ضغطت أنقرة من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار في إدلب، يشمل الجميع، عبر تهديد وزير دفاعها خلوصي أكار باستخدام القوة ضد من ينتهك الهدنة، بما في ذلك "الراديكاليون"، في الوقت الذي واصلت فيه إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى داخل سورية.
وحاولت موسكو التقليل من أهمية إعلان المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري عن تفكير واشنطن بدعم الجيش التركي في إدلب، مشيرة إلى أنه لا يمكن الحديث حتى الآن عن تدخل أميركي مباشر في الصراع الدائر في إدلب، مكررة أن الأمر "يتعلق بتنفيذ اتفاقيات سوتشي والالتزامات التي تعهدت بها الأطراف وفقاً لهذه الوثيقة". في هذا الوقت، لم يضع النظام السوري كما يبدو الوعيد التركي في حساباته، حيث وسّع نطاق سيطرة قواته في الشمال الغربي من سورية، لتعزيز مكاسبه في ريفي حلب وإدلب، خصوصاً لجهة السيطرة على الجانب الأكبر من الطريق الدولي الذي يربط شمال سورية بجنوبها.
وذكرت وكالة "الاناضول"، أمس الخميس، أن رتلاً من التعزيزات العسكرية، يضم عناصر من القوات الخاصة من مختلف الوحدات التابعة للجيش التركي، توجه إلى الحدود مع سورية. وأضافت أن الجيش أرسل راجمات صواريخ تمركزت على الحدود السورية، موضحة أنها "مزودة بنظام توجيه ليزري لإصابة الأهداف بدقة، حتى المتحركة منها، وقادرة على ضرب الأهداف على مسافة تصل إلى 40 كيلومتراً".
وأكد أكار، على هامش مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل أمس الخميس، أن بلاده "ستتخذ كافة التدابير اللازمة لإرغام الأطراف غير الممتثلة لوقف إطلاق النار في إدلب على الالتزام به، بما في ذلك الجماعات الراديكالية". وأشار إلى أن "الجيش التركي أرسل وحدات عسكرية إضافية إلى إدلب بهدف تحقيق وقف إطلاق النار وجعله مستداماً، وأن أنقرة ستقوم بمراقبة المنطقة". وأوضح أن "الأوضاع في إدلب ازدادت سوءاً منذ قمة وزراء دفاع الأطلسي السابقة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي". وشدد على "سعي تركيا لتحقيق الهدنة، ووقف إراقة الدماء، والحد من عمليات التهجير والنزوح"، مضيفاً أن "نظام (بشار) الأسد يواصل هجماته على المنطقة جواً وبراً، بالرغم من التوصل للهدنة 4 مرات". وأشار إلى أن "نقاط المراقبة التي حظيت بالتعزيزات، تواصل أداء دور فعال على الأرض، وأن الهدف الرئيسي للتواجد التركي هناك هو السعي لتحقيق وقف إطلاق النار واستمراريته".
وكانت وزارة الدفاع الروسية حملت، في بيان أخيراً، تركيا مسؤولية "الأزمة في إدلب"، متهمة أنقرة "بعدم الوفاء بالتزاماتها لجهة الفصل بين مقاتلي المعارضة المعتدلة والمجموعات الإرهابية". وأعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أمس الخميس، أن "الكرملين لا يرى نزاعاً فيما يحدث في إدلب، بل هو محاربة القوات المسلحة السورية للإرهاب على أرض بلادها". وأضاف "حتى الآن لا يمكننا التحدث عن التدخل الأميركي المباشر في الصراع الدائر في إدلب على أي حال. إن الحديث لا يدور حول نزاع، بل حول عدم تنفيذ اتفاقات سوتشي، وحول الالتزامات التي أخذتها الأطراف على نفسها وفق الاتفاقات".
وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري أعلن أن بلاده تفكر في دعم الجيش التركي في إدلب عبر تقديم معلومات استخباراتية ومعدات عسكرية. وقال جيفري، في تصريحات تلفزيونية على هامش زيارته إلى أنقرة، إن "الولايات المتحدة تنظر في سبل تقديم الدعم لتركيا في إدلب في إطار حلف شمال الأطلسي، والأولوية هنا تعود لتزويد العسكريين الأتراك بمعلومات استخباراتية ومعدات عسكرية". وشدد على أن الحديث لا يدور حتى الآن عن دعم أنقرة عن طريق إرسال جنود أميركيين إلى منطقة النزاع، مستبعداً احتمال اندلاع نزاع واسع النطاق على الساحة السورية بمشاركة الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإسرائيل. واعتبر أن هؤلاء "اللاعبين الكبار" يتوخون أقصى درجات الحذر في تحركاتهم. وأشار إلى أن واشنطن وأنقرة تتفقان في العديد من النقاط حول إدلب، مؤكداً "حق تركيا في حماية أمنها وحدودها".
وزعمت وزارة الدفاع الروسية، أمس، أن "نجاحات الجيش السوري في إدلب سمحت بإنشاء منطقة آمنة هناك تنص عليها مذكرة سوتشي، بعد أن فشلت تركيا في تنفيذ هذه المهمة". وأكد مدير "مركز حميميم للمصالحة في سورية"، التابع لوزارة الدفاع الروسية، اللواء يوري بورينكوف، في بيان، أن قوات النظام سيطرت على جانب من طريق "إم 5"، يمر عبر أراضي منطقة إدلب. وزعم أن عملية قوات النظام "حملت طابعاً اضطرارياً، ويعود سببها إلى فشل الجانب التركي في تنفيذ البنود ذات الصلة في مذكرة سوتشي حول إقامة المنطقة منزوعة السلاح على طول حدود منطقة إدلب لخفض التصعيد".
في هذا الوقت، رفع النظام السوري من وتيرة تحديه لأنقرة، إذ أشارت وسائل إعلامه إلى نيّة هذه القوات الاندفاع في عمق محافظة إدلب باتجاه معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. وواصلت قوات النظام تقدمها في ريف حلب الغربي، حيث سيطرت أمس الخميس، على منطقتي ريف المهندسين الأول وكفر جوم، في إطار سعيها لتأمين طرق دمشق-حلب الدولي (إم 5)، بعد أن كانت سيطرت، الأربعاء الماضي، على مناطق في هذا الريف، أبرزها بلدة خان العسل، التي بقيت تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية نحو 7 سنوات.
من جانبه، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن هدوءاً نسبياً تشهده محاور القتال في ريفي حلب وإدلب، باستثناء قصف صاروخي متبادل بين الحين والآخر تنفذه نقاط المراقبة التركية المنتشرة في محيط سراقب على مواقع قوات النظام، بالتزامن مع قصف صاروخي تنفذه قوات النظام على مواقع الفصائل المنتشرة في محيط المدينة. وأشار إلى أن قصفاً صاروخياً نفذته القوات التركية المتمركزة في "الفوج 46" في ريف حلب الغربي، استهدف مواقع قوات النظام في بلدة كفر حلب غرب حلب، في حين نفذت مقاتلات روسية عدة ضربات جوية على أطراف بلدة كفرناها بريف حلب الغربي.
ودفع التقدم الكبير الذي حققته قوات النظام خلال الأيام القليلة الماضية، الأخير لرفع سقف التحدي للجانب التركي وفصائل المعارضة. وتحدثت وسائل إعلامه عن نية قواته حسم الصراع في الشمال الغربي من سورية، من خلال المضي إلى معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، ما يعني عملياً إخضاع محافظة إدلب بالكامل. وذكرت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام، أن قواته باتت "على بعد مئات الأمتار من مفترق طرق، إما بالتوجه إلى بلدة الأتارب ذات الموقع الاستراتيجي على مقربة من باب الهوى، أو السير نحو بلدتي أورم الصغرى وأورم الكبرى ثم بلدة كفرناها على الطريق القديم الذي يصل حلب بإدلب، وصولاً إلى بلدة خان العسل". ونقلت عن مصدر في قوات النظام قوله إنه "بعد سيطرة الجيش السوري على طريق دمشق حلب الدولية، وبعد توسيع مسافة الأمان غرب الطريق، فإنه من المتوقع أن تتجه القوات للسيطرة على الطريق الثاني الموازي بالأهمية العسكرية، وهو الطريق القديم إدلب- حلب، أو ما يسمى الطريق 60، الممتد من مدينة حلب شمالاً، نزولاً إلى خان العسل ثم الشيخ علي ثم كفر حلب ومزناز ثم معرة النعسان وتفتناز وطعوم وبنش". وأوضح المصدر أنه "إضافة إلى ذلك، فإن الطريق الآخر المهم أيضاً هو طريق حلب- اللاذقية والمعروف بإم 4، والذي تتطلب مسافات الأمان على جوانبه السيطرة على أغلب قرى محافظة إدلب الجنوبية، لتصبح مدينة إدلب محاصرة تماماً. وعند ذلك يتقرر وضعها بالكامل حسب المعطيات، سواء تتم استعادتها بعملية عسكرية أو باتفاق". وزعم المصدر أن قوات النظام وحلفاءها "مصممون على استمرار العمل العسكري حتى التحرير الكامل لمحافظة إدلب وتنظيفها من الإرهابيين شاء من شاء وأبى من أبى، ولن يثنيه عن هدفه أي شيء".
ومثلما رفع النظام سقف التحدي والمطالب، كذلك تفعل فصائل المعارضة السورية. وقال القيادي في الجيش السوري الحر مصطفى سيجري، في تغريدة، إنه "في المرحلة الأولى سيتم طرد عصابات (بشار) الأسد إلى ما بعد نقاط المراقبة التركية، يلي ذلك تطهير كامل الحدود السورية التركية من التنظيمات الإرهابية وإقامة المنطقة الآمنة، ولن يبقى معبر كسب (في ريف اللاذقية الشمالي) في يد الأسد، وسنرفع علم الثورة على جبال الباير بوجاق وصولاً إلى المنفذ البحري". وقال سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "النظام يحاول الاستفادة من المهلة التركية للتوسع أكثر في المنطقة للوصول إلى باب الهوى". وأشار إلى أن "المرحلة المقبلة ستكون أفضل"، موضحاً "سيكون هناك تحرك عسكري مشترك من قبل فصائل الثورة السورية والجانب التركي لتحرير كل المناطق التي سيطرت قوات النظام عليها". وكشف أنه "مع انتهاء المهلة التركية ستبدأ العملية العسكرية في الشمال الغربي من سورية".
إلى ذلك، بدأت ترتسم ملامح مأساة إنسانية كبرى في الشمال الغربي من سورية، مع تواصل حركة نزوح جراء استمرار تقدم قوات النظام في ريف حلب الغربي. ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن أكثر من 100 ألف مدني نزحوا بسبب هجمات قوات النظام وروسيا في ريف حلب الغربي، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، مشيراً إلى أن عدد النازحين من محافظة إدلب منذ انطلاق الهجوم البري، في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، بلغ نحو 380 ألف مدني، في حين ارتفع عدد النازحين من حلب وإدلب منذ منتصف يناير إلى 550 ألف مدني. كما ارتفع العدد الإجمالي منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى نحو 980 ألفا من محافظتي إدلب وحلب.