يجلس الطفل علاء الديوب (11 سنة)، النازح من مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم في بلدة قاح على الحدود السورية التركية، أمام باب خيمة تؤوي عائلته، ليراقب العشرات من أطفال المخيم أثناء ذهابهم إلى المدارس، بينما هو قرر عدم الذهاب منذ سلبته الحرب قدمه، في أواخر عام 2019، لتفرض عليه حياة الإعاقة وتحرمه من استكمال تعليمه.
يقول علاء لـ"العربي الجديد": "تم بتر قدمي اليمنى بعد أن أصبت بشظية صاروخ من طائرة حربية حينما كنت في الطريق إلى السوق لشراء بعض الحاجيات للمنزل، وقدمي المبتورة جعلتني عرضة للتنمر من زملائي، لذا توقفت عن الذهاب إلى المدرسة حتى لا أتعرض للسخرية".
لم تكن خسارة الطفل الديوب قدمه، ثم خسارته حقه في التعليم المشكلات الوحيدة التي يعاني منها، فبعد التئام جرحه، اضطر للانتظار سنة كاملة حتى يحصل عبر جمعية خيرية على طرف اصطناعي، وكان من نوعية رديئة للغاية. تقول والدته علية الديوب: "يحتاج علاء إلى تبديل الطرف الاصطناعي كل فترة ليتلاءم مع طبيعة نموه، ما يعني أنه بحاجة مستمرة للتأقلم والتدرب على الطرف الجديد، وبينما نحن فقراء، يدفعنا ذلك للبحث عن جمعيات خيرية تقدم الأطراف الاصطناعية بالمجان، فلا قدرة لنا على دفع التكاليف التي تتراوح ما بين 500 إلى 1000 دولار أميركي".
على غرار علاء، تعرضت الطفلة هديل العيدو (9 سنوات)، من بلدة احسم بجبل الزاوية، في يناير/كانون الثاني 2021، لشظية قذيفة مصدرها حواجز النظام السوري. تركتها الشظية مقعدة على كرسي متحرك، وهي حالياً تحتاج إلى استبدال الكرسي اليدوي بآخر كهربائي كي يسهل حركتها، ويوفر بعض الوقت الذي تستغرقه في الذهاب يومياً إلى المدرسة.
تقول هديل: "كنت ألعب مع صديقتي أمام باب المنزل حين سقطت قذيفة على مقربة منا، فقتلت إحدى الشظايا صديقتي، وتسببت شظية أخرى بإصابتي بالشلل، فأصبحت أتحرك عبر هذا الكرسي المتحرك".
تحرص الطفلة العيدو على الذهاب إلى المدرسة بانتظام، وحلمها أن تصبح طبيبة كي تخفف الآلام عن الأطفال المرضى ومصابي الحرب، لكنها تحتاج بشكل دائم إلى المساعدة، وعادة ما يرافقها شقيقها الأكبر ذهاباً وإياباً.
تضيف: "عقب إصابتي، فضلت العزلة، ولكن بعد تشجيع والدي وأخي خرجت مجدداً إلى الحياة، وبدأت أعتاد تدريجياً على وضعي الجديد. حلمي الطفولي هو أن أتمكن من المشي مجدداً، وأن أعيش كما بقية الأطفال، لكني أدرك أن تحقيق هذا الحلم مستحيل. أحزن حين أشاهد الأطفال في المدرسة يلعبون ويمرحون، في حين أكتفي بالمراقبة".
لا تتوقف إعاقة الأطفال عند حدود الجسد، بل يتسلل اليأس والإحباط إلى نفوسهم مع شعورهم بالاختلاف عن الآخرين، وعجزهم عن المشاركة في اللعب مع أقرانهم، أو ممارسة مختلف الأنشطة التي اعتادوا على ممارستها قبل إصابتهم.
تقول السورية جميلة البديوي، من مدينة سرمين شمال إدلب، عن طفلها البالغ 8 سنوات، الذي تعرض لإصابة حربية جسيمة: "يعيش ولدي حالة نفسية صعبة منذ إصابته التي وقعت في نفس يوم موت والده. في ذلك اليوم المشؤوم، في شهر إبريل/نيسان 2019، تعرض الحي الذي نعيش فيه لقصف مدفعي، فقام زوجي باصطحاب ابني إلى ملجأ تحت الأرض، وأثناء ركضهما إلى الملجأ، سقطت قذيفة على مقربة منهما، فأدت إلى موت زوجي، وبتر يد طفلي".
تضيف البديوي: "الصدمة النفسية التي يعيشها ابني أصعب من إعاقة جسده بكثير، فمشهد موت والده ويديه الملطختين بالدماء لا يغادر ذاكرته، ما يجعله كثير الصراخ والبكاء، ويفضل العزلة طوال الوقت، كما بات يجد صعوبة في الكلام، وتلازمه الكوابيس أثناء نومه".
وحول أثر الإعاقة على الأطفال، تقول المرشدة النفسية رزان الشيخ، من مدينة إدلب، لـ"العربي الجديد": "يشعر الأطفال المصابين أو مبتوري الأطراف عادة بالنقص، أو بالعجز، كما يستعيدون ذكرى الإصابة بشكل متكرر، مع غياب الشعور بالأمن أو الاطمئنان، ويظهر عليهم ضعف الثقة بالنفس نتيجة الاعتماد على الآخرين في كل أمور حياتهم".
وتشدد الشيخ على "ضرورة توفير العلاج النفسي للطفل المصاب بعد شفائه من الإصابة الجسدية، لمساعدته على التأقلم مع وضعه الجديد، إلى جانب توعية المجتمع بضرورة الاهتمام بهذه الشريحة المتأذية جسدياً ونفسياً، وإيصال صوتهم إلى العالم بغية المسارعة في علاجهم".
ولتوفير جزء من المتطلبات الكبيرة للأطفال مبتوري الأطراف ومصابي الحرب، جرى افتتاح المركز التعليمي "خطوة" في مدينة إدلب، بهدف مساعدة الأطفال المعاقين والأيتام من جراء الحرب على الحصول على الدعم، وفرص التعلم، فضلاً عن إعادة تأهيلهم لمواجهة الحياة بعد الإصابة.
تقول مديرة المركز مروة عوض: "أُسس المركز في شهر يونيو/حزيران 2022، بهدف تأمين تعليم مناسب للأطفال المصابين في الحرب، سواء كانوا من مبتوري الأطراف أو ذوي الاحتياجات الخاصة، ويبلغ عدد العاملين فيه 20 متطوعاً، من بينهم إداريين ومدرسين وداعمين نفسيين، ونقدم للأطفال خدمات التعليم والتأهيل، كما نعمل على كسر حاجز الخوف، ودعم دمجهم مجدداً في المجتمع".
وتلفت عوض إلى أن "المركز يضم حالياً 80 طفلاً من مبتوري الأطراف ومصابي الحرب والأيتام، وأهم الصعوبات التي تواجه كادر العمل هي غياب الدعم بشكل كامل، والجميع يعمل بشكل تطوعي، لكن ذلك لا يوفر القدرة على تطوير العمل، وأحياناً لا نتمكن من توفير تكاليف التشغيل، وأخشى أن يتسبب ذلك في إغلاق المركز".
وتجدر الإشارة إلى أن عدد مصابي العمليات العسكرية في أنحاء سورية، منذ بداية الحرب في عام 2011، يقدر بنحو 1.8 مليون مدني، وأصبح 232 ألفاً من هؤلاء من أصحاب الاحتياجات الخاصة، فيما فقد عشرات آلاف المدنيين حياتهم نتيجة هجمات النظام السوري وحلفائه، بحسب إحصاء لفريق "منسقو استجابة سورية".
ويعتبر الأطفال السوريون الفئة الأكثر تضرراً من الحرب، والتي اغتالت أحلامهم، وحرمتهم من حقهم في الحياة الآمنة، كما سلبتهم طفولتهم، فضلاً عن تعرض الآلاف منهم لإصابات، ما تسبب في حرمانهم من حقوقهم في اللعب والعيش الطبيعي كبقية الأطفال.