- سكان غزة، خصوصًا في رفح، يعيشون ظروفًا قاسية خلال رمضان، مع تدمير المساجد وصعوبات في تأمين الغذاء، وسط أخبار عن اجتياح محتمل أو وقف لإطلاق النار.
- الوضع الإنساني يتفاقم في غزة مع قلة الموارد واستمرار الغارات الإسرائيلية، مما يضع العائلات أمام خيارات محدودة وخطيرة للبقاء أو النزوح، في ظل الأزمة المستمرة.
صادقت حكومة الحرب التي شكلها الاحتلال الإسرائيلي في بداية العدوان على غزة، أمس الأول الجمعة، على خطط العملية العسكرية التي يهدد بها الاحتلال مدينة رفح، في تجاهل تام لكل التحذيرات الدولية التي عبرت عن القلق من مخاطر العملية التي ستؤدي إلى كارثة إنسانية كبيرة، خصوصاً مع عدم وجود مهرب لنحو نصف سكان القطاع المكتظين في المدينة الصغيرة، وعدم توفير ممر آمن حقيقي لإجلائهم منها.
وأدى عشرات الآلاف أول صلاة جمعة من شهر رمضان في العراء في ظل تدمير العديد من مساجد مدينة رفح، ثم عادوا إلى الأماكن التي نزحوا إليها، ليتواصل صراعهم للبقاء على قيد الحياة عبر محاولة تأمين الغذاء، والتكيف مع المأساة الإنسانية التي يعيشونها بالتزامن مع سيل الأخبار التي تتحدث عن قرب اجتياح رفح، وأخبار أخرى تتحدث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، على أمل إيقاف العدوان.
ويوجد في مدينة رفح ما يقارب مليون و400 ألف فلسطيني، ويواجه جميع هؤلاء صعوبات جمة على مستويات عدة، فأماكن الإيواء محدودة، ولا تتوفر فيها أبسط المستلزمات المعيشية، والغارات الإسرائيلية لا تتوقف، وتقتل العشرات وتدمر المنازل يومياً، خصوصاً في شرقي رفح، وفي غربي منطقة النصر، وكذلك عند الحدود المصرية من الناحية الغربية الجنوبية.
تعيش عائلة عمر أبو ريالة (52 سنة) حالة من القلق بعد تدمير منزلهم في مدينة غزة بالكامل، وتكرار نزوحهم أكثر من سبع مرات، ونجاتهم من موت محقق أثناء النزوح من مدينة خانيونس في يناير/كانون الثاني الماضي. يبحث الرجل حالياً عن أي مفر، فابنه مصاب بكسور في الحوض، وزوجته لديها إصابة بالغة في الرأس. لكن لا مكان آمناً يهربون إليه.
تنفيذ الاحتلال العملية العسكرية في رفح سيؤدي إلى كارثة إنسانية كبيرة
أثناء كل نزوح، كان أبو ريالة يقصد الأماكن التي توجد فيها العيادات الطبية حتى يحصل ابنه وزوجته على العلاج رغم ندرة الأدوية والمعدات الطبية، وفي النزوح الأخير إلى رفح، استقر إلى جانب عدد من العيادات الطبية التي ما زالت تعمل، لكنه يشعر الآن بقلق كبير على حياة أسرته المكونة من ثمانية أفراد، ويخشى من عدم القدرة على علاج ابنه وزوجته في حال اضطروا إلى نزوح جديد.
يقول لـ"العربي الجديد": "نزحنا إلى كلّ الأماكن التي ادعى جيش الاحتلال أنها آمنة، لكنه أجبرنا لاحقاً على مغادرتها مجدداً، في حين أن الحلول المتاحة حالياً محدودة للغاية. في بداية العدوان، رفضنا الخروج من منزلنا، إذ لم نكن نريد أن يتم تهجيرنا كما حدث مع أجدادنا في نكبة 1948، لكننا أجبرنا على النزوح بعد تدمير المنزل، وعايشنا ما هو أسوأ من النكبة، وهنا في رفح، نعيش توتراً متزايداً منذ شهر بسبب التهديدات الإسرائيلية التي خفتت قليلاً مع الحديث عن المفاوضات، لكنها عادت بعد مصادقتهم على العملية العسكرية. أصبحنا نحلم بالعودة إلى مدينة غزة، ونحن على الحدود المصرية".
يضيف أبو ريالة: "فكرت في النزوح، لكني لا أملك المال لنقل أسرتي، ومثل كثيرين هنا، لا أعرف إلى أين نذهب، فالحرب جعلتنا فقراء ضعفاء، ونعيش على المساعدات التي نتعرض لإذلال كبير للحصول عليها، ولا أستطيع النزوح مشياً لأني أعاني إعاقة في ساقي بسبب إصابة سابقة؛ لذا إما أن ننجو، وإما أن تصعد أرواحنا إلى السماء هذه المرة".
وتزداد تخوفات الغزيين لأن العملية العسكرية على رفح ستعني زيادة عزل قطاع غزة، ووصول العمليات البرية إلى جميع المدن والمحافظات الخمس، وستصل إلى الملاذ الأخير لهم المرتبط بمعبر رفح البري، وهو المنفذ الوحيد للقطاع الذي تصل عبره عدد من شاحنات المساعدات يومياً، رغم قلتها.
وفي حال تنفيذ الاحتلال العملية العسكرية في رفح، سيسبّب ذلك حالة من الشلل في القطاع الطبي، خصوصاً المستشفى العام الوحيد فيها، وهو "مستشفى أبو يوسف النجار"، وكذلك مستشفيان ميدانيان تم إنشاؤهما بعد بدء العدوان.
يتلقى أحمد أبو عطية (27 سنة) العلاج في المستشفى الميداني الأردني، وقد أجرى عمليتين جراحيتين في الظهر، واحدة في مجمع ناصر الطبي بخانيونس، والأخرى في مستشفى أبو يوسف النجار. ويقول لـ"العربي الجديد": "لا أعرف إلى أين أهرب؟ نزحت متعكزاً على كتف شقيقي عدة مرات، وأنا الآن في خيمة قريبة من الحدود المصرية، ومع التهديدات الأخيرة، بدأت أبحث عن طريقة للنزوح الجديد، إما إلى مخيم النصيرات وإما إلى مخيم دير البلح، لكن تلقي العلاج هو الأهم، فأنا لا أريد الموت، ومنذ طفولتي أعيش حروباً وحصاراً".
ونزحت عدد من العائلات بالفعل إلى مدينة ومخيم دير البلح في وسط القطاع، وتقدر الأعداد بالمئات، ويعلل هؤلاء نزوحهم بسببين، الأول هو التهديد الإسرائيلي الأخير باجتياح رفح الذي يجعل البقاء فيها غير آمن، والثاني قلة المساعدات التي يتم منحهم إياها من وكالة "أونروا"، خصوصاً أنهم مسجلون في خارج مراكز الإيواء.
رفح الملاذ الأخير لمئات آلاف النازحين الفلسطينيين من شمال ووسط غزة
تقول أم فؤاد حميد (55 سنة)، إن "العيش في مدينة رفح كان مذلاً لنا، لكن لم يكن أمامنا بديل بعد أن فقدنا مصدر رزق العائلة عقب تدمير القصف محلاتنا التجارية في مدينة غزة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقد عايشنا النزوح عدة مرات وصولاً إلى رفح، وكنا نظنها الأكثر أمناً، وتحملنا مشقة الجوع في انتظار المساعدات كوننا نعيش خارج مراكز الإيواء، وفي كثير من المرات كنت أحصل على بيضات معدودة بعد أيام من الانتظار، وبعد المصادقة على العملية العسكرية على رفح، قررت النزوح مجدداً بأسرتي المكونة من تسعة أفراد".
تضيف لـ"العربي الجديد": "بقاؤنا في رفح كان من أجل الأمان، لكن حين سمعنا عن المصادقة على العملية العسكرية، بدأنا نحضر أغراضنا للنزوح إلى مدينة دير البلح، فالجوع سيلاحقنا في أي مكان، لكن الروح غالية، وسننزح في نهار رمضان. لا نريد المذلة ولا حياة حروب، وإن شاء الله تنتهي الحرب قريباً، وأكرر كل يوم: اللهم أحسن خاتمتنا في الدنيا".
وذكرت المصادر العبرية أن قيادة جيش الاحتلال ستفتح شارعاً آمناً لمغادرة رفح، في محاولة لتجميل الصورة دولياً، وتبرير العمليات في رفح، لكن على أرض الواقع، لم يتغير الحال، إذ ينزح الغزيون عبر شارع الرشيد المطل على شاطئ البحر باعتباره الشارع الذي تسير منه شاحنات المساعدات، والذي اتخذه الآلاف سبيلاً للنزوح منذ بداية العدوان.
وخلال الشهر الماضي، نزح المئات إلى مدينة دير البلح ومخيمها، لكن نتيجة كونه أصغر مخيمات القطاع الثمانية التابعة لوكالة "أونروا"، قرر بعضهم العودة إلى مدينة رفح. كان من بين هؤلاء رشاد صبيح (40 سنة)، والذي بدأ مجدداً التحضر للنزوح إلى دير البلح، حتى ولو مشياً على الأقدام، رفقة أسرته المكونة من 6 أفراد ووالدته المسنة.
تعرض صبيح لإصابة في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ولا يزال يعاني آلاماً شديدة في ساقيه بسبب تلك الإصابة، لكنه رغم ذلك ينوي متابعة طريق النزوح، ويبين أن إصابته، وكذلك والدته المريضة تجعل النزوح حتمياً.
ويوضح لـ"العربي الجديد": "قبل أكثر من شهر، وبعد أن تزايدت التهديدات كثيراً، وتكرر القصف الإسرائيلي، وطاول عدة منازل في رفح، توجهت مع أسرتي إلى مدينة دير البلح ، لكننا للأسف لم نكن نحصل على أية مساعدات غذائية، ولم يتم منحنا مكاناً للإقامة فيه، فعدت إلى رفح على أمل أن يكون هناك القليل من الأمن الغذائي، وكنت حينها أعتقد أنه لن يحدث اجتياح، لكن يبدو أن الاجتياح سيحدث".
يتابع صبيح: "خلال رحلة النزوح، تذكرت المشاهد التي شاهدتها في مسلسل (التغريبة الفلسطينية) الذي صور حياة الفلسطينيين أثناء نكبة 1948، وكنت أعتقد أنني لن أعيشها، لكني عشت ما هو أصعب بكثير. لا مفر لنا حالياً، وغالبية الناس ضائعة، ولا أحد يعرف إلى أين يذهب، في الغرب البحر، وتوجد فيها مدمرات الاحتلال وزوارقه، وفي الشمال احتلال وقصف وحصار، وحواجز جديدة، وقناصة، وفي الشرق يوجد جنود الاحتلال في كل مكان، وفي الجنوب الحدود المصرية المغلقة، ودخولنا منها صعب، إذ يجب أن ننتظر دورنا، والانتظار طويل، أو ندفع من أجل التنسيق، وليس لدينا مال ندفعه، كما أن أرواحنا لن تتحمل العيش خارج قطاع غزة".