كشفت عطلة عيد الربيع الأخيرة في الصين ظاهرة جديدة ارتبطت بشبان يواجهون ضغوطاً من أسرهم من أجل حثهم على الزواج. ففي أيام الإجازة الأطول في البلاد والتي تكاد تكون المناسبة الوحيدة التي يلتئم فيها شمل الموظفين والعمال بأهلهم وذويهم طوال العام، ما يبث في النفوس بهجة العودة إلى كنف العائلة، يعاني الشبان العازفون عن الزواج من أعباء نفسية تنتج من إلحاح الأسر وترشيح فتيات لهم للارتباط، ما يدفع هؤلاء الشبان إلى اللجوء لما يعرف بـ"استئجار" فتيات يمثلن دور الخطيبات أمام الأهل لأيام معدودة، قبل أن يفترقا بعد انتهاء العطلة. وتصل أجرة الفتاة في اليوم الواحد إلى نحو 1400 يوان صيني، أي ما يعادل 200 دولار، وتوفرها مكاتب وشركات خاصة.
إخراج محكم
لم يجد خو فينغ (27 عاماً) الذي يعمل في مدرسة لتعليم قيادة السيارات بمدينة شنيانغ (شمال شرق)، إلا حل اللجوء إلى حيلة الارتباط صورياً لقطع الطريق أمام والديه كي لا يرشحا له مزيداً من الفتيات في قريته بمقاطعة هينان الجنوبية، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا أنجو رغم أنني بعيد عن أسرتي من الأسئلة اليومية المتكررة: هل عثرت على فتاة؟ متى ستتزوج؟ عدا الصور التي ترسلها لي والدتي على هاتفي الخليوي لعشرات الفتيات من القرية بأمل أن تعجبني إحداهن، لذا فكرت هذه المرة في أن أصطحب معي فتاة لتمثل دور زوجتي المستقبلية، بعدما نصحني صديق بتنفيذ هذه الطريقة كي أنعم بإجازة هادئة وخالية من المنغصات. يضيف: "تواصلت مع مكتب في المدينة، واخترت فتاة لمرافقتي وتمثيل دور الخطيبة أمام أهلي. وقد دفعت مبلغاً كبيراً وصل إلى نحو 800 دولار مقابل أن تبقى الفتاة معي لمدة ثلاثة أيام. وهذا المبلغ لم يشمل تذاكر السفر والإقامة والطعام والشراب، لكنني اشتريت راحتي بهذه الخطوة، وسددت باباً كبيراً من الإلحاح اليومي والاستياء اللذين يظهران على وجوه أفراد أسرتي في كل مرة أزورهم فيها أعزب". وعن كيفية التصرف أمام الأسرة، يقول خو: "خضعت الفتاة لحصة تدريب مصغّرة قبل السفر جرى فيها شرح عادات المنطقة التي أنتمي إليها في إحياء عيد الربيع، وأساليب تعامل أفراد الأسرة مع بعضهم البعض. وقد اتفقنا مسبقاً على كل شيء، مثل حدود الإجابات والخطط المستقبلية الخاصة بمكان الإقامة وعدد وأسماء الأطفال الذين نرغب في إنجابهم، وأشياء أخرى من هذا النوع".
حقنة مسكنة
تعلّق المستشارة الاجتماعية شوا يانغ على الظاهرة بالقول لـ"العربي الجديد": "ليس استئجار الفتيات لأغراض الوجاهة جديداً لكنه ازدهر مع زيادة وطأة الضغوط الاجتماعية على الشباب وارتفاع معدلات من تجاوزوا سن الثلاثين من دون زواج. وهذا العام كان الوضع مختلفاً عن الأعوام السابقة التي عانت فيها البلاد من جائحة كورونا، علماً أن ظروف الوباء والإغلاقات ساعدت الشباب في التنصل من الضغوط خلال الفترة الماضية، لأن الظروف لم تسمح بالتواصل بين الجنسين. وبعد وقف سياسة "صفر كوفيد" وتحرر البلاد من القيود لم تعد هناك ذرائع للهروب من قفص الزوجية، كما أن الحياة عادت إلى طبيعتها، وكذلك الشركات والمؤسسات، وهي عوامل رفعت درجات التأهب لدى الأسر، ودفعت في اتجاه مزيد من الإلحاح على الشباب، ما جعل طريق العودة إلى القرى لقضاء الإجازة بالنسبة إلى بعضهم أشبه بجحيم، لذا لجأوا إلى حيلة الارتباط الصوري الذي يعتبر بمثابة حقنة مسكنة لصداع لا ينتهي".
وتوضح يانغ أن "ما يقف خلف عزوف الشباب عن الزواج ليس جائحة كورونا، بل الظروف الاجتماعية الصعبة، وتكلفة المعيشة، ونمط الحياة الصناعية، وأعباء رعاية الأبناء، خاصة في المناطق الحضرية. وهذه العوامل مجتمعة ساهمت في تهويل فكرة الزواج والإنجاب بالنسبة إلى الأجيال الجديدة، وهو أمر لا تستوعبه الأسر التي ترغب في تزويج أبنائها".
يشار إلى أن السلطات تكافح من أجل حث الشباب على الزواج والإنجاب بعدما تراجعت نسبة المواليد الجدد إلى معدلات غير مسبوقة، وهو ما ترافق مع ارتفاع عدد المسنين الذين باتوا يمثلون أكثر من 10 في المائة من عدد سكان المجتمع.
يشار إلى أن السلطات تكافح من أجل حث الشباب على الزواج والإنجاب بعدما تراجعت نسبة المواليد الجدد إلى معدلات غير مسبوقة، وهو ما ترافق مع ارتفاع عدد المسنين الذين باتوا يمثلون أكثر من 10 في المائة من عدد سكان المجتمع.