تنعكس الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها لبنان على سكان مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وعلى أشغالهم فيها. وفي مخيم عين الحلوة الواقع في مدينة صيدا، جنوبي لبنان، يشكو الباعة من تدهور أوضاعهم. ليلى أحمد خليفة واحدة من هؤلاء، وهي لبنانية من الجنوب تقيم في مخيم عين الحلوة منذ 40 عاماً وتعتاش ممّا تبيعه من خضراوات. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الأسعار مرتفعة وهي إلى مزيد من الارتفاع، ولا نعرف كيف سيواجه الناس ذلك في شهر رمضان الذي اقترب. أسعار كلّ السلع مرتفعة؛ الخضراوات والدجاج واللحوم"، مشدّدة على أنّ "هذا ظلم كبير، ولم تعد للناس طاقة على تحمّل هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار".
وتشير خليفة إلى أنّ "فقدان سلع ضرورية يدفع التجار إلى رفع أسعارها، تحديداً أسعار الزيت. فعبوة الزيت التي كان تُباع في مقابل 250 ألف ليرة لبنانية (نحو 167 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو 10.5 دولارات بحسب سعر صرف السوق الموازية)، رفع التجار سعرها في هذه الأزمة إلى 500 ألف ليرة، ومن المحتمل أن يرتفع أكثر". وفي الإطار نفسه، تؤكد خليفة أنّ "التجار يحتكرون هذه السلعة بالتحديد. هي متوفّرة عندهم في الأساس، لكنّهم يخفونها بحجة الحرب (الروسية-الأوكرانية)، حتى يبيعوها لاحقاً بأسعار مرتفعة".
من جهته، يعيش أبو يزن في مخيم عين الحلوة، وهو لاجئ فلسطيني تهجّر من مخيم اليرموك في سورية قبل نحو ثمانية أعوام. يقول لـ"العربي الجديد": "منذ عام 2014، أقيم هنا وقد لجأت إلى لبنان بسبب الحرب السورية. في الأساس أعمل في هندسة الديكور، لكنّني اليوم أبيع العطورات والمسابح على بسطة في المخيم". ولا يخفي أبو يزن أنّه "منذ أربعة أيام، لم أبع شيئاً. وهذه هي الحال في غالب الأحيان نتيجة الأزمات المتتالية في لبنان التي أدّت إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية. فهمّ الناس الوحيد اليوم هو تأمين قوت يومهم، بالتالي يحصرون مشترياتهم بالمأكل والمشرب". يضيف أبو يزن أنّ ابنه يعيش معه ومع زوجته في المنزل نفسه، وهو متزوّج بدوره وله ولدان، "فيما أنا المعيل الوحيد. فابني لا يعمل، لذا أسدّد أنا بدل إيجار البيت وفاتور اشتراك مولد الكهرباء البديلة (مع انقطاع التيار الكهربائي شبه الدائم في لبنان) وغيرها من الفواتير"، من دون أن ينسى الإشارة إلى "تكلفة قارورة الغاز التي بات سعرها 350 ألف ليرة (نحو 234 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو 14.9 دولارا بحسب سعر صرف السوق الموازية)".
ويؤكد أبو يزن أنّه "لم نعد نستطيع شراء اللحمة (لحوم المواشي) والدجاج... حتى الخبز بالكاد نستطيع شراءه"، مشيراً إلى أنّه "لا أظنّ أنّنا سنكون بخير في شهر رمضان. ليس في استطاعتنا حتى إعداد طبق الفتّوش الذي يُعَدّه الناس أساسياً على مائدة الإفطار". ويتساءل: "إذا كان سعر كيلوغرام الخيار اليوم 25 ألفاً، فكم يصير في شهر رمضان؟ وهذا يندرج على كلّ الأصناف الأخرى من الخضراوات، وغيرها من السلع. أمّا حلويات رمضان فسوف نشتهيها هذا العام، لكنّنا لم نتمكّن من القيام بأيّ شيء... الأسعار مرتفعة جداً حتى إعدادها وليس في إمكاننا حتى تحضيرها في المنزل". ويلفت أبو يزن إلى أنّ "ثمّة مؤسسات خيرية تنشط في شهر رمضان وتساعد المحتاجين، فتوزّع بعض المواد التموينية والخبز عليهم. قد لا يكفي ذلك احتياجات الناس، لكنّه يبقى مهماً".
أمّا بائع الخضار محمود المصري، أبو فايز، فهو لاجئ فلسطيني من بير السبع في فلسطين ومن سكان مخيم عين الحلوة، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الوضع الاقتصادي سيئ جداً، ولا أظنّ أنّ الناس في شهر رمضان سوف يتمكّنون من إعداد الأطباق التي كانوا يعدّونها في السابق. فصحن الفتّوش الواحد قد يكلّف أكثر من ثلاثين ألف ليرة (نحو 20 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو 1.27 دولار بحسب سعر صرف السوق الموازية). ومن لديه عائلة، ماذا يفعل؟ هذا الصحن لن يكفيه، وسوف يمتنع بالتأكيد عن إعداده وسط ارتفاع أسعار الخضراوات". يضيف أبو فايز: "يريد الناس أن يعيشوا حياة كريمة، لكنّهم سوف يمضون شهر رمضان وغيره من الأشهر بالقلّة، على الرغم من أنّ لشهر رمضان خصوصيته ومتطلباته".
أبو محمد لاجئ فلسطيني من بلدة السميرية في فلسطين ومن سكان مخيم عين الحلوة، يعمل في بيع الخضراوات منذ سنوات طويلة. يقول لـ"العربي الجديد": "لم يعد في استطاعتنا وضع أرباح عالية على أصناف الخضروات، لأنّ الناس غير قادرين على تحمّل ارتفاع الأسعار. فأنا أعمل لساعات طويلة وبالكاد أستطيع تأمين قوت يومي". يضيف أبو محمد: "صحيح أنّني مرتاح أكثر من غيري، لكنّني لا أستطيع ادّخار أيّ مبلغ. فأنا أعيل ولدَيّ وزوجتي وأمي، ونعيش ممّا أبيعه"، لافتاً إلى أنّه "في الوقت نفسه، يساعدني في مصاريفي إخوتي الذين يعيشون في خارج لبنان والذين يرسلون لي شهرياً مبلغاً من المال". بالنسبة إليه، فإنّ "الوضع سيّئ جداً، خصوصاً لمن ليس لديه من يدعمه من خارج لبنان، ولمن لا يتقاضى راتباً ثابتاً من المنظمات الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك أونروا (وكالة الأمم المتحدة للاجئين لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) لأنّ الرواتب التي توفّرها هذه المؤسسات هي بالدولار الأميركي".