وشهدت الساعات الـ24 الماضية هجمات مسلحة عدة في العراق، قالت السلطات إنها أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف قوات الأمن، كان أعنفها في محافظة ديالى، حيث تمّ تفجير منزلٍ مفخخ خلال عملية تفتيش لقوات الأمن، أعقبها هجومٌ مسلح على حاجز عسكري، وقصف بالهاون استهدف قرية جنوب غرب كركوك. كما أعلنت القوات العراقية عن مقتل العديد من عناصر التنظيم، بينهم قيادي بارز شمالي بغداد، قالت إنه كان يشغل منصباً مهماً في التنظيم.
وأعلنت وزارة الدفاع العراقية، أمس الأحد، في بيانٍ، مقتل مجموعة إرهابية تابعة لـ"داعش"، بقصف نفذته مقاتلات من طراز "أف 16" على أوكارٍ تابعة للتنظيم في منطقة الدور بمحافظة صلاح الدين. واعتبر مراقبون البيان مؤشراً آخر على نشاط التنظيم الذي استدعى الاستعانة بمقاتلات للقضاء على أحد الجيوب الإرهابية، بدلاً من تحرك قوات برّية لمعالجة الخلل الأمني في تلك المنطقة الواقعة وسط المحافظة.
ويرى مراقبون ومتابعون للشأن الأمني، ونشاطات الجماعات المتطرفة، أن عودة هجمات التنظيم قد يكون من بين أسبابها ما يرتبط بعودة مطالبات إخراج الفصائل المسلحة ضمن "الحشد الشعبي" من المدن المحررة في العراق، وتسليم الملف للقوات النظامية، بعد سلسلة شكاوى من قبل السكان المحليين، لا سيما في محافظتي نينوى وصلاح الدين، إزاء ممارسة تلك الفصائل وتدخلها بحياة السكان العامة. ويرى المراقبون أن عودة الهجمات الإرهابية سيسكت تلك الأصوات، ويمنح تلك فصائل "الحشد" الحجة للبقاء في المدن، وهي نقطة قد تشترك فيها مع القوات الأميركية الموجودة في العراق، والتي تواصل التحذير من استمرار خطر "داعش"، وحاجة هذا البلد للوجود الأميركي من أجل تعزيز أمنه وتدريب قواته.
وكشف مسؤول عسكري عراقي بارز في قيادة العمليات المشتركة، لـ"العربي الجديد"، أن تنظيم "داعش" نفّذ سلسلة عمليات خلال هذا الشهر والأسبوع الأخير من شهر مارس/آذار الماضي، تحمل مؤشرات على أن قيادته الجديدة استطاعت تأمين تواصل مع بقايا التنظيم التي تفلتت وتفرقت بعد اندحاره وطرده من آخر معاقله بالعراق. وأخذت هذه الهجمات شكلاً منظماً، من حيث توقيتها، وحتى أهدافها.
ولفت المصدر إلى أن الهجمات غير مؤثرة، فهي عبارة عن تفجير عبوات ناسفة أو مهاجمة نقطة عسكرية أو حاجز تفتيش ببنادق خفيفة والفرار من المكان، أو مهاجمة عشائر وقرى سجلت في وقت سابق أنها ساعدت القوات العراقية ضد التنظيم. وكشف أن القوات العراقية تعمل في الوقت الحالي بشكل أكثر حرفية على رسم خريطة الهجمات الأخيرة والمناطق المحتمل انطلاق الإرهابيين منها وتتبعها استخبارياً، وتكثيف ماكينة الحصول على المعلومات من المواطنين، ومراجعة خطط ميدانية في كثيرٍ من المدن، خصوصاً كركوك وصلاح الدين وصحراء الحضر وجبال مخمور وزمار وسلسلة جبال حمرين شمالي العراق.
وبحسب المسؤول ذاته، فإن فريقاً عراقياً أميركياً مشتركاً، يعمل منذ فبراير/شباط الماضي على هوية زعيم التنظيم الجديد، المدعو أبو إبراهيم القريشي، الذي أعلن التنظيم مبايعته أخيراً بعد مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي بعملية أميركية نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مضيفاً أن المعلومات المؤكدة أن القريشي موجود داخل العراق، وأن عدداً قليلاً جداً من قيادات التنظيم فقط هم من يعرفون شكله أو هيئته.
ووفقاً لمعايير الاستخبارات العراقية، فإن أياً من التقارير التي تناولت هوية زعيم التنظيم لا يمكن التسليم بها أو اعتبارها حقيقية، فهناك من يؤكد بأنه أمير عبد الرحمن المولى، فيما يقول آخرون إنه عبد الله العفري، وهو أحد أعضاء مجلس شورى التنظيم ومن قياداته البارزة، واختفى منذ تحرير الموصل في عام 2017. وهناك من يتحدث عن شخصية ثالثة تعرف بأبو محمد الهاشمي، وهو من شرعيي التنظيم، وفقاً لمعلومات تحدث بها مسؤولون أمنيون لـ"العربي الجديد"، أكدوا أن تحديد هوية زعيم "داعش" الجديد وصورته الحالية، تعتبران نصف مهمة القضاء عليه حالياً.
وقال الخبير الأمني العراقي، هشام الهاشمي، إن "قيادة تنظيم داعش الحالية لا تزال امتداداً لتنظيم القاعدة"، في إشارة إلى وجود قيادات وشخصيات سابقة من التنظيمات الإرهابية التي عرفها العراق بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003 في هيكل التنظيم الحالي. وأضاف الهاشمي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "طبيعة التنظيمات سرعان ما تجد البديل لقيادتها، ولكن بالتأكيد ليس بقيمة أو نسخة من السابقة، وهذا ما حصل مع زعيم القاعدة سابقاً أبو عمر البغدادي، وبعد مقتله جاء أبو بكر البغدادي، وكان حينها من الكوادر الوسطية في تنظيم القاعدة آنذاك، لكنه استطاع أن يقفز بالتنظيم ويعلن عن إنشاء تنظيم أكبر شمل العراق وسورية". وأكد أنه "ليس هناك الكثير من المعلومات بعد مقتل البغدادي، عن مجلس الشورى ومجلس الحل والعقد، فالتنظيم عاد للعمل كمنظمة سرّية كما بين عامي 2012-2014، وكل ما ينشر هو عبارة عن تحليل وافتراضات غالبًا لا تطابق الواقع"، معتبراً أن "التنظيم لا يزال يحوي على الكثير من الموارد البشرية، التي قاتلت ضمن الكوادر الميدانية أو الوسطى، أو حتى في الخط الأول، ولهذا فإن من يقود داعش ليس من الجيل الجديد".
ورأى الهاشمي أن التنظيم يقاتل حالياً بطريقة يسعى فيها للعودة إلى وضعه قبل عام 2014 في العراق، وليس من أجل ما يصفه أرض التمكين، بل من أجل ترتيب أوضاعه وتعزيز مصادر تمويله الذاتي وتجنيده العناصر والتوسع بالعمليات، من هجمات تعرضية إلى عمليات نوعية، معتبراً أن "الأزمة الصحية (وباء كورونا) صبّت كثيراً في مصلحة داعش داخل العراق، فقد أوجدت له خواصر هشّة، على اعتبار أن القوات الأمنية انسحبت من المناطق المفتوحة وأطراف المدن نحو المناطق الحضرية المكتظة بالسكن، وهذا الخلل رصده التنظيم، وشن هجمات متفرقة في عدد من المدن".
من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، بدر الزيادي، لـ"العربي الجديد"، إن "أحد أبرز أسباب الهجمات المتصاعدة لتنظيم داعش، هو انشغال القوات الأمنية العراقية في تطبيق حظر التجول داخل المدن، ما أعطى مجالاً لبعض خلايا التنظيم بالتحرك وشن هجمات"، مؤكداً أن "الوضع مسيطر عليه، فهناك متابعة من قبل الأجهزة المختصة لهذه الخلايا للقضاء عليها". ولفت الزيادي إلى أن "القوة الجوية العراقية، توجه بشكل يومي ضربات ناجحة إلى أهداف وبقايا وخلايا تنظيم داعش، حيث يتم قتل الكثير منهم، بالإضافة إلى نصب كمائن للقبض على مجموعة من عناصر التنظيم، والهجمات التي شنت أخيراً لا تؤثر على القطعات العسكرية وعلى الإمساك بالأرض".