في الوقت الذي منعت فيه السلطات المصرية إقامة جنازة للرئيس المصري الراحل محمد مرسي، الذي كان أول رئيس منتخب، وأجبرت أسرته على دفنه في جنح الظلام تحت حراسة أمنية مشددة، لمنع مشاركة أيّ من أنصاره في تشييع جثمانه، فاجأت الرئاسة المصرية مواطنيها بنعي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذي وافته المنية صباح اليوم عن عمر ناهز الـ92 عاما.
"العربي الجديد" يرصد عدداً من المشاهد، التي توضح حجم التناقض بين التعامل الرسمي من جانب النظام المصري الحالي بقيادة عبد الفتاح السيسي، ومؤسسات الدولة الرسمية مع مرسي، بشكل يوضح مدى امتداد النظام الراهن لنظام مبارك العسكري، بدءا من إلقاء القبض على مرسي وإخفائه لحين الانتهاء من فبركة وترتيب قضايا جنائية يتم حبسه على ذمتها، بحسب ما كشفت عنه تسريبات صوتية للواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية والدستورية، وذلك قبل تقديمه رسميا للمحاكمة على ذمة عدد من القضايا، وصدور أحكام ضده وصلت إلى حد المؤبد.
وفي السابع عشر من يونيو/ حزيران 2019، فوجئ المصريون بخبر وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي خلال جلسة محاكمة، بعد إصابته بهبوط حاد في الدورة الدموية، نتيجة تدهور عام في حالته الصحية بعد منع الدواء والرعاية الصحية عنه طيلة سنوات سجنه في حبس انفرادي، بخلاف منعه من لقاء محاميه وأسرته.
التعامل الرسمي وقتها مع وفاة مرسي اقتصر على خبر لم تتجاوز مدته الـدقيقة الواحدة في إحدى النشرات، في حين تم تمرير تعميم على كافة وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، بتجاهُل خبر الوفاة، مع ذكر اسمه فقط من دون أن يسبقه أي لقب، وخرجت الصحف في اليوم التالي للوفاة، بين متجاهلة، وأخرى سبقت اسمه بالخائن والإرهابي في خبر صغير للغاية بالصفحات الداخلية.
وحينها، أوضح مصدر مقرب من الأسرة أن السلطات المصرية رفضت طلباً بدفنه بمقابر أسرته في قرية العدوة بمحافظة الشرقية، خشية إقامة جنازة شعبية له هناك، قبل أن تحوّل بعدها الأجهزة الأمنية القرية لثكنة عسكرية، لمنع إقامة أي جنازة أو سرادق لتلقي العزاء، وألقت القبض على العشرات من أبناء القرية الذين أدوا صلاة الغائب عليه ونظموا جنازة رمزية له.
بعد ذلك، فرضت أجهزة الأمن حصاراً على مقرات أفراد أسرة الرئيس الراحل، سواء كانوا أشقاءه في مدينة الزقازيق، أو زوجته وأبناءه بمدينة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة، للدرجة التي دفعت أجهزة الأمن لإلقاء القبض على اثنين من السيدات عقب تقديمهما واجب العزاء لزوجة مرسي، وأثناء خروجهما من منزلها.
في المقابل، فوجئ المصريون بالتعامل الرسمي مع نبأ وفاة مبارك، حيث أعلنت رئاسة الجمهورية إعلان الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام، وأصدرت نعياً رسميا، قالت فيه "تنعي رئاسة الجمهورية ببالغ الحزن رئيس الجمهورية الأسبق السيد محمد حسني مبارك، لما قدمه لوطنه كأحد قادة وأبطال حرب أكتوبر المجيدة، حيث تولى قيادة القوات الجوية أثناء الحرب التي أعادت الكرامة والعزة للأمة العربية"، مضيفة "تتقدم رئاسة الجمهورية بخالص العزاء والمواساة لأسرة الفقيد الذي وافته المنية صباح الثلاثاء الموافق 25 فبراير 2020".
وإضافة إلى ذلك، نعت كل من القوات المسلحة ومجلس الوزراء المصري مبارك بشكل رسمي، مؤكدين على دوره العسكري، ودوره في حكم مصر.
وبالعودة لظروف سجن مبارك، كان واضحاً فرق المعاملة بين رئيس مخلوع أطيح به في ثورة شعبية، وبين آخر منتخب أتت به انتخابات نزيهة تم الانقلاب عليها من جانب قائد الجيش بعد ذلك، في الثالث من يوليو 2013.
واعتيد أن ينقل مبارك من محبسه إلى قاعات المحاكمة بطائرة هليكوبتر، وذلك قبل أن يتم قضاء فترة حبسه في جناح فندقي بمستشفى المعادي العسكري، مع السماح لأسرته بالإقامة معه، وكذلك السماح لأنصاره وعدد من الشخصيات العربية والسياسية زيارته، على عكس مرسي الذي منعت أسرته من زيارته، وحبس في زنزانة انفرادية سواء بسجن برج العرب، أو بمنطقة سجون طرة.