مع اقتراب إتمام أسبوعه الثالث، يتباطأ الهجوم الذي تشنه قوات النظام السوري، بدعم قوي من الطيران الحربي الروسي، على ريفي حماة وإدلب، بفعل ما باتت تواجهه هذه القوات من مقاومة قوية من قِبل الفصائل المسلحة التي يبدو أنها استعادت زمام المبادرة، وبدأت في شنّ هجمات معاكسة كبّدت قوات النظام والمليشيات الموالية لها خسائر، وأجبرتها على التريث في الاندفاعة الهجومية، ومحاولة البحث عن مبررات لاستخدام "أساليب جديدة" قد يكون من بينها السلاح الكيميائي. في موازاة ذلك، تتفاقم محنة النازحين من مناطق القتال والذين بات عددهم يقترب من نصف مليون شخص، في ظل انكفاء معظم المنظّمات الدولية الإنسانية عن تقديم المساعدات. ويتركز هجوم النظام ومليشياته على ثلاثة محاور. وكان المحور الأول الذي استهل به النظام الهجوم هو باتجاه بلدة كفرنبودة في ريف حماة الشمالي، وتمكن من السيطرة على البلدة في الأيام الأولى للهجوم، لكنه عجز عن تطوير الهجوم باتجاه الهدف التالي الذي حاول التركيز عليه في هذا المحور وهو بلدة الهبيط التي أرادت قوات النظام السيطرة عليها للعبور إلى مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، وذلك بهدف إسقاط مجمل ريف حماة الشمالي عسكرياً، إذ سيتمكن النظام في حال سيطر على خان شيخون من السيطرة تلقائياً على أهم البلدات هناك مثل مورك واللطامنة وكفرزيتا. وفي إطار هذا التركيز على بلدة الهبيط، تواصل مروحيات النظام يومياً إلقاء براميل متفجرة على البلدة، كما يستهدفها الطيران الحربي، فضلاً عن القصف المدفعي والصاروخي. وهو ما أدى إلى تدمير أكثر من 85 في المائة من البلدة وفق مصادر محلية، فضلاً عن تهجير كل سكانها تقريباً.
والهدف الأساسي لقوات النظام في هذا المحور هو السيطرة على الطريق الدولي دمشق-حلب الذي يمر من مورك وخان شيخون ويصل إلى سراقب. وتخطط قوات النظام للوصول إلى معرة النعمان بعد خان شيخون ومنها إلى سراقب شرقي إدلب التي تعتبر عقدة الطرق، ويتفرع من طريق دمشق-حلب في سراقب طريق دولي آخر هو حلب-اللاذقية، والسيطرة على هذين الطريقين، أحد الأهداف الرئيسية للهجوم الحالي، لأنهما يعيدان ربط مناطق سيطرة النظام السوري بين العاصمة والشمال والساحل.
أما المحور الثاني النشط لهجوم النظام، فهو في ريف حماة الشمالي الغربي، مع محاولة النظام توسيع سيطرته هناك بعد سيطرته على بلدة قلعة المضيق وبعض القرى المحيطة بها. وتسعى قوات النظام للسيطرة على المرتفعات في جبل شحشبو والتمدد شمالاً باتجاه جسر الشغور، بهدف طرد مقاتلي الفصائل باتجاه الشرق وإبعادهم عن منطقة سهل الغاب. غير أن قوات النظام باتت تواجه مصاعب كبيرة على هذا المحور على الرغم من سيطرتها قبل أيام على العديد من البلدات والقرى بدءاً من قلعة المضيق ثم التوينة والشريعة والطاقة وغيرها، نتيجة تصدي فصائل المعارضة، وهجماتها المعاكسة.
وقالت الفصائل في بيانات منفصلة أمس الجمعة، إن عدداً من عناصر النظام قُتلوا خلال "إغارة" شنّها مقاتلو "جيش النصر"، أحد الفصائل المقاتلة التابعة لـ"الجبهة الوطنية للتحرير" بريف حماة الشمالي. وقال "جيش النصر" عبر مواقعه وحساباته الرسمية: "إغارة لمقاتلينا على محور الكركات بريف حماة الغربي، أدت لقتل أكثر من 15 جندياً من مليشيات الفيلق الخامس التابعة للاحتلال الروسي بينهم ضابط برتبة عالية". ونعت صفحات موالية للنظام مقتل أكثر من 30 عنصراً بينهم ضابط برتبة عقيد، قالت إنهم قُتلوا خلال الاشتباكات الجارية في ريف حماة.
وجاء ذلك بعد ساعات من إحباط الفصائل محاولة تقدّم جديدة لقوات النظام على محور ميدان غزال وحرش الكركات، موقعة قتلى وجرحى في صفوفها. كما قتلت الفصائل عدداً آخر على جبهة الحويز المحاذية، وتمكنت من تدمير وإعطاب عدد من المركبات والآليات العسكرية باستخدام صواريخ مضادة للدروع.
وترافقت محاولات التقدّم مع قصف مكثف من قبل قوات النظام على ريفي حماة وإدلب، الأمر الذي أوقع قتلى في صفوف المدنيين، بينهم أطفال. وقالت مصادر محلية إن قوات النظام وروسيا تتبعان سياسة التدمير والأرض المحروقة للتقدّم في منطقة سهل الغاب، خصوصاً أن تلك المنطقة مكشوفة بشكل كامل للطيران الحربي والمروحي.
أما المحور الثالث، فهو ريف اللاذقية الشمالي-جسر الشغور، وتسعى قوات النظام هناك للسيطرة على بلدة كبانة ومرتفعاتها في جبل الأكراد بهدف إبعاد مقاتلي المعارضة عن تلك المرتفعات، والوصول إلى مدينة جسر الشغور غرب محافظة إدلب، والتي يسيطر عليها "الحزب التركستاني"، وهو من التشكيلات الجهادية العاملة على الساحة السورية.
وتكثّف قوات النظام والطيران الحربي من القصف على بلدة كبانة، واستهدفتها أمس بأكثر من 10 غارات، فيما أصيب عدد من المدنيين جراء قصف مدفعي من قوات النظام المتمركزة في ريف اللاذقية استهدف بلدة كفريدين في ريف جسر الشغور غربي إدلب. كما قُتل عدد من عناصر قوات النظام جرّاء محاولة تقدّم فاشلة على محور كبانة في جبل الأكراد. ووفق وكالة "إباء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، فإن عناصر الهيئة صدوا محاولة تقدّم لقوات النظام في تلك المنطقة، موقعين قتلى وجرحى في صفوفها.
وتتزامن محاولات التقدّم المتكررة على هذا المحور مع شنّ طائرات النظام الحربية وسلاح الجو الروسي مئات الغارات الجوية خلال الأيام القليلة الماضية. وما زالت الفصائل المسلحة تمنع قوات النظام من تحقيق أي تقدّم على هذا المحور، وقُتل وجرح عناصر من قوات النظام جراء قصف بصواريخ "غراد" من قِبل الفصائل على مواقع للنظام في قرية جب الأحمر شمال غرب مدينة اللاذقية.
وإزاء هذا الفشل في تحقيق تقدّم على هذا المحور، ادّعت وزارة الدفاع الروسية أمس الجمعة أن "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام)، تستعد للقيام باستفزازات بالقرب من مدينة سراقب في محافظة إدلب "بغية اتهام القوات الجوية الروسية باستخدام مواد كيميائية ضد المدنيين". وقالت الوزارة في بيان لها إنه "تم نقل شظايا أسلحة روسية من مناطق أخرى في سورية إلى سراقب بهدف تصوير فيلم على أن القوات الجوية الروسية استخدمت أسلحة كيميائية قرب سراقب ونشر الفيديو عبر شبكات التواصل الاجتماعي". ودرجت روسيا على إطلاق مثل هذه التصريحات في السنوات الأخيرة، قبيل كل استخدام للسلاح الكيميائي من جانب قوات النظام، بهدف الاتهام المسبق للفصائل المسلحة بذلك، لتبرئة ساحة النظام وروسيا.
وتسبّبت الحملة العسكرية في هذه المناطق بتهجير مئات آلاف السكان، بما يصل إلى نحو نصف مليون شخص وفق تقدير المصادر المحلية. ويعاني النازحون من ظروف صعبة للغاية، ولجأ الكثير منهم إلى المخيمات القريبة من الحدود السورية التركية، في بلدات أطمة، وقاح، ودير حسن، وكفر لوسين، وغيرها، إلى جانب القرى والبلدات المحيطة بنقاط المراقبة التركية في مناطق "خفض التصعيد".
ويعيش النازحون ظروفاً صعبة للغاية، في ظل نقص كبير في المساعدات، خصوصاً بعد انسحاب العديد من المنظمات الدولية بسبب المخاطر الأمنية، وعدم وجود مصادر بديلة لتلبية الاحتياجات الكبيرة لهذه الأعداد المتزايدة من النازحين.
وقال مدير جمعية "منسقو الاستجابة في الشمال" محمد حلاج، لوكالة "الأناضول"، إن عدد من اضطروا إلى النزوح جراء قصف النظام وحلفائه على منطقة خفض التصعيد، بلغ 533 ألف شخص، منذ توقيع اتفاق سوتشي في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، مشيراً إلى أن النظام وحلفاءه استهدفوا خلال هذه الفترة نحو 100 تجمع سكني. وقال أحد اللاجئين للوكالة إنه جاء إلى المخيمات القريبة من الحدود التركية قبل 10 أيام، ومنذ ذلك الحين ينام مع عائلته تحت الأشجار لعدم وجود خيام تؤويهم، لافتاً إلى أن الأطفال والمسنين يعانون من الجوع. ويقطن في منطقة "خفض التصعيد" نحو 4 ملايين مدني، بينهم مئات الآلاف ممن هجرهم النظام من مدنهم وبلداتهم بعد سيطرته عليها، في أرياف دمشق وحمص ودرعا.
في غضون ذلك، ما زالت الجهود الدولية لوقف هذه الهجمات ضعيفة وغير واضحة المعالم. وقد عقد مجلس الأمن أمس الجمعة جلسة طارئة لبحث تصاعد حدة الغارات شمال غربي سورية، فيما دانت نجاة رشدي، مستشارة المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، غير بيدرسن "بشدة، الهجمات التي استهدفت المدنيين". ودعت للجلسة 3 دول هي الكويت وألمانيا وبلجيكا.