هرب عدد كبير من المتخصصين من أفغانستان بعد سيطرة حركة "طالبان" على الحكم صيف عام 2021، ولم تتخذ الحركة أي إجراءات حاسمة لإعادتهم في حين تواجه مشاكل في تسيير أمور مجالات مهنية كثيرة.
من بين المشاكل الكثيرة التي تواجهها الإدارات الحكومية وغير الحكومية في أفغانستان بعد سيطرة حركة "طالبان" على الحكم في أغسطس/ آب 2021، شحّ المهنيين المتخصصين في مجالات عدة بتأثير خروج عدد كبير منهم بسبب عدم اقتناعهم بأن الأجواء السائدة مناسبة لهم، وتوفير دول أوروبية وغير أوروبية فرصاً لاستقبالهم من أجل الإفادة من كفاءاتهم وخبراتهم. أيضاً زادت قيود "طالبان" على النساء، خصوصاً في مجال التعليم، مشكلة افتقاد المتخصصين لأنهن كن يشكلن جزءاً مهماً منهم.
وفي الأشهر الأخيرة، دعت "طالبان" عدة مرات المتخصصين إلى العودة إلى أفغانستان، ووعدت بتوفير كل ما يحتاجون إليه، لكنها لم تلقَ استجابة كبيرة بسبب الوضع السائد في أفغانستان، وواقع عيشهم برفاهية خارج البلاد.
يقول محمد رمضان، المتخصص في الهندسة المعمارية الذي يعيش في باكستان، ويحاول الانتقال مع عائلته إلى دولة أوروبية، لـ"العربي الجديد": "أواجه مشاكل كثيرة في باكستان التي لا أعلم متى سأغادرها لتحقيق الهدف الأساس في العيش بأمن وأمان، وأنا أحب بلادي، وعندما أسمع دعوات طالبان أفكر في العودة كي أعيش إلى جانب أفراد أسرتي وأقاربي، لكنني أخشى في الوقت نفسه أن تتدهور الأوضاع في أفغانستان مجدداً، وأنا لا أريد أن أهدر الفرصة الحالية المتاحة لي في ظل وجودي في الخارج لمحاولة تحسين أوضاعي، لذا سأبقى في باكستان حتى تسنح لي فرصة مناسبة للخروج إلى بلد أوروبي أو غير أوروبي، وبعدها سأنتظر حتى يتحسن الوضع في أفغانستان، وآمل في أن تبقى بلادي آمنة كما هي الآن، وأن تغيّر طالبان سياساتها مع النساء خصوصاً في ما يتعلق بموضوع حصولهن على تعليم فهذا الأمر سيلعب دوراً مهماً في تحسين أحوال البلاد باعتبار أن النساء يلعبن دوراً فاعلاً في مجالات حيوية عدة، ما سيخفف الكثير من الأعباء على الرجال خاصة في مجالات الصحة والتعليم والأمن".
يتابع: "لا تزال طالبان تفكر بأنه لا يحق للنساء أن يتعلمن أو يعملن، لكنني أشدد على أنها يجب أن تغيّر سياستها تجاههن عاجلاً أم آجلاً إذا أرادت أن تحكم أفغانستان فترة طويلة. نعترف بأن أفغانستان لم تسر إلى الأوضاع السيئة التي كنا نخشاها بعدما استعادت طالبان الحكم، وأن الأحوال أفضل على الصعيدين الأمني والاقتصادي، لكن المتخصصين لا يزالون يواجهون مشاكل في الاهتمام بهم".
في تقرير سابق، قالت الناشطة الأفغانية زرلشت عابدي لـ"العربي الجديد": "يبدو جلياً أن طالبان لا تؤمن بضرورة التعليم الجامعي ولا حتى المدرسي للفتيات، لذا تلتزم الحكومة الصمت في شأن المسألة، وتؤجلها بلا مبرر. قالت طالبان في البداية إنها تعمل لوضع آلية تناسب الوضع السائد وتتوافق مع الشريعة الإسلامية والأعراف الأفغانية، لكن بعد فترة توقف جميع مسؤوليها عن الحديث حول أي آلية لفتح المدارس والجامعات أمام البنات، ما يشير إلى أن القرار بات دائماً".
أضافت: "أسلوب تعامل طالبان مع النساء عموماً والطالبات خصوصاً يلحق الظلم بكل الشعب الأفغاني، فالنساء نصف المجتمع، والعقدان الأخيران شهدا نقلة نوعية على صعيد تعليم النساء، ليتحول قرار طالبان بمنع الفتيات من التعليم المدرسي فوق الصف السادس، ومن التعليم الجامعي بالكامل إلى كارثة تربوية ومجتمعية، ويذهب كل التطور الذي شهده قطاع التعليم أدراج الرياح".
وكانت إدارة الغذاء والدواء الوطنية أجرت امتحانات عدة لتعيين أشخاص أكفاء في وظائف شاغرة بمجالي الغذاء والدواء، لكنها لم تثمر في الحصول على عدد كافٍ من المتخصصين. وقال رئيس الإدارة الدكتور عبد الباري عمري في 9 يناير/ كانون الثاني الجاري: "أجرينا امتحانات كثيرة للحصول على متخصصين في مئات الوظائف الشاغرة، لكننا لم نوظف أكثر من عشرة متخصصين، وهذه مشكلة كبيرة".
وحمّل عمري الحكومات السابقة مسؤولية هذا الوضع، "فهي لم تعمل في شكل مناسب رغم أنها امتلكت كل الإمكانات والوسائل والأموال، كما هرب عدد كبير من المتخصصين من البلاد بعدما سيطرت طالبان على أفغانستان".
وفي شأن الحلول قال عمري: "يجب الاهتمام بالتعليم والتخصصات في مختلف المجالات، ونتعهد بالعمل في شكل متواصل وبذل جهود كبيرة لمعالجة هذه المعضلة، وحكومة طالبان تدعو المتخصصين الذين يتواجدون خارج أفغانستان إلى العودة إلى البلاد، وتعدهم بتوفير كل الإمكانات اللازمة لهم".
من جهتها، وجهت إدارة التخصصات في وزارة التعليم العالي نداءً إلى المتخصصين الذين خرجوا من البلاد بالعودة إلى أفغانستان، وتعهدت منحهم الوظائف نفسها التي تركوها حين خرجوا من البلاد. وقال رئيس الإدارة الملا غلام حيدر شهامت، في بيان صحافي أصدره في 12 يناير الجاري: "تدعو حكومة طالبان وإدارة التخصصات العلمية تحديداً متخرجي الاختصاصات المختلفة إلى العودة، وهي ستتكفل بتوفير فرص عمل لهم، وتضمن حقوقهم المالية". وأشار إلى أن إحصاءات الإدارة تكشف أن 10 آلاف متخصص تخرجوا في 11 مجالاً مهنياً العام الماضي.
ويرى مراقبون أن عملية إجلاء الأفغان من باكستان قد تؤثر إيجاباً في موضوع شحّ المتخصصين، لأن كثيرين منهم يعملون منذ سنوات في باكستان، وإذا خرجوا منها فسيعودون إلى أفغانستان وينضمون إلى قطاع المتخصصين ما ينعكس إيجاباً على موضوع شحّ المتخصصين.