استراتيجيات الطيور الانتهازية والناضجة

17 أكتوبر 2021
تجهد لتوفير الغذاء لفراخها (عطا كناره/ فرانس برس)
+ الخط -

 

تتفاوت أنواع الطيور في ما بينها من حيث الأشكال والألوان وطبيعة الغذاء وأماكن العثور عليه، كما وأماكن وجود مستلزمات كل نوع في البيئات المختلفة. أشياء كثيرة نعلمها عن الطيور مثل تفاوت شكل المنقار والأرجل، الخ. ولكن ما قد لا نعرفه هو التفاوت بين استراتيجيات الطيور والأسباب الكامنة خلفها. أمور يمكن أن نكون قد شاهدناها في حياتنا ولكننا لم نفكر يوماً بأن هنالك أسباباً تكمن خلفها. فالعصافير الصغيرة تتدرج ما بين الأنواع الانتهازية والأنواع الناضجة. الأولى تمتنع عن التفريخ ربما إلى سنة أو سنتين حتى يهطل المطر، فتدرك بغريزتها أن ماء السماء سوف ينبت الأعشاب الطرية والتي بدورها تستضيف الحشرات الصغيرة، فتسارع إلى بناء عش بسيط وتضع فيه عدداً لا بأس به من البيض وتحضنه لمدة قصيرة من الزمن قد تتراوح ما بين 10 إلى 14 يوماً. وعند فقس البيض تكون الحشرات الصغيرة التي تناسب حجم الفراخ متوفرة، ومع نمو الحشرات من حيث الحجم تنمو الفراخ التي تتطلب غذاء أكثر، ولكن الأهل يوفرون طاقتهم بالبحث فقط عن الحشرات الأكبر، وهكذا. ثم تصبح الفراخ قادرة على الطيران خلال فترة زمنية قصيرة تساوي فترة الحضن، فترحل متفرقة هنا وهناك بعيدة عن أهلها حيث تكون الرابطة العائلية ضعيفة، مثبتة بذلك استمرارية النوع الذي على الرغم من هامشيته لا بد أنه يؤدي أدواراً في الحياة. 

إن الكثير من الأنواع الصغيرة يبلغ سن التزاوج بعد سنة ويعيش لمعدل 2-3 سنوات. هذه الإستراتيجية التي تنتشر بين الطيور الصغيرة، تحدث لدى القليل من الأنواع كبيرة الحجم نسبياً، مثل بومة الحظائر التي تعتمد أيضاً على المطر الذي ينبت العشب ويكثر من القوارض، خاصة فئران الحقل التي يفضلها البوم على غيرها لإطعام الصغار. 

وكلما كان المطر أوفر كان عدد البيض أكبر، حيث يمكن أن يصل إلى 8 بيضات. والبومة هذه التي يصل وزنها إلى حوالي 450 غراماً تبلغ سن النضوج الجنسي بعد سنة مثل العصافير الانتهازية التي تزن حوالي الـ 5-15 غراماً، كما أنها تقترب من الطيور الانتهازية في متوسط أعمارها حيث هو 2-3 سنوات فقط، أي أن الأنثى ليس لديها فرصة وضع البيض إلا مرة أو مرتين. في المقابل هناك أنواع ناضجة ومتخصصة سواء كانت صغيرة أو كبيرة، مثل نقار الخشب الذي يحفر عشه في جذوع الأشجار المعمرة بنفسه ويعيش على الديدان والحشرات وبعض أنواع الثمار البرية مثل البلوط. وهو يخبئ الطعام للأيام الصعبة، خاصة في فصل الشتاء. هو طائر ناضج لأنه متخصص ويعيش في غابات ناضجة بأشجارها المعمرة ومستقرة بوفرة الطعام فيها حيث لكل نوع طعام يختلف عن الآخر ومواد وأماكن تختلف من نوع إلى الآخر، ولكن كل نوع يكمل الآخر. فنقار الخشب يعرف كيف يستخرج الديدان من ثقوب الأشجار. وهو يعيش، حسب النوع، ما بين 15 إلى 30 سنة. أما الصغار فتكبر وتبقى لفترة مع عائلتها التي تهتم بها قبل أن تعتمد على نفسها. 

موقف
التحديثات الحية

ويتدرج التخصص مع النضوج والأماكن التي توفر الاستقرار للنوع من حيث الغذاء. هذه هي حال طائر البطريق الذي يبلغ سن النضوج الجنسي في عمر 5-8 سنوات ويعيش على الأسماك المتوفرة في المحيط، وهو يكتفي ببيضة واحدة تضعها الأنثى على قدم الذكر ليحضنها ما بين قدمه وجسمه كي لا تلمس الثلج في بيئته القطبية، وتصل فترة الحضن إلى ستة أشهر، تقوم الأنثى خلالها بجلب الطعام للذكر ومن ثم له وللصغير وبعدها تبتعد عدة أيام لتعود وتأخذ عن الذكر عبء تربية الصغير. ويبقى الفرخ تحت رعاية الأبوين لمدة 6 أشهر أخرى، ولكن الرابط العائلي يستمر لأكثر من ذلك. ويبلغ البطريق الإمبراطوري سن النضوج الجنسي عند العاشرة ويضع بيضة واحدة كل سنتين. أما طائر القطرس البحري فيبلغ سن النضوج الجنسي بعد 17 سنة ويربي صغيراً واحداً في السنة ليترك العش بعد 9 أشهر ويعيش نحو 70 عاماً يجوب البحار في معظم الوقت. في سن السبعين تستمر القدرة عنده على وضع البيض. وما بين حالة القطرس والعصافير الانتهازية نجد جميع التدرجات في عدد البيض وسن البلوغ ومدة حضن البيض ومدة رعاية الصغار ومتوسط عمر الطائر. كل شيء مبني على التخصص، وكلما كان  التخصص نادراً قل عدد البيض وازدادت مدة الرعاية والاهتمام بالصغار، تماماً كما هي حال الإنسان.

(متخصص في علم الطيور البرية)