وأظهرت القمة أنه بينما صوّت الناخب الأوروبي لصالح أوروبا، لا يفكر القادة الأوروبيون سوى بتحقيق المغانم لصالح أحزابهم، والسعي لفرض النفوذ في أروقة بروكسل، ضاربين عرض الحائط بالكثير من المفاهيم المشتركة، وصولاً الى إغفالهم الأزمات التي تحل بأوروبا والعالم، الأمر الذي قد يهدد قوة وحضور الاتحاد ودوره في المحافل الدولية، إذا ما تزعزعت الثقة به بفعل المناكفات بين دوله، وأبرزها بين أكبر قوتين فيه، ألمانيا وفرنسا، إذ يبدو أن العلاقة بين زعيمي البلدين، أنجيلا ميركل وإيمانويل ماكرون، قد تسممت في الفترة الأخيرة.
وكان التصلب في المواقف سيد الموقف في بروكسل، أمس، فالاشتراكيون والليبراليون لا يريدون التنازل لمرشح حزب "الشعب" الأوروبي المحافظ مانفرد ويبر، الذي فاز حزبه بأكبر عدد من نواب البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، أما الخضر فيريدون الحديث عن ملفات وقضايا، وليس عن شخصيات بعينها.
وتشير التقارير إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد كسب الجولة الأولى بوجه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعدما منع الاتفاق على ويبر كرئيسٍ جديد للمفوضية الأوروبية. ويعتبر ماكرون أن أوروبا تحتاج إلى أفضل فريق عمل، أي إلى مسؤولين لديهم المهارات والطموحات والمصداقية اللازمة. من جهتها، ترفض المستشارة التصويت لشخص لم يكن المرشح الأول لحزبه، تطبيقاً لقرار اتخذه النواب بهذا الخصوص في وقت سابق.
ووفق ما ذكرت "دي فيلت"، فقد دفع هذا الأمر بزعيم حزب "الشعب" جوزيف داول، والذي يعتبر من المقربين من ميركل، للتعبير بغضب، ووصف ما يجري مع مرشح حزبه بـ"الفضيحة"، وليضيف أن ويبر "لا يستحق ذلك، وسأدافع عنه حتى النهاية"، علماً أنه ليس ماكرون وحده من يرفض فكرة "المرشح الأعلى"، إنما يعارض كذلك زعماء الأحزاب الليبرالية التسعة الممثلة في البرلمان الأوروبي هذا المبدأ.
أمام كل هذا، يبدو أن مفهوم المرشح الرئيسي للحملات الانتخابية قيد الفشل، ولا يمكن أن يترجم الحل المنشود إلا بالاتفاقات أو الصفقات على المناصب الخمسة الأساسية كسلة واحدة، من رئيس المفوضية ورئاسة البرلمان الأوروبي، إلى منصب منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، الذي قيل أخيراً إن ألمانيا تود أن تدفع بوزيرة الدفاع أورسولا فون دير لاين لتبوئه، وصولاً إلى رئاسة البنك الأوروبي ورئاسة المجلس الأوروبي، لدرجة أن شبكة "ايه آر دي" عبّرت عن هذا الواقع بما مفاده أن القادة يعملون على جعل الاتحاد الأوروبي "متجراً وطنياً للخدمة الذاتية".
وعن الفيتو الذي يضعه ماكرون على ويبر لنقص الخبرة السياسية لديه، تبرز تعليقات في ألمانيا مفادها أن ماكرون نفسه تولى سابقاً وظيفة بسيطة نسبياً في الحكومة الفرنسية، كوزير للاقتصاد، ولفترة وجيزة لا تتعدى العامين، قبل أن يصبح رئيساً لفرنسا، وعمله وخبرته هي في مجال المصارف والأموال والاستثمار.
وفي خضم ذلك، بات الجميع بانتظار الجولة الثانية من بازار بروكسل حول المناصب الأساسية في الاتحاد الأوروبي، والتي ستكون نهاية الشهر الحالي.
وفي هذا الإطار، قال رئيس رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك "إن أي مرشحٍ لم يحظ بالأغلبية.. ولقاؤنا سيكون يوم 30 يونيو (حزيران)".
وفي ألمانيا، هناك انطباع راسخ بأن مواطنهم ويبر، المنتمي إلى "الحزب المسيحي الاجتماعي" في بافاريا، الشقيق الأصغر لحزب ميركل، "المسيحي الديمقراطي"، لا تزال لديه كل الحظوظ لتولي رئاسة المفوضية الأوروبية خلفاً لجان كلود يونكر الذي تنتهي ولايته في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، على الرغم من أن نتيجة الاجتماع الأخير مع المسؤولين في "الليبرالي" و"الاشتراكي" لم تكن مرضية، مع إصرار كل منهم على مرشحه الخاص: الليبراليون يريدون الدنماكرية مارغريت فيستغر، والاشتراكيون فرانس تيمرمانس.
ومع النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأوروبية أخيراً، بات من غير المنطقي انتخاب رئيس للمفوضية دون موافقة ثلاثة أطراف أساسية على مرشح واحد، إن لم يكن تأييد أربعة أحزاب، أي "الشعب" مع الاشتراكي والخضر، وإذا أمكن تأييد الليبراليين أيضاً. كل ذلك انطلاقاً من ثابتة أنه يمكن لأعضاء البرلمان الأوروبي التصويت لشخصية سبق أن رشحها بالأغلبية المجلس الأوروبي، والذي يضم 28 زعيماً ورئيس حكومة لدول الاتحاد الأوروبي، عملاً بما تنص عليه معاهدة الاتحاد الأوروبي.