تتجه إيران نحو انتخابات تشريعية في 21 من فبراير/شباط المقبل، تكتسب أهمية قصوى بالنسبة لها، في ظل معطيات داخلية وخارجية مهمة للغاية، إذ تعدّ أول انتخابات عامة تشهدها البلاد بعد دخول الصراع مع الولايات المتحدة مرحلة أكثر توتراً من سابقاتها على مدى الأربعين سنة الماضية، على خلفية انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي منذ مايو/أيار 2018، الذي كان له تداعيات كبيرة على إيران، خصوصاً من الناحية الاقتصادية بسبب العقوبات "الشاملة والقاسية"، إذ تعدّها السلطات مرحلة أصعب من أيام الحرب الإيرانية العراقية، وقد تخللتها على المستوى الداخلي أيضاً، احتجاجات مطلبية واسعة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إثر رفع أسعار البنزين.
أمام هذا الواقع، يرى صانع القرار الإيراني، أن لا خيار أمام إيران إلا الصمود وفق استراتيجية "المقاومة الفعالة" في مواجهة الاستراتيجية الأميركية، اعتقاداً منه بأن خيار التفاوض مرة ثانية مع الإدارة الأميركية لن يرفع عن البلاد الضغوط، بل سيجلب المزيد منها، لذلك تصر طهران على رفض أي تفاوض قبل إلغاء واشنطن العقوبات كافة. وبعد اغتيال واشنطن قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بات حتى مبدأ التفاوض محظوراً وفق تصريحات أقطاب محافظة في البلاد.
إلا أن الانتخابات التشريعية المقبلة، تحولت إلى عنوان خلافي بين القوى السياسية الإيرانية، المحافظة والإصلاحية، إذ انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني، اليوم الاثنين، في كلمة رؤساء المحافظات الإيرانية، رفض مجلس صيانة الدستور الإيراني أهلية مرشحين من التيارات المنافسة للمحافظين لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة، المزمع عقدها، محذراً من تحويل الانتخابات إلى "أمر شرفي وغير تنافسي".
وفي ظل المعطيات والظروف التي تواجهها إيران، والتي اعتبرها روحاني "حساسة للغاية"، دعا الأخير، وفقاً لما أورده موقع الرئاسة الإيرانية، الجميع إلى "بذل كل الجهد لتنظيم انتخابات تنافسية وبمشاركة حاشدة"، مشدداً على "ضرورة المشاركة في الانتخابات وعدم مقاطعتها".
وفي السياق، أشار إلى رفض أهلية عدد كبير من المرشحين لخوض الانتخابات، مخاطباً الإيرانيين بالقول "يجب عدم مقاطعة صندوق الاقتراع وينبغي المشاركة في الانتخابات، وأنا كتبت رسائل لازمة وعلينا جميعاً أن نسعى لانتخابات تنافسية". ولم يكشف روحاني الجهة أو الجهات التي خاطبها، لكن من الواضح أنه دعا في رسائله إلى إعادة النظر في الترشيحات التي رفضها مجلس صيانة الدستور.
وأضاف روحاني أنّ "أكبر خطر يهدد الديمقراطية والسيادة الوطنية، هو أن يأتي يوم تتحول فيه الانتخابات إلى أمر شرفي: تعيينات جديدة، والناس تذهب إلى صناديق الاقتراع لانتخابات شرفية"، مذكّرًا في هذا السياق بالانتخابات التي كانت تجري في العهد البهلوي، قبل الثورة الإسلامية عام 1979، وقال إنّ نتائجها "كانت واضحة مسبقاً".
ووصف الرئيس الإيراني الانتخابات التشريعية المرتقبة، بأنها "مهمة للغاية"، داعياً إلى تطمين الشعب الإيراني بأنّ إيران لا يحكمها لون وحزب واحد، قائلاً إنّ حكومته قد أصدرت "بسهولة تراخيص لأحزاب وهي تنشط بحرية".
وأكد روحاني أنّ الظروف التي تمر بها إيران "حساسة للغاية ويجب ألا نسمح لأميركا بأن تنتصر"، قائلاً إنّ "الشعب الإيراني بانسجامه ووحدته يحول دون ذلك".
يشار إلى أن مجلس صيانة الدستور، تعرض لانتقادات كثيرة من الحكومة الإيرانية وأنصارها الإصلاحيين و"الاعتداليين"، خلال الفترة الأخيرة، بعدما رفض أهلية عدد كبير من المرشحين، منهم من المحافظين المعتدلين؛ الأمر الذي جعل التنافس في مراكز انتخابية مقتصراً على مرشحين محافظين فقط، بحسب تقارير وسائل إعلام إصلاحية. وبين الترشيحات المرفوضة، 90 نائباً من مجلس الشورى الإسلامي الحالي (البرلمان).
وأضاف أنه في بقية المراكز "إما تم إقصاء الإصلاحيين أيضاً أو أن هناك مرشحين إصلاحيين غير معروفين يتنافسون مع وجوه أصولية رئيسية".
ويرفض مجلس صيانة الدستور الإيراني اتهامه بجعل الانتخابات مقتصرة على تيار سياسي واحد، إذ أكد المتحدث باسم المجلس، في وقت سابق من الشهر الحالي، أنّ 17 مرشحاً يتنافسون على كل مقعد من مجموع 290 مقعدًا في البرلمان الإيراني.
وتسود توقعات بأنّ مجلس صيانة الدستور، على الأغلب، سيعيد النظر في بعض الترشيحات التي رفضها، ليصادق على أهلية بعض المرشحين الذين رفضهم. إلا أنه في حال فعل المجلس ذلك، لا يتوقع أن تؤثر الخطوة كثيراً على التركيبة المتوقعة للبرلمان الإيراني المقبل، التي تروج تكهنات بأنها ستكون ذات أغلبية محافظة بنسبة كبيرة، وذلك ليس بسبب رفض أهلية مرشحين إصلاحيين فحسب، بل لأنّ شخصيات وقامات إصلاحية بارزة، عزفت بالأساس عن الترشح لهذه الانتخابات، إذ لم تشهد عملية الترشح للدورة الحادية عشرة للانتخابات التشريعية، ولأسباب متعددة، تلك الحماسة التي كان يبديها التيار الإصلاحي، خلال الدورات السابقة، إذ كانت تخرج دعوات منظمة ومكثفة من هنا وهناك من هياكل قيادية، تدعو أنصار التيار إلى الترشح بكثافة في الانتخابات، غير أنّ الدعوات هذه المرة لم تكن لافتة.