بعد أعوام من المفاوضات لحماية أعالي البحار، اتفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في وقت متأخّر من يوم أمس السبت، على نصّ بشأن معاهدة دولية أولى خاصة بهذه المياه التي تمثّل كنزاً هشّاً وحيوياً يغطي نحو نصف كوكب الأرض.
وأعلنت رئيسة المؤتمر، رينا لي، من مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، التوصّل إلى اتفاق في هذا السياق، وقالت وسط تصفيق المندوبين لفترة طويلة إنّ "السفينة وصلت إلى الشاطئ".
لم تُنشَر الصيغة الدقيقة لنصّ المعاهدة، لكنّ ناشطين عبّروا عن ارتياحهم، وقد رأوا أنّ التوصل إليه يمثّل خطوة على طريق حماية التنوّع الحيوي بعد مناقشات امتدّت على أكثر من 15 عاماً. ويُعَدّ اتفاق في هذا الشأن ضرورياً للحفاظ على 30 في المائة من اليابسة والمحيطات في العالم بحلول عام 2030، بحسب ما كانت حكومات العالم قد أكدت في مدينة مونتريال الكندية في ديسمبر/ كانون الأول 2022، في خلال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع الحيوي (كوب 15).
وصرّحت لورا ميلر من منظمة "غرينبيس" بأنّ "هذا يوم تاريخي يجب حفظه والإشارة إلى أنّ من الممكن أن تنتصر حماية الطبيعة والناس على الأوضاع الجيوسياسية، في عالم منقسم".
#IGC5 negotiations have concluded with a #HighSeasTreaty ! This historic moment means we now have the legal framework to better manage & protect half our blue planet. #OneOceanOnePlanet Thank you to all our members who worked tirelessly for this https://t.co/8r5ZIEW31c pic.twitter.com/pLO5kSRv03
— High Seas Alliance (@HighSeasAllianc) March 5, 2023
ووصف مفوّض الاتحاد الأوروبي لشؤون البيئة فيرجينيوس سينكيفيسيوس، اليوم الأحد، التوصّل إلى نصّ للمعاهدة بأنّه "خطوة حاسمة إلى الأمام للحفاظ على الحياة البحرية والتنوّع الحيوي الضروريَّين لنا وللأجيال المقبلة". ووصف المفوض الأوروبي المكلّف ملفّ المحيطات وصيد الأسماك الأمر بأنّه "تتويج لأكثر من عقد من العمل التحضيري والمفاوضات الدولية التي أدّى فيها الاتحاد الأوروبي دوراً رئيسياً".
وبعد أسبوعَين من المحادثات المكثّفة، بما في ذلك جلسة ماراثونية استمرّت ليل الجمعة-السبت، وضع المندوبون اللمسات الأخيرة على نصّ لا يمكن تغييره الآن بصورة كبيرة. وقالت رئيسة المؤتمر رينا لي، وهي سفيرة سنغافورة للمحيطات وقضايا البحار القانونية، للمفاوضين إنّه "لن يُصار إلى إعادة فتح القضايا أو مناقشات جوهرية". وأعلنت أنّه سيُصار إلى تبنّي المعاهدة رسمياً في وقت لاحق، بعد عرضها على محامين وترجمتها إلى اللغات الرسمية الستّ للأمم المتحدة.
وفي هذا الإطار، أشاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بالمندوبين، وأكّد بحسب ما نقل متحدّث باسمه أنّ الاتفاق المنجز يمثّل "انتصاراً للتعددية وللجهود العالمية لمواجهة الاتجاهات المدمّرة التي تستهدف صحة المحيطات الآن وللأجيال المقبلة".
ماذا يقصد بمنطقة أعالي البحار؟
وتبدأ منطقة أعالي البحار من النقطة التي تنتهي فيها المناطق الاقتصادية الخالصة للدول، على بعد 200 ميل بحري (370 كيلومتراً) كحدّ أقصى عن الساحل. وهي لا تخضع لأيّ ولاية قضائية وطنية من الدول. وبينما تمثّل أعالي البحار أكثر من 60 في المائة من محيطات العالم، ونحو نصف مساحة سطح الكوكب، فإنّها لم تستقطب الاهتمام ذاته مثل المياه الساحلية، علماً أنّ نحو واحد في المائة فقط من أعالي البحار يحظى بالحماية في الوقت الراهن. وتنتج النظم البيئية للمحيطات نصف الأوكسيجين الذي نتنفّسه، وتحدّ من الاحترار المناخي من خلال تخزين جزء كبير من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الأنشطة الصناعية.
وعندما تدخل المعاهدة الجديدة حيّز التنفيذ، ستسمح بإنشاء مناطق بحرية محميّة في هذه المياه الدولية (أعالي البحار). وقالت ليز كاران من مؤسسة "صندوق بيو للأعمال الخيرية" إنّ "من الممكن للمناطق البحرية المحميّة في أعالي البحار أن تؤدّي دوراً حاسماً في إنشاء مرونة لمواجهة تأثير تغيّر المناخ". ووصفت المعاهدة بأنّها "إنجاز بالغ الأهمية".
وستُلزم المعاهدة الدول بتقييم الأثر البيئي للأنشطة في أعالي البحار. وقد شكّل أحد الفصول الحساسة جداً بشأن تقاسم الفوائد المحتملة للموارد البحرية المكتشفة حديثاً إحدى النقاط المحورية للخلافات قبل أن تُحسَم أخيراً، فيما تجاوزت المحادثات المهلة المحدّدة لانتهائها، أي أوّل من أمس الجمعة، ومُدّدت يوماً واحداً.
وكافحت البلدان النامية التي لا تملك الوسائل الكفيلة بتحمّل نفقات الأبحاث المكلفة، من أجل عدم استبعادها من المكاسب المتوقّعة من تسويق المواد المحتمل اكتشافها في أعالي البحار. وقد تتحقّق أرباح من الاستخدام الصيدلاني أو الكيميائي أو التجميلي للمواد البحرية المكتشفة حديثاً التي لا تعود ملكيتها إلى أيّ جهة. وكما هي الحال في المنتديات الدولية الأخرى، ولا سيّما مفاوضات المناخ، تحوّل النقاش إلى جدال حول مسألة ضمان المساواة ما بين جنوب العالم الأفقر والشمال الأكثر ثراءً، بحسب ما لاحظ مراقبون.
وفي خطوة عُدّت محاولة لبناء الثقة ما بين الدول الغنية وتلك الفقيرة، تعهّد الاتحاد الأوروبي في نيويورك تخصيص 40 مليون يورو (نحو 42.5 مليون دولار أميركي) لتسهيل التصديق على المعاهدة وتنفيذها في وقت سريع. كذلك تعهّد الاتحاد تخصيص 860 مليون يورو (نحو 915 دولاراً) للأبحاث والمراقبة وحماية المحيطات في عام 2023، في خلال مؤتمر "محيطنا" الذي اختُتمت أعماله أمس الجمعة في بنما.
تجدر الإشارة إلى أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت، في عام 2017، قراراً يدعو الدول إلى وضع معاهدة لأعالي البحار. وقالت لورا ميلر من منظمة "غرينبيس" تعليقاً على إعلان الاتفاق: "يمكننا الآن أخيراً الانتقال من الكلام إلى تغيير حقيقي في البحر".
(فرانس برس)