- الإيرانيون يجدون طرقًا للاحتفال بكلا المناسبتين، على الرغم من التحديات والاختلافات في الآراء حول أولوية الاحتفال بعيد النوروز أو شهر رمضان، مع تأكيد البعض على أهمية النوروز كجزء من التراث الإيراني.
- يأتي عيد النوروز في ظل ظروف اقتصادية صعبة، مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات، مما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، لكنهم يحاولون الاحتفال والحفاظ على التقاليد مع مراعاة التغيرات الاجتماعية والدينية.
يأتي عيد النوروز في إيران هذا العام، الذي يُعَدّ المناسبة الأهم في البلاد، مع حلول شهر رمضان، الأمر الذي قد يؤثر في الطقوس الاحتفالية، وخصوصاً بالنسبة إلى الصائمين.
يحلّ اليوم الأربعاء عام جديد في إيران، في ظل ظروف مختلفة عن سابقاتها. إذ تتزامن المناسبة القومية الوطنية مع شهر رمضان، ما من شأنه أن يؤثر في احتفالات عيد النوروز ومراسمه، وهو العيد الأهم في البلاد. ويبدو الجمع بين المناسبتين صعباً، وخصوصاً بالنسبة إلى أولئك الحرصاء على الاثنين، إلا أنهم تمكنوا من الجمع بينهما على طريقتهم.
اليوم الأربعاء 20 مارس/ آذار، وبعد السحور، وتحديداً عند الساعة السادسة و36 دقيقة و26 ثانية فجراً، بحسب التوقيت المحلي في إيران، يجلس الإيرانيون حول "سفرة السينات السبع" المحضّرة لهذه اللحظة، لقراءة دعاء مطلع العام الشمسي الجديد، وهو عام 1403، مرددين: "يا مقلب القلوب والأبصار. يا مدبّر الليل والنهار. حوّل حالنا إلى أحسن حال". لكن لمن يصوم في البلاد، سيبقى على غير العادة في هذه المناسبة التاريخية صائماً.
وتقول الأربعينية زينب إرشادي لـ"العربي الجديد"، إنها تفضل شهر رمضان على الاحتفال بـ"عيد النوروز"، مضيفة أنها لا ترى تناقضاً أو تصادماً في ممارسة طقوس المناسبتين، مشيرة إلى أنها وأسرتها احتفلوا بمناسبة الأربعاء الأحمر بعد تناول الإفطار.
ويبدأ الإيرانيون احتفالات عيد النوروز قبل حلوله بأيام، عندما تخبو الشمس عشيّة آخر يوم ثلاثاء من العام الفارسي، ويستعدون للدخول في العام الشمسي الجديد من خلال إحياء الأربعاء الأحمر أو أربعاء النار، وتسميته الفارسية "جهارشنبه سوري". ولا يمكن تفويت أصوات المفرقعات التي تُطلق مساء يوم الثلاثاء في مختلف مدن إيران وقراها احتفالاً بالمناسبة، وتعبيراً عن الفرح باقتراب عيد النوروز الذي يُحتفل به في 20 مارس/ آذار من كل عام.
وتستقبل الشوارع الإيرانية النوروز الذي يعني اليوم الجديد، بالزهور والعروض الفنية التي تقدمها الشخصية الخيالية المرتبطة بالعيد "حاجي فيروز". يصبغ الحاج فيروز وجهه باللون الأسود، ويطوف شوارع المدن قبل حلول العيد بأسابيع، منشداً قصائد شعبية مع تقديم عروض راقصة، فيما يقدم له المارة النقود كعيدية. في هذا السياق، تقول زينب لـ"العربي الجديد" إن أسرتها ستحتفل الأربعاء بقدوم عيد النوروز بعد تناول السحور، لافتة إلى أنها جهزت سفرة السينات السبع من قبل، وسيجلس أعضاء الأسرة حولها بانتظار حلول رأس السنة الجديدة في الساعة السادسة و36 دقيقة و26 ثانية فجراً.
وتضم السفرة سبع حاجيات تبدأ بحرف السين بالفارسية. وهي "سيب" أي تفاح، ويرمز إلى الجمال والسلامة، و"سير" أي الثوم، ويرمز إلى الصحة، ونبتة "سنبل" التي ترمز إلى الزينة، بالإضافة إلى "سمّاق"، وحلويات "سمنو" التقليدية الشهيرة، وفاكهة "سنجد". كذلك يضعون "سكة"، وهي قطعة نقود معدنية، في مؤشر على طلب الرزق أو المال أو البركة. ويجب أن تضم السفرة حوضاً فيه سمكة، التي ترمز إلى الحياة.
وتقول زينب لـ"العربي الجديد" إن أسرتها هذا العام لن تقوم برحلة نوروزية في أثناء عيد النوروز بسبب رمضان، مشيرة إلى أنها في حال القيام بالسفر، يجب الإفطار وعدم الصوم. وتختلف سكينة فخري زاد في رأيها عن زينب، وتقول إن الأولوية عندها هي للاحتفال بعيد النوروز، وليس رمضان، لكونه عيداً تراثياً تاريخياً، وتفضل أن يبقى خالداً في الذاكرة الإيرانية. تضيف في حديثها لـ"العربي الجديد" أنه يمكن الجمع بين المناسبتين لمن يرغب في الاحتفال بهما معاً، قائلة إن تفضيلها النوروز على رمضان يأتي انطلاقاً من قناعة "أننا إيرانيون قبل أن نكون مسلمين"، مع الإشارة إلى أنها وأسرتها سيقومون برحلة سياحية داخلية في أثناء عطلة النوروز التي تستمر أسبوعين.
ويحتفل الإيرانيون بالنوروز هذا العام أيضاً، في وقت يتفاقم الوضع المعيشي في إيران مع ارتفاع مستمر لأسعار السلع والخدمات، الأمر الذي أثر سلباً بالقدرة الشرائية للمواطنين الإيرانيين واستعداداتهم لشراء مستلزمات النوروز بدءاً من تجديد أثاث البيت وشراء المكسرات والفاكهة والأزياء، وصولاً إلى الرحلات والزيارات. وعليه، أصبح الحراك في الشوارع والأسواق الإيرانية خلال الشهر الذي يسبق النوروز لشراء تلك المستلزمات أخفّ من السنوات السابقة.
في السياق، تقول سكينة إن الكثير من الإيرانيين يعانون جراء المشاكل الاقتصادية التي أثرت كثيراً في قدرتهم الشرائية، ولم يعد في الإمكان القيام بالتحضيرات والاستعدادات للاحتفال بمناسبة النوروز.
من جهته، يوضح عامل البناء الأربعيني كوروش محبوبي، أن الأزمة الاقتصادية تعكّر صفو الأعياد في البلاد، وفي مقدمتها النوروز. وبات من الصعب الاحتفال بالنوروز كالسابق في ظل ارتفاع نسبة التضخم الذي يتجاوز الـ 40 في المائة. يضيف لـ "العربي الجديد" أن دخله الشهري أقل من 200 دولار، ولا يكفي لتغطية احتياجات الاحتفال بالنوروز، مشيراً إلى أنه اقترض مبلغاً من المال وركز على شراء ما تحتاجه ابنته البالغة من العمر 5 سنوات من لباس وغير ذلك، فضلاً عن بعض المكسرات ومستلزمات سفرة السينات السبع وأغراض أخرى.
إلى ذلك، يقول الخبير في الدراسات الإيرانية صلاح الدين خديو، إنه قبل ثلاثين عاماً، شهدت البلاد تداخلاً بين رمضان والنوروز، لكن ظروف تلك الفترة الاجتماعية كانت مختلفة عن اليوم، وكان المجتمع الإيراني محافظاً والدين والالتزام به كان طاغياً على المناسبات الوطنية التاريخية، بحسب استطلاعات رأي أُجريت خلال تلك الفترة. ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن التلفزيون حينها كان يتحدث عن المناسبتين باسم ربيع القرآن (رمضان) وربيع البيئة (النوروز). يضيف أن احتفالات النوروز كانت تتأثر خلال تلك الفترة بطقوس رمضان، والأخيرة كانت تحظى باهتمام شعبي أكبر، لكن ما يحصل اليوم هو العكس على وقع تراجع التدين والتزام الطقوس الدينية في المجتمع. وتشير تقارير إلى تراجع نسبة الصوم.
ويلفت الخبير الإيراني الذي يسكن في مدينة مهاباد الكردية غربيّ إيران، إلى أنه في منطقته على سبيل المثال، هناك زيادة مطردة في المهرجانات والاحتفالات بمناسبة عيد النوروز مقارنة بالسنوات السابقة. ويكمل الإيرانيون احتفالات عيد النوروز في يوم سيزده بدر الذي له رمزية ومكانة مرموقة في الموروث الشعبي، وبه يختمون إجازات هذا العيد التي تستمر أسبوعين. وفي اليوم الـ22 من شهر رمضان وأول إبريل/ نيسان المقبل، يخرج آلاف الإيرانيين منذ الصباح الباكر في "أكبر تظاهرة شعبية فولكلورية"، متجهين إلى الصحراء والأودية والحدائق العامة، مستحضرين عادات وطقوساً تاريخية.