يعد الأردن متضرراً رئيسياً من قرار عدد من الدول وقف تمويل وكالة "أونروا"، فتوقف الخدمات يعني مزيداً من المعاناة للاجئين الفلسطينيين، ومعناه أيضاً البحث عن جهة أخرى تتحمل عبء التعليم والخدمات الصحية والإغاثية المقدمة لهم.
ويعيش في الأردن نحو 40 في المائة من مجموع اللاجئين الفلسطينيين، ويستفيدون من خدمات الحكومة الأردنية في مجالات الأمن والقضاء، وأعداد كبيرة من أبناء اللاجئين تستفيد من خدمات التعليم الحكومي، كما يستفيدون من الخدمات الصحية في المراكز والمستشفيات العامة، ومن التأمين الصحي.
وهناك عشرة مخيمات معترف بها من قبل وكالة "أونروا"، هي مخيم إربد، مخيم البقعة، مخيم الحصن، مخيم الزرقاء، مخيم الطالبية، مخيم جبل الحسين، مخيم جرش، مخيم سوف، مخيم عمان الجديدة، مخيم ماركا، فضلاً عن 3 مخيمات غير رسمية، ويعيش آخرون بالقرب من تلك المخيمات، ومعظم من ينحدرون من أصول فلسطينية يتمتعون بالجنسية الأردنية، ما يجعل الأردن البلد الوحيد الذي قام بعملية دمج كاملة للاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، باستثناء 150 ألف لاجئ أصلهم من قطاع غزة، لكنهم يحملون جوازات سفر أردنية مؤقتة لا تخولهم حق المواطنة الكاملة.
يؤكد مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية في الأردن (حكومية) رفيق خرفان، لـ"العربي الجديد"، أن "قرار وقف تمويل أونروا الذي أعلنته دول غربية يعد كارثة، وسيعيق تقديم الخدمات الأساسية التي تمس حياة اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في مجالات التعليم والصحة والإغاثة. حسب إحصاءات أونروا، لدينا نحو 2,5 مليون لاجئ فلسطيني، ونحو 5900 موظف في الأردن، و161 مدرسة يدرس فيها نحو 120 ألف طالب، وهناك نحو 25 مركزاً صحياً تابعاً للوكالة تقدم خدماتها للاجئين، فيما تقدم خدمات الإغاثة والمساعدات لنحو 59 ألف لاجئ بشكل مباشر، والميزانية السنوية للوكالة في الأردن تتراوح بين 145 مليون دولار و150 مليوناً".
الأردن البلد الوحيد الذي قام بعملية دمج كاملة للاجئين الفلسطينيين
ويوضح خرفان: "إذا توقف التمويل فستكون لدينا مشكلة كبيرة خلال الأشهر المقبلة، وهذا يعني توقف الرواتب عن العاملين، وصعوبة تقديم الخدمات، إضافة إلى الأثر النفسي والمعنوي على اللاجئ الفلسطيني الذي سيشعر باليأس والغضب، وكل هذا سينعكس على استقرار المنطقة ككل، واستقرار الدول المضيفة".
يتابع: "يتحمل الأردن وفق الإحصاءات الحكومية نحو مليار دينار (1.4 مليار دولار) سنوياً كخدمات مباشرة وغير مباشرة تقدم للاجئين الفلسطينيين، فنحو 90 في المائة من اللاجئين يحملون الرقم الوطني الأردني، ويحصلون على كل الخدمات التي يحصل عليها المواطن الأردني، وهذا المبلغ أكبر مما تنفقه أونروا في مناطق عملياتها الخمس. قطع التمويل خطير، فوكالة أونروا مهمة في جميع المناطق، وبالذات في غزة، ونأمل أن تثمر الجهود التي تبذل في استمرار تمويل الوكالة".
يخشى محمد محمود من مخيم البقعة، أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في الأردن، من تدهور مستوى الخدمات المقدمة من قبل وكالة "أونروا"، مذكراً بتدهور مستوى الخدمات بعد قرار الإدارة الأميركية قبل أعوام تقليص قيمة الدعم للوكالة، ما رافقه تسريح موظفين، وإلغاء نظام العمل الإضافي وغيرها.
ويقول محمود لـ"العربي الجديد" إن أطفاله يدرسون في مدارس الوكالة، وهناك مطالب دائمة بتحسين البيئة الدراسية لمواجهة تحديات متراكمة لم يستطع الدعم المالي الدولي تذليلها في السابق، لكنّ هناك تهديداً جدياً لهذه الخدمات حالياً، موضحاً أن "هناك تحديات كبيرة تواجه خدمات التعليم في المخيمات، من بينها المباني المستأجرة، والاكتظاظ الصفيّ، ونظام الفترتين. وقف تمويل الوكالة يهدف إلى إلغائها، وهي شاهد على لجوء الشعب الفلسطيني، وعلى تمسك الفلسطينيين بحق العودة إلى وطنهم".
تعليق التمويل سيؤدي إلى تقليص كثير من الخدمات الصحية والتعليمية
لدى اللاجئة الفلسطينية فاطمة حسن أربعة أطفال في مدارس الوكالة، وتقول لـ"العربي الجديد" إن "وقف التمويل يهدد مختلف الخدمات، خاصة التعليم، فواقع التعليم يتراجع طيلة السنوات الماضية، ومخيم البقعة بحاجة إلى مدارس أكثر نظراً إلى زيادة عدد سكانه الذي يفوق 100 ألف نسمة، وتواجه مدارس الوكالة أشكالاً مختلفة من التحديات، كالاكتظاظ، ونظام الفترتين ونقص المعدات والقرطاسيّة، وتهالك الأثاث المدرسيّ، فضلا عن عدم تعبئة شواغر التعيينات والاكتفاء بالمدرسين البدلاء".
وتضيف حسن: "المفروض أن يزيد التمويل حتى تتمكن الوكالة من تقديم خدماتها للاجئين، لكن دول العالم التي تدعم قتل أهلنا في غزة لا تملك مشاعر إنسانية، وتحاول الضغط على الشعب الفلسطيني خدمة للاحتلال، وسط سعي دائم لإجبار الفلسطينيين على التخلي عن حق العودة".
ويقول اللاجئ أحمد الدبس، لـ"العربي الجديد"، إن "وقف التمويل سيفاقم المشاكل الخدمية التي تعاني منها المخيمات، فالعديد من الشوارع بحاجة إلى إعادة تعبيد، ما يسبب الكثير من الحوادث وأزمات السير، وتعاني المراكز الصحية من مشكلة الاكتظاظ، وفي كل مرة أذهب فيها إلى المركز، أقضي أكثر من ساعة حتى أتمكن من مراجعة الطبيب، كما نعاني من نقص الأدوية، ما يضطرنا رغم الظروف المادية الصعبة إلى الشراء من صيدليات القطاع الخاص".
ويلفت الدبس إلى وجود عائلات كثيرة تحصل على معونات غذائية، وهي عائلات أوضاعها المادية متردية وصعبة، ووقف التمويل سيحرم هذه العائلات من الحصول على حاجتها من الطعام، موضحاً أن "وقف تمويل الوكالة بسبب اتهام عدد قليل من موظفيها بالمشاركة في طوفان الأقصى هي حجة لإغلاق الوكالة، والغرب الاستعماري مستمر في سياسته الداعمة للاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني".
ويؤكد خالد جوهر أنّ "وكالة الغوث تعاني منذ سنوات من عجز مالي متفاقم، وأن قرار تعليق التمويل سيؤدي إلى مزيد من تقليص الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، كما أن عدم زيادة رواتب موظفي الوكالة بما يتناسب مع غلاء المعيشة أدى إلى تآكل القيمة الشرائية للرواتب، وجعل الوكالة بيئة طاردة للخبرات، الأمر الذي ينعكس سلباً على حياة اللاجئين، ويتسبب في تدني مستوى التحصيل الدراسي للطلبة بعد أن كانت مدارس وكالة الغوث رائدة بين مدارس الأردن، وقد انخفض المستوى بسبب المعلمين البدلاء، وعدم التعيين بحجة العجز المالي. وقف التمويل يعني انضمام نحو 6000 عامل في مؤسسات الوكالة إلى صفوف العاطلين، وسينعكس ذلك سلباً على عائلاتهم".
بدوره، يقول الناشط في الدفاع عن حق العودة نمر أبو غنيم، لـ"العربي الجديد"، إن وقف التمويل يهدف إلى تصفية الوكالة، وبالتالي إغلاق ملف العودة كقضية سياسية وطنية، وتحويلها إلى مأساة إنسانية. ويوضح: "إذا نفذت الدول المانحة قرار تعليق التبرعات، فإنها ستكون قد انتهكت بصورة متعمدة اتفاقيات وقوانين حقوق الإنسان، وألحقت الكثير من الأذى بالشعب الفلسطيني الذي يعتمد بصورة مباشرة على خدمات الوكالة، كما يعتبر هذا أيضاً تمرداً على قرار محكمة العدل الدولية بتوفير الظروف لتقديم الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية لمعالجة الظروف السيئة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة".
ويقول الناشط والأكاديمي موسى العزة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "وكالة الغوث تعاني منذ نشأتها في عام 1949 من انعدام الاستقرار المالي أسوة ببقية منظمات الأمم المتحدة، كونها تعتمد في ميزانيتها على تبرعات المانحين، وهذا الأمر يرجع إلى قرار سياسي لخلق حالة من عدم الاستقرار لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين، وجعلهم تحت وطأة الضغوط والأزمات من أجل تمرير تسوية على حساب حقهم في العودة وتقرير المصير".
ويضيف: "الوكالة شاهد على نكبة الشعب الفلسطيني ومأساته الإنسانية، وأصبح وجودها يؤرق أعداءه، لذا فإنهم يمارسون ضغوطاً كبيرة لمنع تمويلها بهدف تصفيتها، وتحويل قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وبالتالي إغلاق الملف الذي عجز العالم عن حله عبر تطبيق قرارات الأمم المتحدة، ومن هذا المنطلق، أوقفت إدارة ترامب مساهمتها في ميزانية الوكالة بحجة الفساد الإداري والمالي، ما خلق أزمة كادت تعصف بوجودها. القرار الجديد يعتمد على مزاعم الاحتلال بحق 12 موظفاً من أصل 30 ألفاً، وهو اتهام لم تثبت صحته عبر تحقيق شامل أمام هيئة قضائية مستقلة، ومعاقبة الوكالة كلها غير مبرر أخلاقياً ولا سياسياً".