يواجه أطفال غزة مبتورو الأطراف تحديات كبيرة، في مقدمتها حاجتهم إلى رعاية دقيقة بعد العمليات الجراحية، في ظل نظام صحي منهار أساسا في القطاع، والهجمات الإسرائيلية الممنهجة على المستشفيات والمراكز الصحية.
تمزّقت الساق اليسرى بالكامل تقريبا لنور البالغة من العمر 11 عاماً، حين تعرّض منزلها في جباليا بغزة لانفجار في أكتوبر/تشرين الأول. والآن قد تضطر أيضا إلى بتر ساقها اليمنى المدعومة بقضيب معدني ثقيل وأربعة براغي مثبتة في العظم.
وقالت من سريرها في المستشفى وهي تحدق في جهاز التثبيت الثقيل: "بتوجعني كتير وبدي أطلع على الإمارات أعالج رجلي قبل ما يبتروا الثانية، أنا أخاف ليبتروها". وأضافت "أنا كنت ألعب وأجري، وكنت مبسوطة بحياتي لكن الآن فقدت رجلي وصارت حياتي بشعة وحزينة... باتمنى أني أركب طرف" اصطناعي.
النظام الطبي المنهار في غزة غير مؤهل لتوفير رعاية المتابعة الدقيقة التي يحتاج إليها الأطفال لإنقاذ عظامهم
ويقول الأطباء وعمال الإغاثة إن النظام الطبي المنهار غير مؤهل لتوفير رعاية المتابعة الدقيقة التي يحتاج إليها أطفال غزة لإنقاذ عظامهم التي بترت أجزاء منها وما زالت في طور النمو. وقالت منظمة الصحة العالمية إنه لا يعمل من المسعفين إلا 30 بالمائة من عددهم قبل الحرب على القطاع بسبب القتل والاعتقال والتهجير.
أكثر من 1000 طفل أجريت لهم جراحات بتر السيقان
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إن أكثر من ألف طفل أجريت لهم جراحات بتر السيقان، وخضع بعضهم لأكثر من جراحة أو لبتر كلتا الساقين، بحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، في حرب تقول السلطات الصحية إن نحو ربع الإصابات فيها طاولت أطفال غزة.
ويوضح الأطباء أن الافتقار إلى النظافة ونقص العقاقير يؤدي إلى مضاعفات وبتر في إصابات موجودة ربما لا يمكن النجاة منها.
وأفاد الطبيب البريطاني كريس هوك المتخصص في طب الطوارئ الذي يعمل لدى منظمة "أطباء بلا حدود" وعاد من غزة في أواخر ديسمبر/كانون الأول "عدد من الأطراف كان تم إنقاذها فيما يبدو، ستتطلب البتر. وعدد من (الأشخاص) الذين بترت أطرافهم والأطراف التي نعتقد أنه تم إنقاذها قد يموتون بسبب العواقب طويلة الأمد".
الذباب والتقيح
لا يستطيع طاقم المستشفى الأوروبي في غزة الذي تتلقى فيه نور العلاج والذي يعمل بثلاثة أضعاف طاقته توفير الطرف الجديد الذي تحلم به.
ويقول العاملون إنه حتى مسكنات الألم التي تساعد مبتوري الأطراف الذين يعانون من آلام مزمنة بدأت تتناقص. وكان الذباب يطنّ في أنحاء الجناح حين زاره صحافي من "رويترز".
وأفادت الممرضة وفاء حمدان "أحاول قدر المستطاع أن أخفف عنهم وأمارس دوري كممرضة، لكن أطفال غزة يعانون معاناة نفسية شديدة ويشعرون بالنقص وبالآلام الحادة. وطبعا الأدوية غير متوفرة، والمسكنات قليلة جدا، وهم يحتاجون إلى توافر هذه الأدوية بشكل دائم".
وتقول السلطات الصحية في غزة إن المركز الرئيسي للأطراف الاصطناعية في القطاع، وهو مستشفى حمد الذي تموله قطر في مدينة غزة، أُغلق منذ أسابيع بعد أن قصفته إسرائيل.
ويرى خبراء أن الأطفال الذين تعرّضوا لعمليات بتر بسبب الحرب سيحتاجون إلى ما يصل إلى اثنتي عشرة عملية جراحية لأطرافهم حتى مرحلة البلوغ لأن العظام تستمر في النمو.
وقال مسعفون إنه حتى قبل الحرب كان هناك نقص في جرّاحي الأوعية الدموية والتجميل. وتقول السلطات الصحية الفلسطينية إن أكثر من 300 من العاملين في مجال الرعاية الصحية قتلوا منذئذ.
لكن نور التي قد تظل ساقها اليمنى سليمة، هي أوفر حظا من بعض الأطفال الذين بترت أطرافهم بسرعة بسبب ضيق الوقت أو الافتقار للخبرة الطبية، وأحيانا دون تخدير.
وقال شون كيسي، منسق فرق الطوارئ الطبية بمنظمة الصحة العالمية "للأسف، كثير منها غير ضروري حقا".
أطفال غزة... البتر هو الخيار الوحيد
وفي أحيان أخرى، يكون البتر هو الخيار الوحيد لأن الأطفال المصابين يصلون إلى المستشفى بعد أيام من الإصابة.
وقال جيمس إلدر، المتحدث باسم يونيسف، إنه رأى طفلا بدأت ساقه اليسرى المصابة تتقيّح لأن السبل تقطعت به في حافلة لأكثر من ثلاثة أيام بسبب التأخير عند نقطة تفتيش عسكرية.
ولا يوجد إحصاء رسمي لدى السلطات الصحية في غزة، لكن أطباء وعمال إغاثة يقولون إن رقم يونيسف البالغ 1000 حالة يمثل رقما دقيقا للشهرين الأولين من الحرب لكن من المرجح أنه تم تجاوزه بكثير منذئذ، مما يجعل معدلات بتر الأطراف في غزة مرتفعة استثنائيا مقارنة بالصراعات والكوارث الأخرى.
وفي أوكرانيا، حيث ضربت الصواريخ أيضا أبراجا سكنية خلال الغزو الروسي، هناك 30 حالة معروفة لأطفال مبتوري الأطراف، وفقا لمكتب أمين المظالم.
وقال الجراح البريطاني الفلسطيني غسان أبو ستة إنه أجرى ست جراحات بتر في غزة في ليلة واحدة. وذات مرة، اضطر إلى إعادة فتح فخذ طفل بعد البتر لتطهيره من الصديد.
وتحدث البريطاني كريس هوك، من منظمة أطباء بلا حدود، عن كثيرين كانت جروحهم أصيبت بعدوى عندما عادوا إلى العيادات لتغيير الضمادات في رفح.
وقالت ميريانا سبولياريتش، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إنها لا تستطيع أن تنسى صور الأطفال، ومعظمهم من الأيتام، وقد بترت أطرافهم في عنابر المستشفيات بعد زيارتها لغزة في ديسمبر/كانون الأول.
وأضافت "علاوة على الجروح التي ترونها ونقص مسكنات الألم، فإنهم يرقدون هناك ولا يأتي أحد لرؤيتهم".
وأفادت جيما كونيل، عاملة الإغاثة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه في بعض الحالات، كما هو حال طفلة يتيمة في غزة تبلغ من العمر 10 سنوات وتدعى ريتاج، كان لا بد من إعادة بتر ساقها اليمنى من منطقة أعلى، تحت الركبة مباشرة، بعد إصابة الجرح بالعدوى. وقالت كونيل "أعتقد أن ما رأيته ينفطر له قلب أي إنسان".
(رويترز)