يخشى الغزيون بشكل خاص والفلسطينيون بشكل عام قطع التمويل عن أونروا وبالتالي احتمال توقف الخدمات الصحية والتعليمية والمساعدات الغذائية التي تتكل عليها النسبة الأكبر من اللاجئين، ما يعني الموت البطيء.
مع اقتراب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من الشهر الرابع على التوالي، لا تزال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" مستمرة في تقديم الإغاثة والمساعدات الغذائية والصحية، هي التي تعمل وسط ظروف صعبة ودعم محدود من دول العالم، وخصوصاً بعد إعلان عدد من الدول التوقف عن تمويلها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.
بالإضافة إلى حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة، يحاول الاحتلال الإسرائيلي تحقيق هدف يسعى إليه منذ سنوات، وهو تدمير أونروا، هي التي تأسست بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام التالي لنكبة فلسطين أي عام 1949، وبدأت عملها عام 1950. وكانت تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750.000 لاجئ فلسطيني، وتوثّق ذكريات وتفاصيل مراحل اللجوء وحق العودة.
وعاماً بعد عام، زاد ارتباط اللاجئين الفلسطينيين بوكالة أونروا التي تقدم العديد من المساعدات والخدمات، على رأسها المساعدات الغذائية وخدمات التعليم والصحة. لكنهم في الوقت الحالي، يواجهون خطراً حقيقياً بعدما جمدت 14 دولة حول العالم دعمها لأونروا بسبب ادعاءات أميركية وإسرائيلية بتورط عاملين فيها بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية أكبر جهة مانحة في عام 2013، وتجاوزت منحها مبلغ 130 مليون دولار، وبعدها الاتحاد الأوروبي الذي منح أكثر من 106 ملايين دولار. وشكلت تلك التبرعات حوالى 45 في المائة من إجمالي الواردات التي حصلت عليها أونروا.
تقدم أونروا المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسورية وقطاع غزة والضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية). وتدعم نحو 6 ملايين لاجئ في مختلف المجالات، منها التعليم والصحة والمساعدات الإنسانية، وتحفظ سجلاتهم وبياناتهم والقرى التي هُجّروا منها. وفي قطاع غزة، تقدم مساعدات حالياً لحوالى مليوني غزي. ويعتمد أكثر من نصف سكان غزة على خدمات أونروا، إذ تشكل نسبة اللاجئين في القطاع أكثر من 60 في المائة من تعداد السكان، ما يعادل حوالى مليون ونصف المليون لاجئ مسجلين مع أونروا، ويدرس منهم 286.645 طالباً في المرحلتين الابتدائية والإعدادية في 183 مدرسة تابعة لها.
قبل بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وصل عدد المستفيدين من المساعدات الغذائية إلى مليون و200 ألف غزي. وتعد برامج الصحة والتعليم والغذاء من المتطلبات الأساسية للاجئين في غزة، بل هي شريان الحياة، بحسب النازح إحسان المدهون (21 عاماً)، الذي تعتمد أسرته على جميع الخدمات التي تقدمها أونروا.
المدهون طالب جامعي كان يدرس في كلية مجتمع تدريب غزة التابعة لأونروا تخصص البرمجيات، وتحصل أسرته على مساعدات غذائية وخدمات صحية. يقول لـ "العربي الجديد": "الورقة الوحيدة التي نحملها كتب عليها اسم المدينة التي هُجرنا منها، وهي بطاقة المؤن كما نسميها في غزة أو بطاقة تسجيل العائلة. منذ أبصرتُ النور، أحصل على العلاج في عيادات أونروا، ولا مؤسسة مثلها. وأدرس في كلية تابعة لها مجاناً بسبب تفوقي".
مساعدات غذائية
وتشكّل الخدمات الغذائية بالنسبة للغزيين، وخصوصاً سكان المخيمات، شريان الحياة. وتمنح أونروا كوبونات صفراء للأسر الكبيرة الممتدة، وأخرى بيضاء للأسر التي لا يتجاوز عدد أفرادها الخمسة، ويحصلون من خلالها على مساعدات دورية كل ثلاثة أشهر، وذلك قبل السابع من أكتوبر.
وتشمل الكابونة الدقيق والبقوليات والزيت وغيرها. وتعد الكابونة مصدر رزق لبعض الباعة الذين يوجدون على مقربة من نقاط توزيع المساعدات، لتبديل البضائع أو بيعها للحصول على المال وتأمين احتياجات أخرى. وتعد هذه المساعدات مصدراً أساسياً للعيش. حتى إن العديد من الأفران تعتمد على الدقيق المزود من أونروا لإعداد الخبز والفطائر والمناقيش وغيرها من المعجنات، كما تقول عبير القرم، وهي من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.
منذ إعلان تعليق دعم أونروا، تشعر القرم بقلق كبير، هي التي تبلغ 60 عاماً من العمر، وتعتمد على مساعدات أونروا، وتعد من خلالها الخبز والفطائر لأحفادها. نزحت إلى إحدى المدارس في مدينة رفح وتنتظر انتهاء العدوان لتعود إلى بيتها في مخيم الشاطئ. لكنها الآن تعيش قلق وصول جيش الاحتلال إلى مدينة رفح وتوقف المساعدات عنهم.
وتقول إنها تعتمد على المساعدات الغذائية والأدوية التي تحصل عليها شهرياً من عيادة مخيم الشاطئ التابعة لأونروا، هي التي تعاني من مرض السكري. تضيف أنها أم لسبعة أبناء، بيهم 4 ذكور ثلاثة منهم عاطلون عن العمل، ويعتمدون بشكل أساسي على مساعدات أونروا وخدمات التعليم والصحة. وتقول لـ "العربي الجديد": "المساس بخدمات التعليم والغذاء والصحة يعني قتلنا في غزة. نحن مشردون الآن. لماذا جاء دور أونروا خلال العدوان؟ العالم لا ينظر إلى غزة بعين الرحمة. أونروا مؤسسة عشنا معها منذ الطفولة. أنا ولدت على يد ممرضة في أونروا قبل 60 عاماً". تضيف: "توقف دعم أونروا وتوقف الخدمات يعني الذل والجوع والمرض والتجهيل. نحن في حالة حرب ولا أحد يستطيع فرض كلمته على الاحتلال وتأمين دخول مساعدات تكفينا. نموت جوعاً والأمراض التي تنتشر في المدارس تفتك بنا. حصلت بصعوبة على علاج مؤخراً".
تاريخ استهداف أونروا
حتى 29 يناير/ كانون الثاني 2024، ارتفع العدد الإجمالي للعاملين في أونروا الذين قتلوا منذ بدء العدوان إلى 152. كما استشهد داخل مراكز الإيواء التابعة لها 372 نازحاً وأصيب 1335 آخرون. وتم الإبلاغ عن 270 حادثة أثرت على مباني أونروا والأشخاص الموجودين داخلها منذ بدء الحرب (بعضها شهد حوادث متعددة أثرت على نفس الموقع)، بما في ذلك ما لا يقل عن 26 حادثة استخدام عسكري و/أو تدخل في منشآت أونروا. وتأثرت 146 منشأة مختلفة تابعة لأونروا جراء تلك الحوادث.
في عام 2009، قصفت مخازنها خلال العدوان الإسرائيلي، كما تعرضت بعض المباني التابعة لها لأضرار خلال عدوان عام 2012، ثم تعرضت لأضرار بالغة في عدوان عام 2014. وأطلقت إسرائيل اتهامات ضدها عام 2013 بسبب اعتمادها المناهج الفلسطينية المعتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم الفلسطينية. إلا أن الوكالة كانت قد أكدت التزامها الثابت بتعليم أطفال اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة وقيمها وبعدم التسامح مع خطاب الكراهية والتحريض على التمييز أو العداء أو العنف. وفي وقت سابق، قال الناطق باسم وكالة أونروا في قطاع غزّة، عدنان أبو حسنة، إنّ التقرير الذي أصدرته منظمة "UN Watch" والذي يزعم وجود 120 من معلمي وموظفي أونروا يحرضون على العنف و"معاداة السامية" هدفه الأساسي هو "سياسي".
وأبرز الحملات ضدها كان في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2017، الذي قرر قطع المساعدات الأميركية، لتعود بشروط قاسية. لكنها في الوقت الحالي، تواجه هجوماً كبيراً من الولايات المتحدة وبعض الدولة الأوروبية تماشياً مع الرواية الإسرائيلية. وتنتقد المناهج التي تشير إلى حق العودة وتندد بالمشروع الصهيوني في فلسطين، واتهام عدد من موظفيها بالمشاركة في طوفان الأقصى، وغير ذلك. ويقول أبو حسنة إن تعليق تمويل أونروا من قبل عدد من الدول التي اعتبرت على مدى سنوات طويلة من أكبر المانحين الدوليين، قد يؤدي إلى انهيار منظومة المساعدات الإنسانية بالكامل في قطاع غزة، بل وفي كافة مناطق عمليات أونروا. ويشدد على أن الدعم المالي للوكالة كان يشكل استقراراً في المنطقة كونها شريان حياة بالنسبة لعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصاً في قطاع غزة. ويشير إلى أن أونروا "تتعرض للضغوط بهدف تصفيتها منذ سنوات. وفي حال عدم استئناف التمويل، لن تتمكن من مواصلة خدماتها وعملياتها بعد نهاية فبراير/ شباط الجاري".
يتابع أبو حسنة أن "أونروا كانت تعاني قبل العدوان الحالي بسبب نقص الدعم ما أثر على خدماتها. الجهات الدولية وبعض القوى تتمنى ألا تكون أونروا حاضرة، لكنها موجودة بقرار أممي والجمعية العامة للأمم المتحدة هي من تملك فقط قرار تعديل وجود أونروا".