبر رئيس "المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية"، أنه "يحمل بعدين، الأول إلى الشارع، والثاني إلى المرجعية، التي كان خطابها شديد اللهجة الأسبوع الماضي في تحميل السلطة المسؤولية ورمي الكرة في ملعبها، فقد أراد المجتمعون أن يقولوا للنجف إننا تحركنا وعملنا وفق التوجيهات".

وبحسب الهاشمي، فإن "الاتفاق لن يتمكن من إحداث أي تغيير، ما لم يكن جاداً في تحديد موعد إجراء انتخابات مبكرة مع إنشاء مفوضية انتخابات مستقلة ومحاربة الفساد وتغيير الوجوه، لكن هذا التحول يبدو صعب المنال، بسبب تمسك القوى السياسية بمناصبها وحصصها".

تعتيم حول الضحايا
في هذه الأثناء، تواصل وزارة الصحة العراقية التعتيم على حصيلة ضحايا التظاهرات، وسط استمرار توقف المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق عن تحديث أرقامها، على الرغم من تسجيل المدن جنوب ووسط البلاد وبغداد وفاة متظاهر واختناق العشرات خلال الساعات الـ24 الماضية.

وقال مسؤول في الوزارة لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة حظرت التصريح بأي حصيلة، وأخضعت موظفين في الوزارة للتحقيق بسبب منحهم تفاصيل لمراسل وكالة أنباء أجنبية وصحيفة أميركية دخلت وأجرت لقاءات مع المصابين في كربلاء قبل مدة.

ووفقاً للمسؤول، فإن الحصيلة الحالية المتوفرة هي مقتل 331 عراقياً منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وإصابة ما لا يقل عن 17 ألف آخرين، مضيفا أن معدل الضحايا تراجع كثيراً خلال الأسبوع الماضي، وقد يعود السبب في ذلك إلى الضغوط على الحكومة من قبل النجف والأمم المتحدة.

دلالات

ذات صلة

الصورة
أسلحة للعراق الجيش العراقي خلال مراسم بقاعدة عين الأسد، 29 فبراير 2024 (أحمد الربيعي/فرانس برس)

سياسة

كشفت مصادر عراقية لـ"العربي الجديد"، وجود ضغوط إسرائيلية على دول أوروبية وآسيوية لعرقلة بيع أسلحة للعراق وأنظمةة دفاع جوي.
الصورة

سياسة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل أمس الأربعاء، قتل العديد من مسلحي حزب العمال الكردستاني وتدمير 32 موقعاً لهم شمالي العراق.
الصورة
تظاهرة في بغداد ضد العدوان على غزة ولبنان، 11 أكتوبر 2024 (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

منوعات

اقتحم المئات من أنصار فصائل عراقية مسلحة مكتب قناة MBC في بغداد، وحطموا محتوياته، احتجاجاً على عرضها تقريراً وصف قيادات المقاومة بـ"الإرهابيين".
الصورة
زعيم مليشيا "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي (إكس)

سياسة

أدرجت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية وزعيمها حيدر الغراوي، على قائمة المنظمات والشخصيات الإرهابية.