لا يتوقف السودانيون كثيراً عند نتائج حراكهم الثوري الممتد لأكثر من ثمانية أشهر، عقب انقلاب قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ولا يلتفتون كثيراً للأصوات التي درجت على تبخيس ما يقومون به ودفعوا لأجله أرواح أكثر من 100 شخص و5 آلاف مصاب، واعتقالات متواصلة.
لم تُكتب شهادة وفاة الانقلاب إلى الآن، ولم يسلم البرهان ونائبه "حميدتي" مقاليد السلطة للمدنيين، لكن الثابت بالأدلة والبراهين أن الحراك الجماهيري، بمده وجزره، حقق نتائج لا تنكرها إلا أعين الرمد، ولا تتذوقها ألسن السقم.
فقد هزم هذا الحراك مشروعية الانقلاب، وعزله داخلياً وخارجياً، وأقعده عن التقدم قيد أنملة لتنفيذ بقية مخططاته، على شاكلة تشكيل حكومة مركزية وتعيين حكومات ولائية، بل أرغم الانقلاب على التراجع عن قرارات كبيرة أصدرها، مثل فرض حالة الطوارئ، واعتقال النشطاء والسياسيين.
كذلك، أجبر هذا الحراك الانقلاب، الذي كان يصرّ على تصدّر المشهد السياسي، على القبول بالتفاوض والدعوة له وتبنيه في بعض الأحيان، وسط تطلعات لخروج آمن من السلطة، وفق ما رشح من معلومات من طاولة الحوار بين الانقلابيين وتحالف "الحرية والتغيير".
بعد غد الخميس، سيخرج السودانيون في مليونية جديدة، يحملهم الإصرار على المواصلة في دروب الثورة إلى حين إنجاز هدفها السامي بعودة العسكر لثكناتهم وعدم رؤيتهم على كراسي الحكم مرة أخرى، لا على المدى القريب ولا البعيد.
والمؤشرات تبيّن أن مليونية بعد غد، ستكون الأكثر زخماً وتأثيراً لأنها تتصادف مع ذكرى مليونية 30 يونيو/ حزيران 2019 التي تمثل نقطة فاصلة في تطور الثورة السودانية، بعدما لجمت، حينها، أماني احتكار العسكر للسلطة بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير. علماً أن الظروف والعوامل ذاتها التي أنجحت مليونية 2019 تتمثل اليوم مع مليونية الخميس، وربما ظروف الثانية أقوى من الأولى.
الشيء الوحيد غير المتاح الآن هو وحدة قوى الثورة. فالمليونية الأولى قادتها وصنعتها تحالفات متوافقة وموحدة على أهداف وبرامج ووسائل وأدوات، أما الثانية فتأتي وقوى الثورة ليست على قلب رجل واحد، ولا تتفق حتى في الأدوات والوسائل. وذلك لا يشكل خطراً على زلزال الخميس إلا بنسبة بسيطة، لكنه خطر على الثورة وما بعدها، إن لم نقل على السودان ككل.
الهتاف الثوري بالتفاؤل يرجح أن يكون أول هتاف يوم الخميس، هو أذان وإذن بعودة لحمة العمل الثوري على مستوياته السياسية والنقابية والشعبية، إلى ما كان عليه من قبل، وهو أمل ليس ببعيد أو مستحيل، بل ممكن وقريب، ولا يحتاج لشيء سوى قناعة أطراف الثورة به، وإلى إرادة مستقلة تنجزه.