أثّر سقوط الحكومة الديمقراطية واستعادة حركة طالبان الحكم في أفغانستان منتصف أغسطس/ آب 2021، على أساليب عيش جميع المواطنين، ومحاولات حل مشاكل أولئك المنتمين إلى الفئات المعوزة والضعيفة، وبينهم مدمنو المخدرات الذين كان يقدر عددهم بثلاثة ملايين، مع ترجيح أن يزداد عددهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة جداً حينها.
وكانت أفغانستان تضم 69 مركزاً ومستشفى لمعالجة الإدمان، فيما خططت الأمم المتحدة لإنشاء 5 مراكز إضافية قبل أن تتغيّر الأوضاع، وتتدهور المراكز العاملة في شكل كبير، بتأثير توقف المساعدات الدولية التي جعلت معالجة هؤلاء المرضى أمراً متعثراً.
وعموماً، تتعدد مشاكل القطاع الصحي في أفغانستان، وهي في ارتفاع مطرد، ما يجعل المواطنين يقعون ضحية القيود التي يفرضها المجتمع الدولي على حكومة طالبان. ولا يتعلق الأمر بمستشفيات العاصمة كابول وحدها، بل يشمل الولايات الأفغانية، التي كان القطاع الصحي فيها يعاني من جراء التهميش المستمر خلال الحكومات المتعاقبة في الماضي. وتعاني الكثير من المستشفيات في الولايات من نقص في الكادر الطبي والأدوية والمعدات الطبية، فيما أغلقت بعض المستشفيات أبوابها.
وأغلق المستشفى الخاص الذي يستقبل مرضى كوفيد-19 في مدينة ترينكوت، عاصمة ولاية أورزجان الجنوبية، بسبب مشاكل مالية. وكان المستشفى قد بدأ العمل في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي نتيجة التعاون المنسق بين وزارة الصحة وبعض المؤسسات الدولية. لكن بسبب توقف أعمال تلك المؤسسات وعدم تمكن وزارة الصحة من تقديم العون اللازم، أغلق المستشفى أبوابه.
يقول مسؤول رفض كشف اسمه في مركز لمعالجة مدمني مخدرات بالعاصمة كابول لـ"العربي الجديد": "يخالف ما تنفذه حكومة طالبان حالياً عبر جمع المدمنين ووضعهم في مراكز علاج كل المعايير الطبية، فهي تجلب المدمنين تحت تهديد السلاح، وتدخل حوالى ألف منهم أو أكثر مركز العلاج دفعة واحدة، في حين لا يستطيع هذا المركز علاج أكثر من 300 مريض. كما يتعرض المدمنون لضرب وعنف شديد لمعاقبتهم على تناول المخدرات، ما يشكل طريقة غير إنسانية وغير صحية في التعامل معهم، وتخلّف آثاراً نفسية سلبية كبيرة لدى المدمنين الذي يكرهون أصلاً الذهاب إلى مراكز علاج".
يضيف المسؤول نفسه: "نفذت حكومة طالبان خلال الأشهر الثلاثة الماضية حملات عدة لجمع مدمني المخدرات من مختلف مناطق العاصمة كابول، وأوقفت أكثر من ألفين منهم، ونقلتهم إلى مراكز علاج تعاني من شحّ في المعدات الطبية والأدوية. وأبقي كل مريض نحو 35 يوماً، حيث منعوا من تناول المخدرات، ثم نقلوا إلى منازلهم، لكن جميعهم عادوا إلى الإدمان".
وحول وضع مراكز معالجة مدمني المخدرات، ومشاكلها، يقول رئيس مشروع معالجة مدمني المخدرات، نور الأمين زلمل، إن "حكومة طالبان تبذل قصارى جهدها من أجل الحصول على تمويل مالي لمراكز العلاج، وتسعى في مرحلة أولى إلى الحصول على ميزانية لتأمين رواتب العمال والموظفين كي يستطيعوا مزاولة العمل واستئنافه في شكل طبيعي".
وعموماً، لا تعاني العاصمة كابول وحدها من ارتفاع عدد مدمني المخدرات، بل يشمل ذلك مدينة جلال آباد الأكبر على الحدود مع باكستان، وتضم معبر طورخم التجاري الحدودي بين البلدين. ويشكو سكان هذه المدينة من زيادة عدد مدمني المخدرات، وتنفيذهم أعمال سرقة في الشوارع والمحلات التجارية. وهم يطالبون الإدارة المحلية والحكومة المركزية بالاهتمام بقضية تزايد مدمني المخدرات، ومعالجة أسبابها، وعلى رأسها وجود عدد كبير من الشبان العاطلين من العمل الذين يواجهون ضغوطاً حياتية ومعيشية كبيرة، ويتوهمون بالتالي بأن إدمان المخدرات يجعلهم يهربون من هذه المشاكل.
ومثلاً، كان محمد رسول خان يبيع فواكه على عربة صغيرة قرب منزله في مدينة جلال آباد، قبل أن يواجه في الأيام الأخيرة ضغوطاً كبيرة بسبب ظروف أسرية ومعيشية قادته إلى الإدمان من خلال معاشرته رفاق سوء. ويقول محمد مبين خان، شقيق محمد رسول، لـ"العربي الجديد": "باتت كل حياة أسرتنا مدمرة بسبب إدمان أخي. أخذناه مرات إلى مركز علاج كان يبقيه لديه فترات قليلة قبل أن يعيده إلى المنزل حيث يستعيد عاداته في ظل افتقاد إمكانات توفير احتياجات علاجه من أدوية وغذاء". ويوضح أن أخاه كان رجلاً جيداً، لكن الأحوال المعيشية والضغوط المنزلية والمشاكل الكثيرة لعائلته جعلته يلتحق بصفوف المدمنين.
وكانت الأرقام الأخيرة التي أصدرتها وزارة مكافحة المخدرات قبل انهيار الحكومة الديمقراطية وسيطرة حركة طالبان على كابول في أغسطس/ آب 2021، تحدثت عن وجود 3 ملايين مدمن مخدرات في أفغانستان، بينهم 800 امرأة و100 ألف طفل. وأوضحت حينها أن هذه الأرقام تتصاعد رغم الاهتمام الكبير الذي يبديه المجتمع الدولي والإدارات المعنية بالقضية. كذلك أوضحت الوزارة حينها أن 500 من هؤلاء المدمنين على حافة الموت بعدما خسروا صحتهم بالكامل، ويقضون أوقاتهم في الشوارع وتحت الجسور، بينما لا يزال آخرون يأملون في الحياة، ويمكن أن يخرجهم المجتمع الدولي من المأزق من خلال مساعدة الإدارات المعنية بأوضاعهم.