أبناء المعتقلين... نظام الأسد طمس هوية أطفال سوريين

24 ديسمبر 2024
ملف أطفال المعتقلين السوريين معقد، سجن فرع فلسطين في دمشق، 18 ديسمبر 2024 (فضل عيتاني/ فرا
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشير الوثائق إلى تورط عناصر أمنية في نظام الأسد، خاصة المخابرات الجوية، في اختطاف الأطفال وتغيير أسمائهم قبل إيداعهم في دور الأيتام، بموافقة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مع تسليط الضوء على قضية الطبيبة رانيا العباسي وأطفالها.

- يتهم حسان العباسي منظمة "SOS" بالتواطؤ مع النظام السوري في تغيير هويات الأطفال، رغم نفي المنظمة، إلا أن هناك تقارير تشير إلى تعرض الأطفال للضغوط الأمنية.

- يطالب ناشطون وحقوقيون بفتح تحقيقات للكشف عن مصير الأطفال المختفين ومحاسبة المسؤولين، وإقامة دعاوى في المحاكم الدولية لضمان حقوق الأطفال وأسرهم.

يتداول سوريون وثائق عدة تؤكد تورط عناصر أمنية في نظام الأسد المخلوع، على رأسها المخابرات الجوية، في جرائم سرقة أطفال، وإيداعهم في دور الأيتام بعد تغيير أسمائهم، وأن هذا كان يجري بعلم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. وأعادت قضية أطفال الطبيبة السورية رانيا العباسي، التي اعتقلها الأمن العسكري مع زوجها وأطفالها في بداية الثورة، إلى الواجهة قصص مئات من أطفال المعتقلين الذين لا يعرف مصيرهم منذ عام 2011، وذلك بعد الشك في وجود أطفال العباسي داخل إحدى دور الأيتام التابعة لمؤسسة "SOS" الدولية.

كانت رانيا العباسي بطلة سورية في الشطرنج، واعتقلت من منزلها بتهمة تقديم مساعدات للنازحين من مدينة حمص، في مارس/آذار 2013، مع زوجها وأبنائها ديمة (14 سنة)، وانتصار (11 سنة)، ونجاح (9 سنوات)، وولاء (8 سنوات)، وليان (سنة ونصف). وبعد عام، تأكدت العائلة من مقتل الزوج الذي ظهرت صورة جثته في ملف "قيصر" الذي كشف عنه في 2014 مصور سابق في الشرطة العسكرية بعد فراره من البلاد.
ظهرت في إعلان نشرته مؤسسة "SOS" الدولية فتاة أكد حسان العباسي، شقيق رانيا، أنها ابنة أخته، قبل أن يتواصل مع المنظمة لإعطائه معلومات حول وجود أبناء شقيقته لديها، لكنهم تهربوا، وأخبروه بأن الفتاة التي ظهرت في الفيديو ليست ابنة شقيقته، وأن لديها أهلاً يزورونها.
يتهم حسان العباسي المؤسسة المقربة من أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام المخلوع بشار الأسد، بالتورط في ملف الأطفال المختفين، والتواطؤ مع النظام السابق في تغيير أسماء أطفال المعتقلين، وإخفائهم، وعدم تقديم أي معلومات عن مصيرهم. وهو يؤكد لـ"العربي الجديد" تورط قرى الأطفال "SOS" في عمليات تغيير هويات الأطفال السوريين الذين أُرسلوا إليها من قبل أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري المخلوع، ويشدد على سعيه الحثيث لمعرفة مصير أولاد شقيقته من خلال التواصل مع المؤسسة، التي اعترفت بالقيام بعمليات طمس هوية لأطفال، مبيناً أن شقيقته وزوجها قد يكونان قُتلا في المعتقلات، لكن مصير أطفالهما لا يزال مجهولاً، ولم يتضح ما إذا كانت إحدى العائلات تبنتهم، أو بيعوا حتى. ويرى العباسي أن "كل جمعية خيرية كانت تخدم نظام الأسد هي محل اتهام، ويجب أن تكون محل تحقيق"، داعياً إلى فتح تحقيقات مع المياتم وجمعيات الأطفال، ومنها ميتم "سيد قريش"، الذي كان يُدار من قبل ضابط شرطة في دمشق، وميتم "دار الأمان" بقسميه للذكور وللإناث. ونشر حسان العباسي عبر "فيسبوك" تفاصيل عرفها من مسؤولة جمعية "دفا" لرعاية الأطفال فداء دقوري، وهي إحدى دور رعاية الأطفال التي تنسق مع "SOS"، والتي اعترفت بوجود أبناء معتقلين في قرى "SOS"، وتحدثت عن اقتحام مسلحين خلال الأيام الماضية مقر الجمعية بحثاً عن أطفال مفقودين.
وتؤشر تلك القصة إلى مآس مماثلة لمئات أو آلاف السوريين الذين فقد أثرهم بعد توقيفهم، وقد تصدرت قصة رانيا العباسي حملة "من دون وجه حق" التي أطلقتها وزارة الخارجية الأميركية في عام 2018، لتسليط الضوء على السجناء السياسيين حول العالم.
تواصلت "العربي الجديد" مع بتول محمد، وهي مديرة خدمات الرعاية في إحدى قرى الأطفال "SOS"، لكنها رفضت الإدلاء بأي تصريح حول ما يثار عن اختطاف أطفال الطبيبة رانيا العباسي، مؤكدة أن الموضوع له علاقة بالإدارات الكبرى، وأنها مجرد موظفة تعمل منذ سنتين فقط، بينما جميع القضايا التي يجرى الحديث عنها تعود إلى عام 2019، موضحة أن "المؤسسة ليست حكومية، وإنما تتبع منظمة دولية مقرها في النمسا، وكل عملها وملفاتها موجودة وموثقة بشكل دقيق". تؤكد محمد أن الإدارة تواصلت مع حسان العباسي، إضافة إلى تواصل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل معه، لكن ليست لديها تفاصيل عما حصل بعد ذلك التواصل. تضيف: "في حال تفوهنا بأي كلمة تؤذي الطفل نتعرض للمحاسبة، وتفرض عقوبات بحقنا، فهل يعقل أن نخطف الأطفال؟ هذا مستحيل. أي شخص يستطيع أن يزورنا ويتأكد بنفسه على أرض الواقع. المؤسسة يمكن الدخول إليها بعد الحصول على الموافقة، وهذه إجراءات موجودة في جميع المنظمات الدولية لحماية البيانات الشخصية الخاصة بكل طفل. جرى التأكد من بيانات أطفال رانيا العباسي، ولم نجد لهم أي معلومات ضمن مراكز الجمعية".
كذلك، تواصلت "العربي الجديد" مع مسؤولة قسم التمويل والتواصل في الجمعية رشا بدوي، التي تؤكد أن لديها إحاطة بكامل المعلومات المتعلقة بالتواصل مع شقيق رانيا العباسي، لكنّها لم تدل بأي تصريح، وطلبت الحضور إلى مقر المؤسسة الكائن في المزة شرقية، والتوقيع على بعض الأوراق التي اعتبرتها تضمن التعاطي الجيد مع المعلومات.
وتعتبر قرى الأطفال "SOS" منظمة دولية غير حكومية، لكنها تخضع لأنظمة الدول التي توجد فيها، ورغم أن الفرع السوري للمنظمة يقدم نفسه منظمةً غير حكومية محايدة، إلا أن علاقتها بالنظام السابق تبدو واضحة من خلال آلية العمل التي فرضها النظام عليها، واشتراط ربط النشاطات التي تقوم بها بإبرام عقد مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كي يصبح عملها مرخصاً، وبالتالي يحق للوزارة تعيين أعضاء في مجلس الإدارة.
وخصّت أسماء الأسد تلك القرى باهتمام كبير، وكانت تحرص على زيارتها في مناسبات عدة لإظهار حرصها على توفير الرعاية للأطفال، وكانت زيارتها الأخيرة في مناسبة عيد الأم الأخير.
وفي عام 2019، تناولت تقارير صحافية معلومات عن تعرض الأطفال للضرب والإيذاء النفسي على أيدي مسؤولات عن رعايتهم في قرية الأطفال في قدسيا، كما وُثّقت حالات لتستر الإدارة على المتورطين، ما اضطرها إلى إرسال بريد إلكتروني إلى مجلس إدارة المنظمة في النمسا لتوضيح قضية الطفل محمد الذي نُقل إلى المشفى بعد تعرضه لضرب مبرح، مؤكدة فصل الأشخاص الذين قاموا بذلك، والذين جرى إعادة توظيفهم مجدداً بعد مدة.
وقالت منظمة "SOS" في بيان رسمي: "الأطفال الذين انفصلوا عن أسرهم خلال النزاع السوري ُوضعوا في رعايتنا من قِبل السلطات من دون توثيق أصولهم، وقد حدثت هذه الإدخالات القسرية في منشآتنا حتى عام 2019، وبعدها طلبنا من السلطات التوقف عن إرسال أطفال من دون وثائق. أثناء وجود هؤلاء الأطفال في رعايتنا، تلقوا الدعم بما يتماشى مع مبادئنا التي تعطي الأولوية للسلامة والرفاهية. ولم يبق أيّ من هؤلاء الأطفال في رعايتنا".

جدة سورية تقابل أحفادها لأول مرة. 21 ديسمبر 2024 (كريس مكجراث/Getty)
جدة سورية تقابل أحفادها لأول مرة. 21 ديسمبر 2024 (كريس ماكغراث/Getty)

من جانبه، يقول عضو تجمع "أحرار حوران" الحقوقي عاصم الزعبي لـ"العربي الجديد": "هناك أطفال جرى تغيير أسمائهم أو كنيتهم، وهؤلاء يمكن إثبات نسبهم من خلال أهل الطفل، أو من خلال شهود، وأيضاً عبر الحمض النووي. يجب أن تكون هناك تحقيقات جنائية وقضائية تتعامل مع الأمر بجدية، وإخضاع المسؤولين عن قرى الأطفال لتحقيقات، والكشف عن الوثائق، رغم أن الكثير من الوثائق أتلفت. أعداد الأطفال الذين بُدّلت أسماؤهم غير محددة، لكن ينبغي إعطاء القضية أولوية، فهذا الموضوع لم يسبق التعامل معه في سورية، وقد يحتاج الى إصدار قانون جديد، وعلى حكومة تصريف الأعمال العمل على كشف مصير المعتقلين وأطفالهم".
ويقول الناشط الإنساني مجد الأمين لـ"العربي الجديد": "بالنسبة لقرى الأطفال SOS، فمن المفترض أنها منظمة دولية لرعاية الأطفال الذين فقدوا ذويهم حتى لا يبقوا في الشوارع، أو يُصنّفوا مشردين. لكن وفق معلومات متطابقة كررها كثير من الأشخاص الذين التقينا بهم ممن تربطهم صلة قربى مع عائلات فقدت أطفالها، فأغلب هؤلاء الأطفال اعتقلوا مع ذويهم، وبعضهم بمفردهم، وعدد من الأطفال فارقوا الحياة تحت التعذيب في السجون، وقد وجدت رفات أطفال في المقابر الجماعية، وأطفال آخرين نُقلوا إلى قرى الأطفال التي كانت تخضع لضغوط أمنية من النظام السابق، وكانت تعمل بأمر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل".
يتابع الأمين: "إخفاء النسب أمر خطير، وهم يمنحون الأطفال أنساباً وأسماء مختلفة. الطفل الذي دخل هذه القرى بعمر خمس سنوات لن يتعرف لاحقاً على هويته، وقد يحمل اسماً وكنية جديدة، وقد لا يُمنح هوية، وهذا يخلق مأساة جديدة لذويهم الذين يبحثون عن طفل لا يعرفون اسمه، وتغيرت ملامحه، وهذا يتطلب عمليات تحقيق وبحث. على حكومة تصريف الأعمال إقامة دعاوى في المحاكم الدولية ضد المنظمة الرئيسية، ومطالبتها بكشف ملفات كل الأطفال السوريين، فضلاً عن أسماء العاملين، وقد تكون هذه خطوة أولى ضمن عملية تحقيق قد تستغرق سنوات لكشف مصير الأطفال".
وكتبت السورية رزان العمو، عبر "فيسبوك"، أنها سألت منظمة SOS عن مصير رانيا العباسي وأطفالها. وردت عليها المنظمة: "ندرك أنه جرى وضع الأطفال في دور الأيتام SOS في سورية لفترة من الوقت، ولم تكن لديهم وثائق. جرى إيقاف هذا في عام 2019، وتولت إدارة جديدة المسؤولية في عام 2020، ولم يعد أي من هؤلاء الأطفال في رعايتنا".

بدورها، وثقت نور المدني، العاملة في إحدى جمعيات رعاية الأطفال، شهادتها في فيديو مصور، قالت فيه: "كان يأتينا أطفال من أعمار مختلفة، ولا نعرف إن كانوا مجهولي النسب أو من أبناء المعتقلين. لم نكن نشاهد ضبط الشرطة مع الطفل، وكان لدينا عشرة أطفال روس. كان الطفل يقول إن أهله مسجونون".
وقال علاء رجوب الذي نشأ داخل إحدى هذه القرى في تسجيل مصور عبر "فيسبوك": "كنت مع أهلي في بيت جدي، وحضرت دورية أمنية، واعتقلتني مع خالي. كان عمري سبع سنوات. خالي بقي في السجن، وأخذوني إلى دار للأطفال قرب مساكن برزة. اسم أمي فاتن إسماعيل، واسم أبي دريد رجوب، واسمي علاء رجوب وليس علاء ناصيف. لكنهم منحوني كنية ناصيف، ورفضوا إعطائي أي اثباتات، فاضطررت للهرب إلى خارج سورية قبل سوقي للخدمة العسكرية".

المساهمون