رغم أن مظاهر العسكرة كانت حاضرة في الجهاز التعليمي الإسرائيلي منذ عقود، فإنها شهدت خلال السنوات الخمس الماضية طفرة كبيرة، في أعقاب تأكد صنّاع القرار أن تعميق قيم العسكرة بات ضرورة أكثر من أي وقت مضى، لمواجهة تراجع إقبال الشباب على الانخراط في الوحدات العسكرية القتالية.
وتستند البرامج العسكرية المعمول بها في المدارس الإسرائيلية حالياً إلى خطة وضعها رئيس الوزراء السابق نفتالي بنيت، حين كان وزيراً للتعليم، والتي كشف عنها في مطلع 2018، وتهدف إلى توظيف العملية التعليمية، عبر تحديد أنشطة غير منهاجية، في زيادة الدافعية للخدمة العسكرية لدى الطلاب.
وعلى الرغم من أن الخدمة العسكرية في إسرائيل إجبارية، فإن أغلبية الشباب يفضلون الانضمام إلى وحدات غير قتالية، مثل وحدات الحوسبة والاستخبارات، لأن الخدمة فيها لا تنطوي على مخاطر، فضلاً عن كون الضباط والجنود الذين يتسرحون منها يحظون بفرص عمل في شركات التقنية المدنية، والتي تمنح ظروف عمل جيدة وأجوراً أفضل.
وترصد صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن خطة بينت ضمت برامج تهدف إلى إعداد الطلاب للخدمة العسكرية، كما شملت تكثيف زيارات الطلاب للقواعد العسكرية، وإجراء حوارات بين ضباط الجيش وطلاب المدارس حول "التراث القتالي"، فضلاً عن تبني فرق وألوية الجيش مدارس بعينها، وحسب الخطة، فمن بين أذرع الجيش التي اختيرت لتبني المدارس والتواصل مع طلابها، "فرقة غزة"، وهي المسؤولة عن إدارة الجهد الحربي ضد قطاع غزة، ولواء المظليين المسؤول عن عمليات القمع في أرجاء الضفة الغربية، ووحدة الهندسة القتالية المسؤولة عن تدمير المنازل الفلسطينية ومحاصرة المدن والبلدات الفلسطينية، وحرس الحدود الذي يشتهر جنوده بالتنكيل بالشبان الفلسطينيين.
وكانت وزارة التعليم الإسرائيلية تخصص ميزانية قدرها 40 مليون شيكل لتعزيز العلاقة بين المدارس والجيش، لكن بينت قرر مضاعفة الميزانية، بهدف تمويل مزيد من البرامج الهادفة إلى تعميق قيم العسكرة في المدارس. وبناء على الخطة، تستقبل المدارس حالياً المئات من الضباط الذين يجرون حوارات مع الطلاب حول تجاربهم القتالية، وفي الوقت ذاته، يعقد كبار قادة الجيش لقاءات مع إدارات المدارس وطواقم المدرسين، بهدف إقناعهم بتشجيع الطلاب على التوجه للتطوع في الألوية والوحدات القتالية عندما يتجندون.
وضمن الأنشطة التي تعكف عليها وزارة التعليم الإسرائيلية لإعداد الطلاب للخدمة العسكرية "برنامج غدناع"، والذي يجري فيه استيعاب آلاف الطلاب في دورات عسكرية داخل معسكرات وقواعد الجيش. وقد دشّن الجيش بالتعاون مع وزارة التعليم 36 مركزاً لهذا البرنامج الذي يستوعب بشكل خاص طلاب المدارس الثانوية.
في الوقت ذاته، تتواصل مظاهر عسكرة التعليم التي كانت قائمة قبل بدء تطبيق خطة بينت، ومن بينها غرس قيم العسكرة بشكل غير مباشر من خلال الكتب المدرسية، إذ يطرح كتاب الرياضيات للصف الخامس الابتدائي إحدى المسائل الحسابية على النحو التالي: من بين 6340 جندياً مدرباً، طُلب من 2070 الانضمام إلى لواء المظليين، و1745 إلى سلاح المشاة، كم بقي من الجنود؟
ومن بين مظاهر عسكرة التعليم تولى ضباط الجيش بعد تسريحهم من الخدمة مناصب إدارية في جهاز التعليم، وفي إدارة المؤسسات التعليمية. فقد طبقت وزارة التعليم الإسرائيلية مشروع "تسافتا" الذي يهدف إلى تأهيل الضباط المتقاعدين من الجيش والمخابرات للانخراط في سلك التعليم، ومن أشهر الأمثلة الجنرال رون خولدائي، الذي كان قائداً في سلاح الجو، وجرى تعيينه مديراً لإحدى أهم المدارس الثانوية في مدينة "هرتسليا"، قبل أن يصبح رئيساً لبلدية "تل أبيب".
ويرى الباحث في العلاقة بين الجيش والمجتمع، يجيل ليفي، أن ما يشهده النظام التعليمي الإسرائيلي هو عملية "عسكرة" واضحة وصريحة، ويقول في تحليل نشرته صحيفة "هآرتس"، إن الجيش يحاول حل مشكلة تراجع الدافعية للخدمة العسكرية، عبر التدخل في عمل المؤسسات التعليمية، وإملاء برامج تخدم تحقيق هذا الهدف.
ويبدي ليفي استهجانه من عدم اعتراض المؤسسات التعليمية على عسكرة التعليم، خصوصاً بعد أن وصلت الأمور إلى درجة أن وزارة التعليم دفعت مكافآت مالية لطواقم المدارس التي توجه عدد كبير من خريجيها للالتحاق بالوحدات والألوية القتالية عند بدء خدمتهم العسكرية الإجبارية، ويجزم أن إسرائيل هي الوحيدة في العالم التي تمنح مكافآت للمدارس التي يتوجه خريجوها للانخراط في وحدات قتالية بالجيش.
ولا يمكن الإحاطة بالظروف التي سمحت بعسكرة التعليم في إسرائيل من دون الإحاطة بعسكرة المجتمع، والتي تطرق إليها الباحث باروخ كريملنيج، في كتابه "العسكرة في المجتمع الإسرائيلي"، والذي يؤكد أن عسكرة المجتمع، التي من ضمنها عسكرة التعليم، كانت نتيجة طبيعية للاعتماد على القوة العسكرية نتيجة الصراع مع العالم العربي، مما عزز من قيمة العسكرية في المجتمع.