في محاولة للإشارة إلى أهمية الدور الفرنسي في اكتشاف ساحل أستراليا، عرضت مكتبة ولاية فيكتوريا الأسترالية، في حفل خاص أقامته أخيراً، أولى الخرائط الفرنسية لاكتشاف الجزيرة الأكبر في العالم، وذلك في حضور السفير الفرنسي جان بيير ثيبولت.
وأورد تقرير نشرته صحيفة "ذي غارديان" البريطانية بعنوان "الساحل الفرنسي: المستكشفون الأوائل الذين أثاروا مخاوف البريطانيين من أستراليا الفرنكوفونية" أنّ "الخريطة عُرضت مع مجموعة من الكتب الفرنسية القديمة، ما شكل موضع فخر للسفير الفرنسي بدور بلاده في اكتشاف الأرض الجديدة (أستراليا)".
وتناول التقرير أيضاً تاريخ الرحلات الفرنسية إلى أستراليا، وأولها تلك الاستكشافية التي قادها الرحالة نيكولاس بودان في خضم الحرب الفرنسية – البريطانية، حين حصل على موافقة نابوليون بونابرت، لاكتشاف أراضٍ جديدة قرب المحيط الهادئ، ما مهّد لإطلاق رحلته.
وتفيد المعلومات التي نشرتها "ذي غارديان" بأن توثيق معرفة الفرنسيين بالقارة الأسترالية حصل عام 1811، حين رسم الفرنسيون الخرائط الأولى شبه الكاملة للساحل الأسترالي، وذلك قبل نحو ثلاث سنوات من قيام البريطانيين بهذه الخطوة، لذا قد يكون جزءاً من أستراليا فرنكوفونياً".
يعود تاريخ الخريطة الفرنسية التي تسلّمها السفير ثيبولت إلى الرحلة المعروفة باسم "04-1801" التي رسم فيها طاقم المستكشف بودان جزءاً كبيراً من الساحل الجنوبي الذي يضم منطقتي فيكتوريا وجنوب أستراليا. وجاء ذلك استكمالاً لتحديد المستكشفين الفرنسيين أجزاءً عدة من ساحل القارة قبل عقود من اعتراف بريطانيا بمستعمرتها.
في مارس 1772، أبحرت بعثتان فرنسيتان إلى مناطق مختلفة من أستراليا، ووصل مارك جوزيف ماريون دوفرسن إلى منطقة تسمانيا التي تختصر باسم "تاس" وتبعد 240 كيلومتراً عن جنوب البر الرئيسي لأستراليا، واستقر هناك فترة وجيزة مع السكان الأصليين. كذلك وصل مستكشف فرنسي آخر، هو فرانسوا دي سان ألوارن إلى مناطق غرب استراليا، ودفن زجاجات تحتوي على بيانات وعملات قديمة كدليل على اكتشافه الأرض الجديدة. وقد عُثر على إحدى هذه الزجاجات عام 1998، ووُضعت في المتحف البحري غرب أستراليا.
وفي عام 1768، حاول الأميرال والمستكشف الفرنسي لويس أنطوان، حاكم منطقة بوغانفيل التي تعتبر أكبر جزيرة في أرخبيل جزر سليمان، الإبحار بسفينته نحو الغرب، لكن مهمته فشلت بسبب الحاجز المرجاني، وذلك قبل عامين فقط من وصول القائد جيمس كوك، المستكشف في البحرية الملكية البريطانية، إلى الساحل الشرقي لأستراليا.
وبعد 20 عاماً، وصل أسطول فرنسي إلى الخليج البوتاني شرق أستراليا، وتبعته سفينتان بقيادة المستكشف جان فرانسوا دي غالوب الذي كان قد بدأ عام 1785 رحلة لاكتشاف المحيط الهادئ.
تشير أستاذة العلوم الإنسانية في جامعة فليندرز الأسترالية، دانييل كلود، المسؤولة عن قسم الاستكشاف الفرنسي للمحيط الهادئ، إلى أن "الأستراليين يعتقدون أنّ البريطانيين امتلكوا القارة كلها بعد عام 1788، لكن الأمر لم يكن كذلك حينها، إذ حاول البريطانيون حينها الادعاء أن اللغة الإنكليزية أساسية في أستراليا من أجل تأكيد دورهم ووجودهم، علماً أنه لا يستبعد أيضاً قلق البريطانيين أنفسهم من مطالبة فرنسا بجزء من القارة".
وتقول كلود إن "باريس لم تظهر حينها حماسة كبيرة للقيام بأنشطة استعمارية خاصة، لأن أوضاعها الداخلية كانت صعبة. وفعلياً لم تمنح الموافقة لاكتشاف أراضٍ جديدة بهدف الاستعمار، بل لرسم خريطة المنطقة، وجمع المعرفة العلمية، خصوصاً أن الرحالة بودان نفسه كان يحب جمع النباتات والحيوانات من المناطق التي يزورها، وهو ما شمل مئات من الأنواع من الهند والصين بين عامي 1786 و1792.
وتكتب "ذي غارديان" أنه "رغم أهمية ما قام به الرحالة بودان، لكن إرثه أُخفي لعقود، وخصوصاً من جانب من كتبوا روايات الرحلات، وعلى رأسهم عالم الطبيعة فرانسوا بيرون الذي أهمل ذكر بودان في مؤلفاته.
وتوفي بودان عن 49 عاماً بعدما أصيب بمرض السل في جزر موريشيوس عام 1803، فيما أعيدت إلى فرنسا آلاف من القطع ذات الأهمية العلمية بينها نباتات وحيوانات الكنغر والإيمو والبجع الأسود.
وتزعم روايات أن نابليون غضب جداً من الرحالة بودان، فيما تنقل "ذي غارديان" أن "خبراء تاريخ يشككون في صحة تعليق منسوب إلى نابليون قال فيه إن بودان فعل حسناً حين مات، لأن مصيره كان الشنق بسبب فشله في الطعن بمزاعم اكتشاف بريطانيا لأستراليا".
وفي مؤشر لاستبعاد نية بونابرت إعدام بودان، كتب المستكشف والعالم الإنكليزي ماثيو فليندرز في رواية ألفها عن طوافه حول القارة الاسترالية، أن ضابطاً فرنسياً يدعى هنري دو فرسينات أخبره أن الرحلة الفرنسية لم تكن للاستعمار، وقال له: "كيف يمكن أن نكتشف مناطق جديدة، ونحن لا نملك قذائف".
وتتحدث "ذي غارديان" عن أن المستكشف الفرنسي بودان أبدى في رسالة بعثها إلى صديقه الحاكم فيليب كينغ في سيدني، عدم نيته استعمار أستراليا، وأوردت: "بالنسبة إلى طريقة تفكيري، لا أستطيع تصوّر وجود عدالة أو حتى إنصاف من الأوروبيين في الاستيلاء باسم حكوماتهم على أرض شاهدوها للمرة الأولى، وتعرفوا فيها إلى رجال لا يستحقون لقب متوحشين أو آكلي لحوم البشر. سيكون من المجيد لأمتك، كما هو الحال بالنسبة إليّ، أن تصوغ حقوق السكان في المجتمع، بدلاً من أن تنشغل بأولئك البعيدين جداً والذين يسعون للاستيلاء على الأراضي".
بالنسبة إلى الأستاذة كلود التي قدمت نتاج عملها عن اكتشاف فرنسا أستراليا في فيلم وثائقي عرضته أخيراً، "يمكن أن تساعد الغزوات الفرنسية في تغيير طريقة تفكير الأستراليين بتاريخهم. فالشيء المثير للاهتمام، معرفة إذا كانت الأمور ستختلف قليلاً"، في إشارة إلى الدور المحتمل لفرنسا في اكتشاف أستراليا أو ساحلها.