بعدما أعلنت وزارة التعليم العالي في أفغانستان فتح الجامعات في المناطق الباردة في السادس من مارس/ آذار الجاري، لكن فقط في وجه البنين وليس البنات، لفظت توقعات البنات بفتح الجامعات مع بدء العام الدراسي الجديد أنفاسها الأخيرة، ما جعلهن في وضع نفسي سيئ.
أما وزير التعليم العالي ندا محمد نديم فأكد خلال اجتماع عقد في العاشر من مارس/ آذار الجاري أن حكومة طالبان "لن تخالف تعليم النساء، لكن القضية أجلت، وأي شيء يعارض العرف والدين والشريعة في أفغانستان لن يُسمح به".
تقول الطالبة في إحدى الجامعات الخاصة ثمينة كاظم لـ"العربي الجديد": كنت أدعو دائماً أن تلين قلوب حركة طالبان وتغيّر أفكارها وسياساتها، لكن ذلك لم يحصل، وحالياً لا تملك الطالبات أي توقعات بمستقبل أفضل. درست سنتين في كلية الحقوق بإحدى الجامعات الخاصة، وكنت أحلم أن أكمل تعليمي وأحصل على شهادة جامعية في هذا الاختصاص، لكن طالبان تسلّطت عليناً بعدما استعادت الحكم في أغسطس/ آب 2021، ولم تسمح لنا بتلقي التعليم". تضيف: "شخصياً لا تنتهي مشاكلي عند هذا الحد إذ أواجه معاتبة أفراد في أسرتي التي تمر بمرحلة معيشية صعبة. ويلومني أشقائي على صرف أموال بلا جدوى على تعليمي، علماً أنهم لا يؤيدون منذ البداية ذهابي إلى الجامعة والذي تطلب إنفاق أموال، بحجة أن أعراف الأسرة لا تسمح للمرأة بالعمل، والاعتقاد السائد في المجتمع بأن الفتاة التي تدرس لا يتزوجها أحد، فكان تعليمي بالتالي موضع جدل بين أفراد أسرتي منذ البداية، وحين أصدرت طالبان قرارها زادت معاناتي بسبب معاتبة إخوتي".
ولا تختلف حال صفية نصير التي خاب أملها أيضاً من إغلاق أبواب الجامعات أمام الطالبات مع بدء العام الدراسي الجديد، وباتت تشعر بيأس كبير. وتقول لـ"العربي الجديد": "لا أمل لي في الحياة أصلاً بعدما كنت أعيش كي أصبح طبيبة، وأخدم مجتمعي وأعالج الأطفال. كان هذا همي الوحيد، لكن بعد سيطرة طالبان على الحكم أصبحت كل هذه الآمال مدفونة، وأنا كنت أتوقع أن تكرر حركة طالبان حين تسيطر على الحكم في كابول طريقة معاملتها للنساء خلال تسعينيات القرن العشرين، رغم أن قادة المجتمع الدولي وأفغان كثيرين وحتى أعضاء في طالبان نفسها كانوا يؤكدون أن الحركة تغيّرت، وستجعل أوضاع المرأة أفضل في التعليم والعمل وعلى صعيد الحقوق الشخصية".
تضيف: "أذكر جيداً أن القيادي في حركة طالبان وهو وزير المعادن الحالي الملا شهاب الدين دلاور تحدث قبل توقيع اتفاق الدوحة عن أن المرأة الأفغانية تحظى بتكريم يليق بها وبدورها في المجتمع، وأن الحركة ستمنحها فرصا للحصول على تعليم وعمل، لكن كل ذلك لم يخرج من إطار التوقعات التي لم تترجم على أرض الواقع".
وتعلّق الناشطة نجمة نور الدين على الوضع السائد بالقول لـ"العربي الجديد": "ليس الحديث عن تعليم البنات والسماح لهن بالذهاب إلى الجامعات والمدارس أزمة للبنات وحدهن بل لحركة طالبان نفسها أيضاً التي انقسمت فعلياً إلى مجموعة ترغب في السماح بذهاب البنات إلى المدارس والجامعات، ومجموعة أخرى ترفض تعليم البنات، وتصرّ على أن تبقى أبواب الجامعات مغلقة في وجهوهن، وهي تضم عدداً قليلاً من القادة لكنهم يتمتعون بنفوذ كبير على رأسهم زعيم الحركة الملا هيبة الله أخوند زاده". تضيف: "حتى لو سمحت طالبان بتعليم البنات، وهو أمر مستبعد في القريب العاجل، ستتحول المدارس والجامعات إلى مدارس دينية، وسيحصل تغيير كبير في المناهج قد لا يكون مقبولاً بالنسبة إلى بنات كثيرات، لكن تلك الحالة ستكون أفضل من تلك الحالية".
في السياق، يقول نائب الناطق باسم حركة "طالبان" عضو اللجنة الثقافية بلال كريمي لـ"العربي الجديد": "يجب أن يعرف الجميع الحقيقة الثابتة لدى طالبان، والتي تتمثل في أنها لا ولن تعارض تعليم البنات سواء كان علم الدين أو علم الدنيا، لكن لا بدّ من ترتيب الأمور ووضع خطة شاملة وفق الشريعة الإسلامية لتعليم البنات في الجامعات أو المدارس. وبالفعل تعمل لجنة خاصة من المسؤولين في عدد من الوزارات على هذا الأمر".
ولم تسمح "طالبان" منذ أن سيطرت على كابول في أغسطس/ آب 2021 بفتح مدارس البنات فوق الصف السادس، لكنها وافقت على فتح الجامعات لهن قبل أن تغلق أبوابها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما أثار ضجة في البلاد، في وقت التزمت "طالبان" الصمت.
ورغم التنديد الدولي بقراراتها، وفرض عقوبات دولية عليها، لم تتراجع "طالبان" عن اضطهاد النساء والفتيات. ولم تستبعد الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان، روزا أوتونباييفا تزايد التشدد في بعض مواقف "طالبان"، لكنها أبدت اعتقادها أيضاً بأن "هناك فصيلاً داخل قيادة طالبان وعبر الحركة لا يتفق مع الاتجاه الحالي الذي اتخذته القيادة، إذ يدرك هذا الفصيل أنه يجب الاهتمام بالاحتياجات الحقيقية للشعب". وحذرت من أن "الوقت ينفد، في ظل تضاعف الأزمات العالمية، علماً أن طلب الأفغان يزداد على موارد المانحين مع تناقص في تلك الموارد".