يوجد العنف الأسري في كل مكان، لكن مستوياته تتفاوت بين دولة وأخرى بحسب العوامل الاجتماعية والمعيشية التي تتفاقم في أفغانستان بسبب الحرب المتواصلة منذ أربعة عقود، والويلات التي نجمت عنها، ما أدى إلى تدهور وضع النساء.
وشهدت الأيام الأخيرة مجموعة حوادث قتل لنساء على أيدي أقربائهن، ما يؤكد أن المرأة خسرت مكاسب كثيرة حققتها خلال العقدين الماضيين بمساعدة المجتمع الدولي والمؤسسات المعنية بشؤونها وحقوق الإنسان، بعدما سيطرت حركة "طالبان" على الحكم في كابول في أغسطس/ آب الماضي.
ألغت الحركة منذ أن استعادت السلطة كل الكيانات المعنية بحقوق النساء، وعلى رأسها وزارة شؤون النساء ولجنة حقوق الإنسان الوطنية اللتان اعتبر الاهتمام بشؤون النساء أولوية بالنسبة إليهما. كما مُنعت النساء من العمل في الدوائر الحكومية، وجرى التضييق عليهن في مجالات اجتماعية مختلفة. وترافق ذلك مع إغلاق كل المؤسسات الدولية، بعدما كانت توفر فرص عمل لآلاف من النساء اللواتي كن يحصلن على أموال لتأمين قوت معيشتهن ومواجهة الأحوال الاقتصادية الصعبة وغير المستقرة في البلاد.
وبين المشاكل التي تواجهها الأفغانيات هذه الأيام، القلق المتزايد من تصاعد حوادث قتلهن على أيدي ذويهن، وكان أكثرها بشاعة قتل أب تسعة من أعضاء أسرته، بينهم زوجتاه وبناته وأبناؤه، في 13 يونيو/ حزيران الماضي، بسبب مشاكل أسرية بحسب ما أظهرت التحقيقات التي أجرتها شرطة مدينة زرنج عاصمة ولاية نيمروز، والتي أكدت فرار الجاني الذي ارتكب جريمته في مكانين مختلفين.
وفي تفاصيل القصة التي رواها الناطق باسم شرطة ولاية نيمروز بهرام حقمل، لـ"العربي الجديد": "قتل رجل زوجتيه وأبناءه وبناته بسبب مشاكل أسرية، وكانت الزوجة الأولى تسكن مع أولادها في منزل في ضواحي مدينة زرنج، والثانية في منزل آخر، ثم لاذ بالفرار، وقوات طالبان تلاحقه وستصل إليه".
وقالت مصادر قبلية إن "سبب الجريمة كان رفض الزوجتين قبول زواج الرجل من امرأة ثالثة، ما دفعه إلى قتل كل أفراد أسرته، لكن حقمل نفى علمه بهذا الموضوع، وأعلن أنه ينتظر ما سيقوله الجاني الهارب بعد إلقاء القبض عليه.
أيضاً، قتل رجل زوجته بسبب مشاكل أسرية في ولاية سمنغان (شمال) في 21 يونيو/ حزيران الماضي، في نموذج آخر لحالات العنف الأسري وأحداث القتل المتواصلة للنساء على أيدي الرجال. والأكيد أن الحوادث كثيرة، لكنها لا تكشف إلى العلن لأسباب كثيرة، أهمها النظام القبلي الذي يتعمد إخفاء هذه الأحداث لأن الأعراف السائدة في أفغانستان لا تسمح بذلك.
يقول الزعيم القبلي بلال شهريار، من ولاية خوست (جنوب)، لـ"العربي الجديد": تتعدد أسباب تصاعد حوادث قتل النساء والعنف الأسري، ومعظمها متجذرة في المجتمع، لكن الوضع المعيشي السائد ذو تداعيات كبيرة أيضاً، إذ إن البطالة المستشرية والوضع الاقتصادي العام السيئ يؤثران على حياة الرجل، وبالتالي حياة المرأة، فالرجل العاطل من العمل يواجه ضغوطاً كبيراً يظهر جزء كبير منها داخل المنزل.
يضيف: "تتحمل الزعامة القبلية مسؤولية كبيرة. كان الظن السائد أن الزعامة القبلية عقبة كبيرة في وجه تعليم المرأة وتثقفيها، وهو زعم صحيح إلى حدّ ما، لكن الوقت حان حالياً كي تلعب الزعامة القبلية دورها في هذه الفترة العصيبة والحساسة، وتثبت حركة طالبان أيضاً تغيّر سياساتها التي حرمت المرأة من حقوق كثيرة خلال الحقبات السابقة، لا سيما على صعيدي التعليم والعمل، وإلا سيتفاقم الوضع، وتزداد معاناة المرأة وضعفها اللذان لا يجلبان ثماراً جيدة للمجتمع. والقضية اليوم تتعلق بمستقبل شعب".
وتقول الناشطة الاجتماعية نويده أشرف لـ"العربي الجديد": "استمرار كون المرأة ضحية للوضع المعيشي الصعب وقيود الأعراف والتقاليد والأساليب السيئة في تعامل الرجال معها لن يجلب أي فوائد. والزعامة القبلية تلعب دوراً كبيراً في فرض القيود الاجتماعية على المرأة، من هنا نطالب علماء الدين والمسؤولين في حكومة طالبان بأن يرحموا هذه الشريحة المظلومة منذ عقود طويلة، ويمنحوها حقوقها بحسب شريعة الإسلام. وقعت المرأة حقاً ضحية الأعراف والتجاذبات السياسية والقومية في البلاد، وهي بالتالي مظلومة، حتى من المجتمع الدولي الذي صرف أموالاً طائلة على المشاريع الإنسانية، لكنه لم يفعل الكثير للمرأة تحديداً. ولا يمكن إنكار واقع حصول تحسن نسبي في أوضاع النساء، لكنه تلاشى إلى حد كبير بعد وصول طالبان إلى السلطة، بسبب معاملة هذه الشريحة بظلم كبير وتصرفات سيئة لا حدود لها".
وفي شأن دور الحكومة الحالية، يقول الناطق باسم حركة "طالبان" إنعام الله سمنغاني، وهو عضو في اللجنة الثقافية للحكومة أيضاً، لـ"العربي الجديد": "تملك الحكومة خططاً، وتفعل كل ما تستطيع لاستئصال جذور كل الأعمال الجنائية أكانت ضد المرأة أم الرجل، وتؤكد أنها تضمن إعطاء المرأة حقها بحسب الشريعة الإسلامية".