في خضمّ الكثير من المشاكل التي يُواجهها قطاع التعليم في أفغانستان، تُقرر وزارة التعليم والتربية في البلاد نقل تعليم الأطفال من الحضانة حتى الصف الثالث الابتدائي، إلى المساجد، من دون ذكر أسباب ودلائل موجهة، ما أثار استغراب الكثيرين على المستوى السياسي والشعبي والإعلامي. وكان منافس الرئيس الأفغاني في الانتخابات الرئاسية، وهو رئيس المجلس الأعلى الوطني للمصالحة عبد الله عبد الله، من أوائل المنتقدين للخطوة، معرباً عن استغرابه الشديد حيال قرار الحكومة، ومعتبراً ذلك خطوة أتُخذت على عجل.
يقول عبد الله عبد الله، في بيان له، إنّ قرار وزارة التعليم "ليس في محلّه وليس صائباً"، مؤكداً أنّ القرار لا يتوافق مع روح التعليم في أفغانستان وهناك عشرات الأدلّة لرفض هذا القرار. ويطالب الوزارة بإعادة النظر فيه لأن الشعب الأفغاني يتطلع إلى تطوير نظام التعليم والبناء على أسس تتماشى مع العصر الحاضر. ويشير إلى أنّ للمسجد دورا كبيرا في المجتمع الإسلامي لكن قرار نقل التعليم إليه لن يكون ناجحاً.
ويبدو أنّ القرار لم يصدر فقط عن وزارة التعليم بل حتى الرئاسة الأفغانية تدافع عنه، وتؤكد، في بيان، أنّ القرار صائب ويأتي من أجل ضمّ المساجد إلى عملية التعليم وتقوية الهوية الإسلامية لدى الجيل الجديد.
مع ذلك، لا يزال القرار الصادر بشأن التعليم في المساجد يثير ردود فعل مختلفة بهذا الخصوص. ويقول الأستاذ الجامعي لطف الله حفيظ لـ "العربي الجديد": "إنّ القرار جيّد ولكنّ الوضع في أفغانستان لا يسمح بذلك، وهناك أسباب عدّة قد تؤدي إلى فشله، أو قد تُرغم الوزارة على إعادة النظر فيه، منها أنّ الكثير من الآباء قد لا يرضون بإرسال أولادهم إلى المساجد، كما أنّ المساجد في وضعها الحالي لا يُمكن أن تتحول إلى مدارس لأطفالنا".
يضيف حفيظ أنّ "المساجد الأفغانية يكون فيها إمامٌ واحد، وعندما يتم نقل الحضانة والفصول الثلاثة الأول إليها، تصبح بحاجة إلى طاقمٍ أكبر، وبالتالي ما تتطلع إليه الحكومة من تقليص الميزانية لن يحدث. من هنا الحكومة بأمسّ الحاجة لإجراء تغييرات جذرية في نظام المساجد".
ويتابع: "من بين المشاكل أيضاً أنّ علماء الدين وأئمة المساجد يمكنهم أن يُعلّموا الأطفال الدراسة الدينية، لكن العلوم الأخرى من سيُدرسها؟". ويضيف: "كما أنّ القضية بحاجة إلى وضع منهجٍ جديد، ما يعني أنّ المنهج الحالي أيضاً لا بدّ من تغييره، والحكومة بحاجة إلى ميزانية أكبر وفترة أطول من أجل تنفيذ هذه الخطة".
ويشير حفيظ إلى أنّ "المناهج الدراسية في أفغانستان شهدت تغيّرات كثيرة وكلّها اتخذت في العجالة ولها آثار سيئة كثيرة على المناهج ومستقبل الشباب حيث إنّ أول ما قامت به كل حكومة، خلال العقود الأربعة الماضية، هو التغيير في المناهج الدراسية ولهذا الأمر آثار عكسية، بالتالي ما تحتاج إليه الحكومة هو إيصال عملية التعليم إلى ربوع البلاد كافة".
ولكن، وعلى الرغم من كلّ ذلك، وعلى حدّ رأيه، "قد يكون لقرار تعليم أطفال في المساجد بعض الآثار الإيجابية في المناطق النائية حيث لا توجد مدارس". لكنّ الأكاديمي، خالد سراج، يرى أنّ القرار ليس في محله ولا أوضاع أفغانستان تسمح بذلك. يقول سراج لـ "العربي الجديد": "في حال تنفيذ القرار ستكون له العديد من الآثار السلبية على مستوى الطلاب، وستكون المواد التي تُدرّس في الفصول الثلاثة الأول بالمساجد عبئاً عليهم في الفصول المستقبلية لأنه لا يمكن إتقان تلك المواد في المدارس".
كذلك، يصف النائب السابق لوزير التعليم، محمد أصف ننك، عبر صفحته على "فيسبوك"، قرار الوزارة بغير العمليّ وغير الواقعي، مؤكداً أنّ الأطفال في هذه المرحلة يحتاجون إلى الكثير من العمل والتمارين الرياضية، والمدرسة تعمل للمحافظة على صحتهم البدنية، وهذا لا يمكن حصوله في المساجد. ويلفت إلى أنّ قرار الوزارة جاء على عجل وعليها إعادة النظر فيه. ويؤكد ننك أنّ التجارب تشير إلى أنّ للمعلّمات تأثيرا كبيرا وهنّ ناجحات في تعليم الأطفال مقارنة بالرجال، وعندما تنقل الدراسة إلى المساجد فهذا يعني أنه لا يُمكن للمرأة أن تدرّس الأطفال.
في هذا السياق، تعرب لجنة حقوق الإنسان في أفغانستان، في بيان، عن أسفها الشديد حيال القرار. ويقول البيان إنّه على الحكومة الأفغانية أن تعيد النظر في القرار وتحترم آراء الشعب مع استشارة خبراء قطاع التعليم. وعلى عكس هؤلاء، يرى الأستاذ الجامعي، سيد كفايت الله، أنّ القرار صائب وهناك حاجة لإحداث تغيرات في نظام المساجد ولكن في المجمل القرار سيؤثر بشكل كبير على غرس الهوية الإسلامية لدى الجيل المقبل. ويشير إلى أنّ أي قرار في البداية نراه صعب التنفيذ لكن إذا كانت الحكومة مصرّة على تنفيذه وإذا ساعد ذوو الأطفال، حينها يمكن تنفيذه وسيكون للقرار ثمار جيدة. وتعليقاً على ردود الفعل، قال الناطق باسم الرئاسة الأفغانية، صديق صديقي، في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، إنّ القرار جيّد ولكن لا بدّ من أن تقدم الوزارة توضيحات بشأنه وتجيب عن الأسئلة بهذا الشأن.